د.سامي خاطر
أمد/ يواجه نظام الملالي في إيران تحدياتٍ جمةً على الصعيدين الداخلي والدولي، ففي الداخل تتزايد حدة الاحتجاجات الشعبية منذ أن اكتشف الشعب الإيراني خديعة الملالي بعد أن سلبوا ثورتهم الوطنية وتضحياتهم الجسام، وتتواصل تلك الاحتجاجات وتشتد إلى اليوم ضد عدم الأهلية السياسية والفساد والقمع والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية.
وعلى صعيد داخلي آخر تسببت سياسات الملالي الاستبدادية والعنصرية التي أدخلت إيران في فتن ونزاعات إثنية بين مختلف المجموعات الإثنية، ويواجه نظام الملالي على الصعيد الدولي ضغوطًا متزايدةً تتعلق في ظاهرها بالبرنامج النووي ودعم الإرهاب والاضطرابات بالشرق الأوسط، لكن الحقيقة تكمن في أمرين الأول هو رغبة الغرب في إبقاء الملالي بالسلطة في إيران وهيمنتهم بالمنطقة كخلفاء للشاه، والأمر الثاني تحديد إلى أي مستوى يمكن أن تصل قوة الملالي بالمنطقة وكيف يمكن كبح جماحها في وقت اللزوم وكيفية توزيع الأدوار بين أدوات الغرب بالمنطقة بمن فيهم الملالي وبالتالي المطلوب هي السماح للملالي بالتمدد بالمنطقة لتفتيتها مع التحكم في تحركاتهم وتوجهاتهم غير المنضبطة.
أفاعي الملالي بين مطرقة التفكك الداخلي وسندان إدارة الصراعات الدولية..
ركائز إدارة الصراعات الدولية بالمنطقة عديدة ومتنوعة وقد يكون هناك توافقاً نسبياً بين الملالي والغرب على هذه الركائز التي تتضمن ضرورة خلق وإبقاء أزمات عالقة بالمنطقة ومن ضمنها الأزمة الطائفية التي يُشعلها ملالي إيران بالمنطقة وكذلك أزمة الأقليات والحدود والجغرافية السياسية والجماعات المسلحة الموالية لنظام الملالي بالإضافة إلى كيفية التقدم في تطوير البرنامج النووي وخلق حالة من توازن المسارات يما يلبي مطالب الغرب ويتماشى مع متطلبات المناورة مع المجتمع الدولي ولا يتقاطع مع المخططات الغربية بالشرق الأوسط وفي الوقت نفسه يحمي وجود الملالي ومشاريعهم بالمنطقة.
وتختلف رؤية الملالي في إدارة الصراع مع الدول العربية عن تلك التي تدير بها الصراع مع الغرب والمجتمع الدولي حيث تدير الصراعات مع حفظ المصالح وبعض الإنضباط والانصياع بينما ترتكز إدارة صراعاتهم مع الدول العربية على فرض رؤيتهم متبعين سياسة الخداع والمساومة والابتزاز بالسلاح والإرهاب وزراعة الفتن الداخلية وترويج المخدرات.
مراكز قوى النظام الإيراني وتفكك واضطراب الخطاب السياسي يُفاقمان حدة
الصراعات الداخلية..
ما يزيد من مأساة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة أننا لا نتعامل مع دولة مؤسساتية داخل إيران يمكن ضبط إيقاع التعامل وفق منطق بعينه والعمل على إصلاح أخطاء هذه الدولة المؤسساتية؛ لكننا نواجه جمع من مراكز القوى التي تعمل بمنطق العصابات ولا يمكنها إدارة الدولة على نحو مسؤول ووفق القوانين والأعراف الوطنية والدولية، ويعمل كل طرف من مراكز القوى هذه بسلطاته وصلاحياته الخاصة كدولة داخل الدولة وفوق القانون، وعلى الرغم من تصدع النظام وتفككه من الداخل إلا أنه يستخدم مراكز القوى هذه لقمع الشعب بالحديد والنار في ظل سياسة المهادنة والاسترضاء التي يتبعها الغرب مع نظام الملالي.
يُعدّ تعدد مراكز القوى داخل النظام الإيراني أحد أهمّ العوامل الداخلية التي تُساهم في إدارة الصراعات الداخلية على نحو يخدم نظام ولاية الفقيه ويحجم الأصوات التي تفكر بالتغريد خارج جوقة السرب حتى ولو كان ذلك في نفس الإطار المسمى بالجمهورية الإسلامية، وهنا نجد أن الصراع بين الولي الفقيه الذي يُريد أن يُحافظ على سلطته المطلقة وبين أي طرف آخر يحسمه الحرس لصالح الولي الفقيه خامنئي وكذلك أي صراع يخص الحرس مع أي جهة أخرى يحسمه علي خامنئي خاصة إذا كان الصراع بين حرس نظام الملالي والسلطة القضائية يكون الحرس فوق القضاء لطالما كانت السلطة القضائية نفسها فوق القانون وفوق العدل، وعلى الرغم من وجود الحرس كإمبراطورية عسكرية وسياسية واقتصادية تتخلل كل مسامات الدولة إلا أن الصراع يبقى قائما بين تلك الأفاعي حرصا على البقاء وحفظا للمنافع والإمتيازات.
يشهد الخطاب السياسي داخل نظام الملالي في إيران حالةً من التفكك والاضطراب، فلم يعد هناك خطابٌ موحّدٌ يُعبّر عن وجهة نظر النظام ولم يعد لهم كبيراً يحترمونه ويقتدون به بعدما رأوا جميعا أن المسألة كلها تتمحور حول السلطة، ولم تعد هناك قيم أو ضوابط تحكمهم في ظل التهافت القائم على عنائم السلطة والسعي وراء المناصب والكسب غير المشروع حيث كل شيء قابل للبيع والشراء، وأصبح هناك العديد من الأصوات المتناقضة التي تُعبّر عن مصالح وتوجهات مختلفة لكنها تصطدم بخامنئي وحرسه وهم من يحددون الخطاب والشعار والمشروع وعلى الباقي السمع والطاعة، وفي ظل ذلك تحاول الحكومة إخفاء فشلها في إدارة الدولة وخاصة الاقتصاد، مما يُصعب على خامنئي وحرسه مواجهة الأصوات المُنتقدة للنظام بالإضافة إلى صعوبة مواجهة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في إيران.
لم يعد الخطاب السياسي والديني والمذهبي ذا صلاحية داخلية لا في أروقة السلطة ولا أمام جماهير الشعب المنكوب، وبات الخطاب ساري المفعول في الخارج رغم تضاؤله واضمحلاله بعد ارتفاع مستوى الوعي بمؤامرات الملالي في الخارج، وحرص الغرب على كبح جماح الملالي.