عبدالعزيز آل زايد
أمد/ هل يحتاج الكاتب للجمهور؟، أم يحتاج للعزلة؟، في تقديري أنّ كلّ إنسان يحتاج لشقيقه الإنسان بالغ ما بلغ، حتى وإن كان يسير على طريق الجادة؛ يحتاج لمن يقول له: “استمر فأنت على الطريق الصحيح”، ولا يعني أنّ على الكاتب السير وفق ما يطلبه القرّاء والجمهور دائمًا، بل عليه أن ينزوي وينعزل لينتج للناس ما يخدمهم ويفيدهم، وقطعًا ليس هذا الإنسحاب غرورًا ولا تكبرًا، كما قد يتوهم البعض، وفي هذا الصدد أتذكر الكاتب المصري البارز (توفيق الحكيم)، وأتذكر كتابه الظريف اللطيف والقيم الذي اسماه “من البرج العاجي”، في هذا الكتاب يصف فيه الحكيم مكتبه وخندق كتابته، أما كلمة “البرج العاجي”فهي وصف تلقاه الحكيم من البعض تهكمًا ونعتًا له بالترفع، هذا العنوان يحمل بين طياته طرافة أسلوبية، حيث ينصاع الحكيم ويتقبل الوصف الذي يرجمه به الغريم، ها هو ذا الحكيم يكتب من ذلك البرج الشاهق ليمطر على الصفحات وابل حكمه وخلاصة تجاربه، الحكيم في هذا البرج المصفح من العاج ينزوي في عزلة منفردة ليدون هذا الكتاب الذي يعد واحد من أجلى روائعه الكتابية، تروق هذه الصفحات التي سطرها للكتّاب لكونه يحاكي دواخلهم ومعاناتهم، الكتاب مجموعة مقالات وخواطر فكرية، علقت على هذا الكتاب في مراجعة قصيرة بعد الإنتهاء منه وقلت فيما قلت فيها: “البرج العاجي هي الخلوة الاختيارية التي يختارها الكاتب ليصنع كتابه للقراء، ليس الأمر ترفعًا، إنما هي مرحلة لابد منها للعطاء، فكيف نأكل العسل دون أن تمارس النحلة دورها؟”، وأقول في مراجعة الكتاب: “الخلية للنحلة، والبرج العاجي خلية العطاء للأديب”، وأقول: “ولولا ذلك البرج العاجي لما خرج هذا الكتاب”.
كل كاتب يحتاج للخلوة مع نفسه من أجل الإنتاج والإنارة، لهذا يحاصره الوقت ولا يستطيع تلبية رغبة الجمهور في الرد على كل التساؤلات والتحايا التي لا تنتهي، الكاتب المعطاء لا ينسحب عن الأضواء إلا ليقدم المزيد للآخرين، كالسهم الذي ينكفئ للوراء لينطلق، وكالليث الذي يلاصق التراب ليقفز ويفترس، فلماذا لا نفسح للمؤلف أن يمارس عزلته الإنتاجية؟، للأسف هناك من المبدعين من أوقاتهم ضائعة لكسب لقمة العيش، وهنا أقول كلمتي الصادقة للحكومات: “افسحوا للمبدع أن يرفع من مكانة بلاده بتفريغه للإبداع”، نرفع القبعة لكافور وسيف الدولة لما بذلاه من رفع مستوى الشعر العربي بمآزرتهما للمتنبي، فكم من متنبي بيننا ضائع يبحث عن لقمة العيش؟، وكافور هذا الزمان لا يعلم عن حال شعرائه والعمالقة المسحوقين في هذا العصر.
البلد الذي يقدر المبدع سيعود الإبداع والخير عليه وإليه، وكذلك الجمهور الذي ارتفع منسوب وعيه اليوم، عليه بمطالبة الحكومات والدول وأصحاب الشأن بتفريغ الموهوبين وأصحاب العطاء، للأسف أعرف أن الكثير من المبدعين يغرقون في أعمالهم المعيشية، فلا نرى لهم نتاجًا إلا النزر، لهذا يحتاج الكاتب لجمهوره لا ليقرأ ما ينتج فحسب، بل ليساهم في اكمال مسيرة الإنتاج بالدعم والتشجيع وأن يصدع بالكلمة الصادقة التي هي أثمن من كل مال.