سليم يونس الزريعي
أمد/ يبدو أن الحرب العدوانية على قطاع غزة قد أجبرت واشنطن ودول أوروبية على مقاربة مختلفة، وربما التفكير خارج إطار ما تعودت عليه تلك الدول من تجاهل لجرائم الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني منذ زرعه مرورا بكل جرائمه طوال تلك العقود، وصولا إلى ذروة تلك هذه الجرائم ممثلة في محرقة غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023 .
في تجاهل فظ إلى أن هذا الكيان يحتل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية في حماية ودعم واشنطن ودول الغرب الاستعماري وكل الأنظمة التي تسير في فلكهم. بأن جعلوا هذا الكيان الغاصب فوف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.
ولاشك أن أهم متغير هو الذي يتعلق بالموقف الأمريكي والأوروبي الذي يبدو وكأنه اكتشف فجأة أن قيام دولة فلسطينية هو الحل لما اعتبروه غياب الاستقرار وكف يد الفلسطينيين عن استهداف الكيان ، بما يسببه الفعل الفلسطيني ، ورد فعل الكيان من ردود فعل تتعدى فلسطين إلى دول الجوار بشكل يوثر على مصالح واشنطن في المنطقة، وهو من ثم ليس انتصارا للشعب الفلسطيني كحق مشروع ابتداء ومنطلق لتصحيح خطايا تاريخية مارستها أمريكا والغرب ضد الشعب الفلسطيني عندما ساهمت في زرع هذا الكيان الكولنيالي في أرض فلسطين وقدمت له الدعم والحماية كل تلك السنوات. وإنما لأن عملية طوفان الأقصى بكل النتائج التي أحدثتها في الجانب الصهيوني ليس على صعيد الخسائر البشرية على أهميتها البالغة ولكن في كشف وتعرية الكيان الذي كان يعتبر أن سلاحه الأهم هو في امتلاكه قوة الردع، وكان قد مارس ذلك طوال العقود الماضية ضد أكثر من دولة غربية، لكن زلزال 7 أكتوبر كشف أن ذلك لم يعد قائما ليس أمام جيش بإمكانياته وقدراته، وإنما سقط أمام حركات مقاومة .
إن هذا المتغير جعل ليس الولايات المتحدة وأوروبا تبحث عن السبب الحقيقي الذي فجر هذا التناقض بهذا الشكل الدموي، وإنما الدول العربية التي كانت قد تجاهلت القضية الفلسطينية كقضية شعب يسعى للاستقلال ، وأقدمت على إقامة علاقات طبيعية مع الكيان المحتل في الوقت الذي كان يعتدي على غزة الضفة وينتهك حرمات الأقصى، لكن الفارق هذه المرة أن الكيان هو من دفع الثمن ولأنه لم يستوعب ما جرى ، قرر شن محرقة غزة بحثا عن استعادة هيبته ورد اعتبار مؤسسته العسكرية وفشله الأمني الداخلي والاستخباري، الذي كان من نتيجته أسر هذا الكم الكبير من جنوده ومستوطنيه. في ما كانت الخسائر على مدى أكثر من سبعة عقود هي في الجانب الفلسطيني أو العربي، بدليل احتلال كل فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية.
ولذلك انشغل الجميع بدءا بالولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن بالبحث في اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة، بإنهاء حكم حماس وربط قطاع غزة بالضفة أي تصويب ما أقدمت عليه حماس عام 2007، وإقامة سلطة فلسطينية قادرة على منع تكرار عملية طوفان الأقصى، وتقدم للفلسطينيين دولة ترضي طموح الكثير منهم، وتضبط إيقاع المشهد الفلسطيني داخليا ومع محيطها، سواء الكيان الصهيوني أو الدول العربية.
هذا التطور أعاد كل الأطراف إلى البحث في جذر ما جري وهو أمر طالما تعمدوا تجاهله ,وهو أن هناك احتلال وشعب واقع تحت الاحتلال، وهو لم يتخلى عن حقه المشروع في الحرية والاستقلال، وهذا يعني أنه لا استقرار في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة فلسطينية على الأقل هذا في الشكل، لأنه دون تقديم جد أدنى يلبي طموح الشعب الفلسطيني في دولة، فلن يكون هناك استقرارا مطلقاـ.
ومن الطبيعي أن تكون الدولة بمواصفات أمريكية وعربية محافظة، بأن تفرض عليها شروطا ربما كفيلة يضبط إيقاع الحالة الفلسطينية كفاحيا ، بما يحفظ أمن الكيان، وبالتأكيد فإن ذلك لن ينهي الصراع وإنما سيبقى قائما، إن بوتائر مختلفة لأن الشعب الفلسطيني لن يقبل بكيان ملحق أو تابع أو منقوص السيادة، كون ذلك سيكون محرضا على استمرار الكفاح من أجل دولة كاملة السيادة وعودة اللاجئين.
لكن هذا الحراك والتحول الأمريكي والأوروربي نحو إقامة دولة فلسطينية الذي لم تتبلور ملامحه تماما جعل نتنياهو يحاول استباقه
عندما قال إن “إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”، كما شدد على المعارضة الإسرائيلية لـ”الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية”.
ونتنياهو الذي أجهض مبدأ حل الدولتين عمليا عبر الاستيطان وسياسيا عبر التنكر لاتفاق أوسلو الذي لا يحظى بإجماع سياسي وشعبي فلسطيني، إنما هو تعدى ذلك نحو التدخل في قرارات الدول الأخرى من خلال رفض اعتراف أي دولة بالدولة الفلسطينية ، معتبرا أنه اعتراف أحادي الجانب، وأضاف أنه “لن يتم التوصل إلى تسوية إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين، دون شروط مسبقة”، وقال إن الاعتراف بدولة فلسطينية في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، “يمنح جائزة ضخمة للإرهاب غير المسبوق، ويمنع أي تسوية مستقبلية للسلام”.
والسؤال هنا هل تخضع الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبعض الدول العربية التي تسير في ركب أمريكا لابتزاز الكيان الصهيوني؟ ، أم أن المسألة تتعدى مصالح الكيان إلى مصالح أمريكا وحلفائها التي تسعى لتوفير ما تعتقده من حماية لمصالحها وأيضا لمصالح دول المنطقة والكيان الصهيوني وربما سحب ورقة فلسطين من يد إيران وحلفائها، يأن يستمر التحول الأمريكي والأوروربي وصولا لإقامة دولة فلسطينية ، أولا : كعامل أمان لاستقرار المنطقة ومصالح تلك الدول فيها ، وثانيا: إرضاء الفلسطينيين بدولة حتى لو كانت منقوصة السيادة ظنا منهم أنها ستنهي الصراع وتضمن أمن الكيان وشرط اندماجه في المنطقة .
المفارقة أن كل ذلك يجري في غياب وجهة النظر الفلسطينية ـ وهنا يجب التنبيه إلى أن السلطة في رام الله لا تستطيع أن تغامر بالدخول في هذا المشروع دون توافق فلسطيني بين جميع القوى، وإلا فإنها ستضع نفسها في الخندق الأخر موضوعيا ، ولذلك فإنه يصبح ملحا وأكثر من أي وقت مضى بلورة موقف فلسطيني جامع، وتشكيل حكومة واحدة تعيد وحدة الضفة وغزة، تتكئ على إطار سياسي من جميع القوى يؤسس لاستعادة منظمة التحرير لدورها الجامع كبيت للكل الفلسطيني، بعد إعادة بنائها لتضم جميع القوى، بعيدا عن الحسابات الفئوية ومصالح الأطراف الخارجية، انتصارا لغزة وكل مدن الضفة في موجهة الفاشية الصهيونية.
إن استثمار هذا الزخم الدولي فلسطينيا، لا يقل أهمية عن طوفان الأقصى وإنما هو الأهم والأخطر، كون هذه المعركة، هي معركة إثبات الذات في وجه محاولات البعض تقليص الحقوق الوطنية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني ، ولذلك فإن كفاءة خوض هذه المعركة تتطلب وحدة وطنية فلسطينية، ورؤية واضحة على قاعدة أن نتائج ذلك ستؤسس لمستقبل الأجيال الفلسطينية القادمة، إن سلبا أو إيجابا ، وهذا هو التحدي المفصلي أمام كل القوى الفلسطينية.. الفلسطينية بكل ألوان طيفها الفكري والسياسي. فهل هم فاعلون..ذلك هو السؤال الأهم؟