تحسين يقين
أمد/ هل استمرار الحرب على غزة هو خيار نتنياهو فعلا من أجل البقاء في الحكم والحفاظ عل مصالح فئته السياسية؟
يتبع ذلك سؤال آخر: هل ستقتحم إسرائيل رفح؟ (علما أنها تقصفها باستمرار).
يرتبط بالسؤالين، كنتيجة، سؤالان:
هل إسرائيل قلقة اقتصاديا؟ وهل إسرائيل قلقة جدا على صوتها لدى الحلفاء ولدى أصدقائها؟
وأختتم بسؤال: هل الولايات المتحدة قادرة على وقف الحرب؟
صعب القبول والتسليم أن ما يحدث هو خيار نتنياهو، أو حزبه وائتلافه، فإن كان هؤلاء برئاسة نتنياهو يقفون الآن في موقع القيادة، فليس معنى ذلك أهم وحدهم في هذا الموقع. لذلك فإن الإجابة عن سؤال اقتحام رفح سيصير سؤالا له علاقة بالزمان والظروف ليس أكثر.
أما القلق الاقتصادي والفلق على صورة إسرائيل في العالم، فالظن أن ذلك ليس بكاف فعليا لتغيير السياسة الإسرائيلية، المحكومة بموقف ثابت منذ عقود، ألا وهو سياسة الأمر الواقع، ونفي الوجود الطبيعي والسياسي للشعب الفلسطيني.
كأننا نشعر إذن باختلاف الإسرائيليين ساسة وأجهزة أمنية وجيشا. كذلك ثم اختلاف داخل الولايات المتحدة، لكن كلما استمرت الحرب، فإن الانسجام يزداد باتجاه لا حسم الحل، بل إدارته، وهذه المرة، مقايضة التطبيع مع وعد أمريكي بإقامة دولة للشعب الفلسطيني.
لكن وسط كل هذه التصورات عن الاختلاف والاتفاق داخل إسرائيل والولايات المتحدة، فإن هناك طائفة ما زالت موحدة، ألا وهي المقاومة المسلحة.
ومعنى ذلك، أن ما هو موحد، بالرغم من صغره ومحدوديته، سيكون قادرا على البقاء والمناورة، بل ويمكن له أن يعمل على تعميق الاختلافات داخل حلف إسرائيل الداخلي هنا، وداخل حلفائها هناك.
ستدخل مساعدات ربما كافية حتى لا يموت الغزازوة جوعا، وسترتفع درجة حرارة الجو، لا يعانون طويلا من البرد، ومن البحث عن حطب وخشب للإيقاد طلبا للدفء والنور؛ فالنار أيضا تضيء. سيتدبر اللاجئون بالقليل من الحاجات، وستستمر إسرائيل بالقتل ودفع أثمان القتل أيضا، وليس هناك ما يمكن أن يتغير في شهر الصيام القادم بعد أسبوعين، ما لم يحدث تغيرا حقيقيا لدى الحكومة والمجتمع في إسرائيل. وسيطول انتظار “الغزازوة” التعمير، إن لم يحدث هذا التغيير.
وحتى نكون عقلانيين، فإن التعويل يجب أن يكون على دولة الاحتلال، لا على المقاومين/ات له، بمعنى أنه عند وضع شروط سياسية وعملية، ينبغي أن تستجيب لتغيير واقع الحال.
ليس نتنياهو هو العنيد فقط، ولا حكومته المنتخبة، بل لعل النخبة الإسرائيلية بشكل عام هي كذلك. ولا بد لهذا الرأس العنيد، من قوى تعمل على “تليينه بالمنيح والعاطل”.
مفتاح التغيير، هو على أية أرض نقف، وكلنا بدون استثناء بحاجة للتموضع، والبحث عن أقرب أرض صلبة للوقوف عليه، زاهدين بالأرض الرخوة تحت أقدامنا.
فلسطينيا، لن نزهد بالحديث عن استراتيجية وأخلاقية الوحدة الوطنية، حيث لا بدّ من جعل النقاط الضعيفة نقاطا أقوى؛ فإن تفهم عاقل لأهمية الوجود السياسي لمنظمة التحرير، ولأهمية الوجود العملي للسلطة الوطنية، التي تود إسرائيل تنحيتها عن دورها تجاه قطاع غزة والضفة الغربية، لتحقيق هدف خبيث آخر، ألا وهو جرنا لتعميق الاختلافات.
أن يكون الفلسطينيون، نحن، ساسة وشعبا، معا، يعني الكثير، بل ويمنح الدول العربية المتدخلة بالشأن الفلسطيني بشكل خاص، وجامعة الدول العربية بشكل عام، قوة سياسية، في التعامل مع قيادة واحدة، تتميز بالتنوع والتعددية.
يمكننا إن كنا أكثر ذكاء والتزاما، بأن نجعل أية نقطة ضعف لتصير نقطة قوة، وأن نستثمر ما كان ويكون باتجاه تحقيق الأولويات القصوى بجعل حق تقرير المصير مطلبا عربيا ودوليا.
ليس المهم اتفاق الإسرائيليين ولا اختلافهم، كذلك والحلفاء، بل الأكثر أهمية الآن بلورة موقف سياسي فلسطيني واحد، يقف على الأرض الواحدة في الضفة والقطاع، بالنظر نحو الغد، وتجاوز ما يمكن تجاوزته من معيقات سياسية.
آجلا أو عاجلا، ستتفق الدول والحلفاء على ضرورة إيجاد مخرج سياسي، عبر حلول سياسية ذكية؛ فلن يباد الشعب الفلسطيني لا سياسيا ولا وجوديا ولا بشريا، بل سيصير الحب الآن وسيلة بقاء، ومدّ الأرض بالكثير من الأطفال، فبعد الحروب سنكون مع تحولات اجتماعية واقتصادية، جزء منها سيتجلى عبر تسهيل الزواج، وما شيماء ومحمود إلا عريسان اختارا البدء بتكوين أسرة في ظل الحرب على غزة، والتي لم تقض على الحب ولا على البقاء.
وعلى ذلك، ومن أي أرض نختار للوقوف عليه، لتكن أعيننا وقلوبنا وأيادينا متجه نحو الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الحبيب، لوقف الحرب الظالمة، للبدء فورا بإزالة آثار العدوان، لتهيئة ظروف عيش ملائمة تليق بهذا الشعب الصابر. من الأخلاقي والإنساني الوطني والقومي إغاثة غزة، وتنظيم الإغاثة بعدالة، حتى نضمن وصول المساعدات لمن يستحقها، وليس فقط لمن هو قادر على الوصول إليها.
إغاثة غزة منظومة كاملة، تبدأ بجمعها ثم إيصالها الى غزة، ثم الى توزيعها، حيث تصبح عدالة التوزيع والتنظيم جزءا أساسيا لاستمرار الإغاثة، وإن تأمل موقف برنامج الغذاء العالمي، فيما يخص ما أعلن عنه، لا يقف عند اعتداء الاحتلال على القوافل، بل يتعلق بالعامل الذاتي أي “الفوضى الكاملة والعنف الناتج عن انهيار النظام المدني”.
خطوة ننتظرها، لن تكون سهلة، ولكن ما بعدها سيكون هناك مجال لتقوية البقاء الفلسطيني على ساحل البحر الأبيض، ولأن ذلك هدف سام، فإنه ينبغي تدبر الأمر، لأن الخلاص هو الخلاص العام، وليس خلاصا لفئة. وعليه، فإن الخروج بنتائج تحفظ بقاء شعب غزة، سيعني نجاحا سياسيا آخر في بقاء شعبنا سياسيا، على أرض الدولة الفلسطينية وفق المشروع الوطني المجمع عليه.
تفعيل مفاعيل السياسة الدولية والعربية والإسلامية لوقف الحرب، يعني الكثير، ذلك ان الاستمرار بها سيعني تحقيق إسرائيل من النيل من بقائنا، من خلال إضعاف البقاء نفسه، خاصة بعد توقف الحرب.