علاء مطر
أمد/ لا زال مقطع الفيديو الذي أرسله لي أحد الأصدقاء، الذي يوثق حادثة موت شاب فلسطيني من شمال قطاع غزة، جوعا أثناء محاولته أخذ المساعدات دون أن يحرّكه أحد، يشغل بالي كثيرا، ويثير في خاطري الكثير من التساؤلات، أولها كيف سيبرر قادة غزة الذين أدخلوا القطاع في حرب بربرية غير محسوبة العواقب؟ وماذا سيقول قادة حماس أمام الله عن موت الشاب وغيره الكثير جوعا؟ والى هذا الحد وصل الحال بنا في شمال القطاع، أن يموت مواطنا في ريعان شبابه جوعا، ألم يقولوا لنا بأن أحدا لا يموت جوعا، وأن أحدا لا ينام في الشارع، وأن الدم لا يصبح ماءً، كيف ستتغير قناعاتنا بعد هذه الحرب؟ والكثير الكثير من الأسئلة حول الواقع الذي وصلنا اليه.
وفي الوقت الذي اقتربت فيه الحرب من يومها الـ 140، وما يشهده أهالي غزة من إبادة جماعية وتشرد وتجويع ومعاناة اللجوء في الخيام، مازالت حماس تواصل تصلفها ومعاندتها وتبرير سخيف لأهداف عمليتها “غير محسوبة العواقب” في السابع من أكتوبر، فترى قيادتها يقولون بأنها من أجل المسجد الأقصى والقدس، وتارة يؤكدون بأنها لأجل الأسرى في سجون إسرائيل، وأخرى يبررون بأنها جاءت عقب حصول حماس على معلومات استباقية بنية إسرائيل شن عملية غادرة، فيما يبرر آخرون من قيادتهم في ايران بأنها جاءت انتقاما لمقتل قاسم سليماني.
لكن سكان القطاع المنكوب، يرونها إلقاءً بهم وبغزة الى التهلكة ومغامرات طائشة لقيادات سياسية مهووسة وعسكرية مجنونة من قيادة حماس والقسام، ويؤكدون بأنه مهما كان الهدف من العملية، فإن هذا الهدف لا يساوي عندهم إراقة قطرة دم واحدة من طفل، وإعطاء مسوغ للابادة الجماعية بغطاء دولي لتعود غزة عشرات السنين الى الخلف والدلائل كثيرة والصور أكثر.
وتذكيرا لقيادة حماس بالكثير من الأحاديث والمقولات التي كانوا يتغنون بها، مثل “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، ليكونوا بئس الراعي، و”الكفر عناد” فقد كفروا بعنادهم غير آبهين بشعب يباد، ومقولة “لا يُفتي أهل الفنادق لأهل الخيام والملاجئ”، مما يجعل الكثير من أبناء الحركة ومناصريها يعلونون براءتهم من حماس ويعلنون بأنهم سيكونون خصيمهم أمام الله يوم القيامة.
ليعلم قادة حماس السياسيين والعسكريين وأصحاب القرار، أن المجاعة في مدينة وشمال غزة، قد أصبحت واقعا يعيشه الشعب هناك بكل تفاصيله، من أطفال وشباب ونساء ومسنين، وعليهم أن يتأكدوا بأن كل مقومات الحياة قد انعدمت في غزة كلها، وأن الإنجاز الوطني الآن هو رفع أو تخفيف معاناة هذا الشعب الغلبان، لأن الذي لم يستشهد من قصف الاحتلال ينتظر الموت جوعا.
كما أنه ينبغي على قادة الحركة، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل أننا لا نمتلك ترف الانتظار، والاستماع لصوت المكلومين والمشردين والجوعى والشعور بمعاناتهم، في ظل الواقع المرير الذي يعيشه سكان غزة من شمالها الى جنوبها، لأنه لا وقت للتفكير واتخاذ القرارات من منطلقات حزبية وفئوية، إنما من منطلقات وطنية، وإذا لم يكونوا هكذا فليذهبوا الى الجحيم.
من المؤكد، أن تقديم المساعدات وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه وحفظ كرامته وسد جوعهم وإغاثة الملهوفين، أكثر أهمية من ملايين الخطب الرنانة والجعجعة الفارغة التي يتفنن بها قادة حماس في الخارج خصوصا.
إن الواقع أكثر سوادا مما نراه في أسوأ كوابيسنا، وإن سكان شمال غزة يعيشون التجويع بلا أي رحمة، في حين يعيش العالم متفرجا ويجهز لمسلسلات شهر رمضان الذي بات على الأبواب، فبئسا لعالم لا يوقف موت الناس جوعا ولا يستطيع إدخال كيسا من الطحين، ويقف متفرجا أمام إبادة لم يسبق للعالم أن رأى مثيل لها.. من يوقف كارثة التجويع في غزة؟