بكر أبو بكر
أمد/ ليس من السهل أن تقرأ للمفكر والكاتب الكبير خالد الحسن رحمه الله، سوأء في أوراقه السياسية العديدة، أوفي تحليلاته ذات الطابع العروبي الخالص والمفعمة بالايمان العميق بالنصر.
كما ليس من السهل أن تطّلع على كتبه ودراساته الفكرية الرصينة، دون استغراق. وهي الكتب التي جالت بين دوائر متعددة في المعنى والماهية، وفي الفكرة والاسقاطات، وفي طريقة الفهم وتعدد الأفهام، وفي مناهج التفكير، وفي الاستراتيجي والمرحلي.
في ظل العدوان الفاشي على فلسطين وعلى غزة، وبمناسبة ميلاده في 13/2/1928 (توفي عام 1994م) فأنك لن تستطيع فكاكا من أسر مفرداته، ومصطلحاته وتعريفاته، وطريقة رؤيته للأمور وتوضيحه لمجريات الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية على غير الهيئة أو الصيغة التي يعبر فيها زملاؤه عنها.
خالد الحسن (أبوالسعيد) – كما كان إخوته الكبار من نفس جيل ثورة المستحيل -ثورة بساط الريح- كمال عدوان وصلاح خلف وماجد أبوشرار، وجورج حبش وعبدالوهاب الكيالي وسليمان النجاب، ونايف حواتمة… ولاحقا صخر حبش وهاني الحسن وعثمان أبوغربية…- كان عمودا من أعمدة الفكر في الثورة الفلسطينية، كما في الحركة أولئك الذين استطاعوا تحقيق الربط الفكري الثقافي الصلب، بالوضع السياسي المتغير الذي كان يطغى بمفرداته اليوميه وحراكه السريع على تنظيرات المفكرين طويلة النفس تماما كما حرب الشعب.
ان المفكر ينهد نحو المستقبل، ويرى الحاضر بواقع ارتباطاته وصيرورة حركته متنبئا بالمآلات والنتائج من النظر في منحى العلاقة بين القيادة والجماهير، وعينه أبدا لا تتحول عن الخصم او العدو الأساسي، وفي استبصار للمتغيرات الداخلية والخارجية وفق معادلة مركبة يستطيع عبرها حل الرموز والابهامات.
يعمل المفكر على رسم شكل الطريق أو الطرق، لأنه لربما يكون للنتيجة الصحيحة أكثر من طريق يمكن اتباعه تماما مثل حل مسألة الرياضيات التي قد تقبل أكثر من مسار في جميعها الباب المؤدي للنتيجة أوالحل.
ويأتي هنا دور القائد السياسي بعد المفكر للنظر في الطريق الأقصر أو الطريق الأسلم أوالاوفق وفق تقديره للوضع القائم والمتغيرات، أو وفق مصالح القوى المتنافسة في ظل تعظيم مستوى الفائدة أو المصلحة المتحققة للقضية وليس لذات القائد.
خالد الحسن من تلك القيادة الفريدة التي جمعت بين الفكر والثقافة والعقيدة (الأيديولوجية)، وبين السياسية والإدارة الانسانية، وتكاد تلمس في كتاباته -ومن جايلوه ممن ذكرنا وغيرهم- البعد الوطني (والقومي) الإنساني، والبعد المستقبلي، والبعد الإيماني فلا انقطاع للأحبال الثلاثة أبدا فالقضية قضية عقدية إيمانية مرتبطة بحبل من الله وبحبل من إرادة البشر، والقضية تملك مفاتيح المستقبل مادام القابضين على الجمر هم ملاك المفاتيح التي سيتم تسليمها كما هي للجيل الصاعد إن لم تهتدي الاجيال الحالية للأبواب.
أبوالسعيد رحمه الله لم يكن ليترك أي فرصة دون أن يتخذ مقعد المنظّر والمعلم، والأب الموجه بسلاسة لا تقطع حبال الود وبلطافة لا تشعر المستقبِل بضعفه الفكري أو السياسي او المعرفي عامة، بل بطراوة اليد الحانية التي تسير بك الى النهر لتشربان منه معا.
في مقابلاته وكتبه وكثير من ندواته ومقابلاته فإن للفكر والسياسة والاقتصاد كثير ارتباط حتى يصح القول أن ما يتحدث فيه هو اقرب للفكر السياسي ولفلسفة علم النفس السياسي دون الإضرار بمفاهيم العلوم السياسية والقدرة على استجلاب الجماعات التائهة عن مجرى النهر اليه.
يقدم خالد الحسن الفكرة برداء العقيدة الوطنية، والمصطلح بعمقه العربي والقومي، والسياسة من حيث هي المصالح السياسية-الاقتصادية-الثقافية الجامعة للقضية والأمة معا وبأبعادها العالمية، ويقدم المفاهيم العديدة، التي منها مفهوم القائد من حيث هو والجماهير متماهيان، ويقدم النظر للتعامل مع الدول العربية من زاوية التضامن والتعاون والوحدة التي لا بد منها، إن عاجلا او آجلا، لأن بها تتأسس معادلة النصر بإقامة الدولة الديمقراطية في فلسطين، وطرد الاحتلال و فكرالاستعمار والاستعباد، والتخلص من الاستكبار والاستبداد. (من المقدمة التي كتبناها لكتاب أبوالسعيد من يحكم الآخر امريكا ام إسرائيل)