عائد زقوت
أمد/ لا يزال الوضع الإنساني في غزة كارثيًا ويتدحرج بسرعة إلى حافة الهاوية، وباتت تقارير المنظمات الإنسانية الأممية تثير قلقًا متزايدًا مع التهديدات الاسرائيلية بالاستمرار في عملياتها العسكرية في غزة، وكأنَّ نيرانها بدأت اليوم دون رادع أو حساب للوقت، فالوقت يعني للفلسطينيين مزيدًا من الدماء. لقد فشلت المنظومة الدولية في كبح جماح اسرائيل والزامها بوقف اطلاق النار، وتدمير كافة مقومات الحياة، ليس ذلك فحسب بل يلاحظ تراجعًا رسميًا للدعم الدولي باعتباره الحرب أمرًا مألوفًا، حيث لم يستطع مجلس الأمن التوافق حول التصويت على قرار يلزم اسرائيل بوقف الحرب، واخراج الشعب الفلسطيني من آتون لهيبها فلا تزال التجاذبات بين القوى العالمية وخاصة روسيا والولايات المتحدة على النقيض، فللمرة الثالثة ولذات الحدث استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد المشروع الجزائري المقترح لوقف الحرب حيث أكّد نائب السفير الأميركي روبرت وود أن بلاده لا تعتقد ان النص المقترح سيحسن الوضع على الأرض، وأنه يُعَرض المفاوضات الدقيقة للتوصل إلى وقف إطلاق نار إنساني مؤقت، وسيعطل صفقة إطلاق الأسرى الإسرائيليين، وفي المقابل ستقترح أميركا مشروع نص آخر في الأيام القادمة يدعو لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن ويتضمن صيغة تشمل إطلاق جميع الرهائن، ويُعبر عن القلق بشأن العملية البرية في رفح، ومن الطبيعي أن تصطدم هذه الصيغة المتوقعة بالفيتو الروسي مما يعني استمرار الضوء الأخضر لإسرائيل في استكمال حرب الإبادة البشرية والسياسية والثقافية وسياسات التهجير في محاولة يائسة لحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير، وتجسيد هويته الفلسطينية.
محاولات شراء الوقت من خلال الاختلاف بين واشنطن وتل أبيب وتصويره خلافًا استراتيجيًا لإلهاء الرأي العام الشعبي، ومنح الحنجوريين مادة للتسحيج عبر الفضائيات، وفي حقيقة الأمر أنّ الاختلاف بين واشنطن واسرائيل حول تقدير الموقف فأميركا تريد أن تعمل في مساحة الحلول المركبة للانتقال إلى مرحلة لاحقة من خلال الترويج للاعتراف بدولة فلسطينية، والسلطة المتجددة والتطبيع العربي الاسرائيلي، منطلقة من تقديرها أن العملية العسكرية فشلت في تحقيق هدفها الاستراتيجي بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وإقامة دولتهم فيها وتحويل قطاع غزة إلى منطقة أمنية عازلة، فالتقدير الأميركي يسعى إلى تغيير وجهة الحرب خارج غزة، لتنفيذ خطة تغيير ملامح الشرق الأوسط الرامية إلى محاصرة الوجود الروسي في البحر المتوسط، وقطع الطريق على التواجد الصيني مما يسمح بالسيطرة الكاملة على المتوسط، بعد إدراك أميركا حجم الضربات المتتالية التي تلقاها نظام الأحادية القطبية، ولتحقيق مسعاها ترى ضرورة الانتقال إلى حيث الجبهة الأيسر لإقامة دولة للدروز على جزء من الأراضي السورية وأجزاء من لبنان في ظل تغيير قواعد الاشتباك حيث وصل القصف الاسرائيلي منطقة الغازية على بعد أقل من خمسين كيلو متر من بيروت.
لا يجانب الصواب القول بأن المحيط الاقليمي يتسم بالضعف والهشاشة والفراغ الاستراتيجي، وعليه لا بد من استيعاب أن التعددية القطبية والنظام الجيو سياسي المزمع الجديد لن يأتيا بتغيير استراتيجي كبير على مسار الصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، مما يعني حتمية إعادة النظر في التموضع الفلسطيني السياسي وأننا في خضم مرحلة مفصلية تعني بدون لَبس أن ما قبل الحرب ليس كما بعد، وأولى خطوات التموضع، العمل على وقف اطلاق النار بكافة السبل فنحن لسنا في بحبوحة من أمرنا ووقت الدم لا يتسع للمتفزلكين والمراهقين سياسيًا، والعمل على إنشاء حكومة تكنوقراط يتصف أعضاؤها بالأصالة الوطنية والمهنية المقصودة التي تعني الأفكار الابداعية المتجددة، والابتعاد حين اختيار أعضائها عن الجهوية القَبلية، وعن الرأسماليين، والابتعاد عن المافيوقراطية المبددة للمال العام، والمتسلطة على رقاب الشعب، بحيث تتمثل أولويات الشعب الفلسطيني بالوحدة السياسية وأدناها الوحدة البرامجية في إطار منظمة التحرير الممثل الشرعي الأوحد للشعب الفلسطيني، و دعم صمود المواطنين الذي جرَّفته السياسات الحزبية، والعمل على سيادة القانون، وإعادة الاعتبار للشعب بعقد الانتخابات.
ولادتا ابليس ؛؛
الأولى : سيطرة المشاعر الرغبوية، والابتعاد عن العقلانية، وأولئك الأبالسة الأفاقون الكذابون الأشرون الذين ركبوا كافة منابر قضايا نقاش الرأي العام فأفسدوا ما لم تفسده الجيوش، هو أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية خاصة والعرب عمومًا.
الثانية : نجاح الصهيونية اليهودية و الصهيونية المسيحية وبعضًا من المتأسلمين بتحويل الدِّين إلى جنسيّة يضعنا على أبواب النظام العالمي بشكله الجديد، والذي سيرتكز على جيوبولتيك الأديان.