أمد/ كتب حسن عصفور/ في عام 1998 توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي الى “تفاهم واي ريفر” برعاية الريس الأمريكي كلينتون، لاستكمال عملية تنفيذ إعادة انتشار قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية، وفقا لاتفاق “إعلان المبادئ”، وتحويل مناطق الى سيطرة السلطة الكاملة وأخرى بصلاحيات مدنية، في شمال الضفة وأحياء بالقدس الشرقية، ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلي، هو ذاته الحالي نتنياهو، رفض التفاهمات فور وصوله الى مطار اللد، مؤكدا أنه لن يسلم أي أرض للسلطة الفلسطينية، فكان قرار أمريكا بضرورة التخلص منه، وكان لها ما أرادت عندما أرادت.
التذكير بذلك الحدث التاريخي يهدف الى التوضيح، بأن أمريكا تقف شريكا كاملا بل وأكثر في الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني ورأس النار فيها قطاع غزة، وبأن أي حديث عن اتفاق مع نتنياهو ليس سوى “مضحكة سياسية” يراد منها الابتعاد من باب المواجهة الحقيقية الى نفق “المهاربة السياسية”.
ولأن رفض “تفاهم واي ريفر” ليس حدثا زمنيا ماضيا، لكنه موقفا فكريا – سياسيا حاضرا لرئيس التحالف الفاشي القائم في دولة الكيان الشاذ، أعاد صياغته بطريقة جديدة، من خلال مشروعه الخاص لـ “الحل السياسي العام”، انطلاقا من نظريته المستحدثة بأنه لا كيان غرب نهر الأردن حتى رفح جنوبا لا يخضع للسيطرة الأمنية العليا لإسرائيل، محددا الواقع المراد أن يكون.
ومن تلك “النظرية النتنياهوية” أشتق رؤيته حول قطاع غزة، بحيث سيتم تقسيمه الى ثلاث مناطق، “غزة الشمالية وغزة الجنوبية” وخلفهما المنطقة بلس العازلة”، تستمر لمدة زمنية الى حين ترى إسرائيل غير ذلك، وفقا لمصالحه الأمنية والسياسية.
“النظرية النتنياهوية” لتقسيم قطاع غزة إلى “دولتي شمال وجنوب” وحارسها الأمني “المنطقة بلس العازلة”، لا ترتبط بأي رابط بالضفة الغربية وبالطبع مع القدس، لا يقدم تصور لطبيعة الحكم المراد أن يكون، ربما تحسبا من انفجار غضب ما، لكنه بالتأكيد لن تكون دولة ولا كيان به سمات استقلالية، وهو ما أعلنه مؤخرا بوضوح لا يقبل التأويل، بأن لا دولة فلسطينية.
تحديد نتنياهو حول “دولتي غزة بلس”، هي التكثيف الحقيقي الأول لمشروعه وهو الرد السياسي الواضح، على ما يقال عنه “مشاورات عربية غربية” لحل الصراع يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية (مجهولة الحدود والسمات السيادية)، مقابل اندماج إسرائيل في المنطقة بـ “امتيازات التطبيع” الكامل.
نتنياهو يعتبر الحديث عن دولة فلسطينية مكافئة غير مقبولة، وبأنه لا يوجد طرف فلسطيني يكون شريكا له في التبعية الاحتلالية، فبدأ يفكر بطريقته على خلق ذلك “الشريك”، انطلاقا من نتائج حرب غزة ويومها التالي، بصناعة “غزة الشمالية وغزة الجنوبية” وشرقها “المنطقة بلس العازلة”، التي ستكون الحاكم العسكري العام الى فترة غير محددة زمنيا، وتكوين “إدارة مدنية” تتوافق وذلك التقاسم الكياني – الوظيفي، اعتبارا بأن نتائج الحرب هي ما سيقرر، ويراها تسير وفقا لمخططه الذي استبق انطلاق 7 أكتوبر.
نتنياهو يدرك تمام الإدراك أن أمريكا لن تذهب مطلقا لفرض “حل سياسي” لا يتفق والرؤية المركزية لدولة الكيان، ولن تمس بجوهر المشروع التهويدي، ولن تذهب لما فعلت في عام 1998 بعدما أدار ظهره لتفاهم برعايتها، كونه يعلم أن هدف الحرب الراهنة لم يكن فقط قطاع غزة ولا الضفة، بل “ترتيبات استراتيجية” في المنطقة تعيد لأمريكا “مكانتها وهيبتها المتعثرة” بعد القوة الصينية الصاعدة والدور الروسي العائد، تقوم إسرائيل فيها برأس الحربة التنفيذية عسكريا.
من أجل “الكرامة السياسية” للوزاري السداسي العربي، ضرورة وقف أي تواصل مع أمريكا “وحدها” فيما يتعلق بمستقبل المشهد القادم، لا حربا ولا سلما، ووضع قواعد عمل جديدة تستغل مكامن القوة الفارضة على واشنطن، وبالتأكيد على تل أبيب، لو حقا أن “السداسي” يريد حلا للقضية الفلسطينية وليس الذهاب بها في سياق “تقاسمات كيانية متعددة المسميات”.
الرد المباشر على “النظرية النتنياهوية” حول “دولتي غزة بلس”، ولا دولة موحدة فلسطينية ليس بالتوسل السياسي بل بالفرض السياسي، وأسلحة الفرض العربية يمكنها فعل ذلك لو أريد حقا لها أن تكون.
ملاحظة: الأمريكان مش ملحقين يؤكدوا أنهم أصل الحكاية الحربية على الحارة العربية كلها ومنها فلسطين..من شحنات سلاح متواصلة الى سلاح القبضة الفيتوية في مجلس الأمن..ولسه في عرب بيقلك “الوسيط النزيه”..يا شيخ ريح تنزهكم عنا روحة بلا رجعة!
تنويه خاص: تخيلوا طلع في أميركا بلدة صغيرة بولاية أوهايو اسمها “شرق فلسطين”..قبل سنة وشوية صار فيها مشكلة صحية كبيرة..وعدهم الرئيس التايه عن حاله بزيارة لكنه نسي..وأخيرا تذكر يروح فخرج سكان فلسطين شرق رافضين جيته..وشعارهم ” “بايدن هو أول رئيس تكرهه فلسطين وشرق فلسطين معا”..يا ريت اللي عنا يحكوا هيك حكي.
لقراءة المقالات ..تابعوا الموقع الشخصي