علاء مطر
أمد/ خمسة شهور في غزة بدءا من الدمار والقتل والإبادة وليس انتهاء بالمجاعة شمال قطاع غزة كانت كافية لتوضح الصورة والواقع الذين يعيشه المواطن الغزي من مأساة حقيقة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، في حين لم نجد أي تفسير لتصريحات قيادة حماس في الخارج إلا أنها تخرج من البطن كما الريح.
تصريحات نائب رئيس حركة حماس بغزة خليل الحية، المتنقل بين تركيا وقطر ولبنان، منذ بداية الحرب الإسرائيلية والتي ينتقدها الجميع كونها تتحدث عن انتصارات وبسط سيطرة ومستقبل غزة في حين نجدها بعيدة عن واقع الحياة التي يعيشها المواطن بغزة.
تصريحات الحية كثيرة خلال فترة الحرب، وكان آخرها “كما فشل الاحتلال في بسط سيطرته على شمال غزة والوسط سيفشل في رفح”، وكأن الرجل يعيش فعلا في الشمال ومتأكد بأن الجيش الإسرائيلي لم يبسط سيطرته على البلاد.
لقد نسي الحية، المقيم في الخارج هو وجميع عائلته، بأن الجيش قد فعل ما شاء في الشمال، ودخل كل البيوت واعتقل خيرة شبابنا، ودمّر وسفك دماء أهلنا هناك، وأخرج الرجال هناك بـ”البكسرات” من بيوتهم، وذلك بعد القضاء على المقاومة في المكان، في حين لا يزال الحية وغيرهم يبيعوا الوهم بأن المقاومة هي اليد العليا في الميدان، وتنتظر أي جندي إسرائيلي يصل الى تلك المناطق المأهولة في الشمال، كي يقتلوه أو يأسروه.
لقد أثبت الحية وجميع قيادات حماس الذين يعيشون في قصور تركيا وقطر، بأنهم يعتاشون على مجاعة أهلنا في شمال القطاع، ودماء أهلنا في الجنوب، الذين صمدوا وأفشلوا مخطط التهجير، ولا زالوا في الشمال يعانون من جوع لم يسبق له مثيل، حتى وصل الحال بهم الى تناول علف الحيوانات، الذي فرغ أيضا من الأسواق، فإذا كان الحية صادقا في تصريحه، فليوفر كيس طحين للناس التي تموت جوعا هناك، أو يوفر أدنى مقومات الحياة للناس هناك، أو على الأقل يعيش مثلما يعيش الناس.
واذا كنا فرضا لا نريد تحميل حركة حماس مسؤولية ما يحدث الان في قطاع غزة كي لا يقال عنا ضد النضال وضد المقاومة و”طابور خامس” وأجندات خارجية، لابد من تحميل حماس مسؤولية كل دقيقة تأخير في انهاء معاناة شعبنا التي دخلت شهرها الخامس على التوالي.
إن العناد والتناحة يا “خليل الحية” لن يحل قضيتنا، فنحن نكن كل احترام لمن يقدم الغالي والنفيس فداء الوطن، لكن كل قطرة دم تسقط الان من أصغر طفل بغزة، تتحمل حماس بعد الاحتلال المسؤولية عنها، فمن العار أن تستمر كل هذه الويلات، بسبب عناد وكفر وتجبّر وفوقية وعدم رؤية الحقائق التي تعمي القلوب، فإذا كان هناك صوت واحد حكيم عليه أن يقول كفى لهذا العدوان ولابد من وقفه فورا وبأي ثمن كان.
لقد سمعت من خليل الحية وقيادات أخرى من حماس مبررات لعملية السابع من أكتوبر اعتبرتها واهية وغير منطقية، في ظل استمرار دفع غزة ثمن هذه المراهقة السياسية، نعم مراهقة كل منهم ينتظر سقوط إسرائيل أو تراجعها حتى سقط الشعب ومات.
يا سيد “الحية” فلنتكلم بمنطقية أكثر وواقعية بعيدا عن أي فوقية وكفر وعناد، عندما بحثت عن مطالب حماس الرئيسية لإتمام صفقة تبادل، وجدت أن أعلى طموحات الحركة وأمنياتها الكبرى هي وقف الحرب التي هي بدأتها أصلا، وانسحاب الجيش من غزة الذي لم يكن فيها من الأساس، وإعادة الاعمار التي كانت مبنية، وبالتالي نحن كشعب مغلوب على أمره، ماذا تتوقعون ردة فعلنا؟
هل تتوقعون أن نقول لكم: تسلم ايدكم!! بعد كل الذي جرى في غزة من دمار وخراب وقهر وجوع وخوف وذل، هذه المطالب تثبت أن كل الذي جرى لغزة جرى بدون مقابل، وبدون أي انجاز أو هدف، هل كنتم تتوقعون ألا ترد إسرائيل الحاقدة والمجرمة على ما جرى؟ هل كنتم تتوقعون أن يكون العالم الظالم في صفنا ضد الاحتلال؟ هل مطلوب منا أن نموت جميعا حتى تستوعبوا وتفهموا حقيقة المعادلة القائمة؟ هل من المفروض أن نبقى في هذا الذل ودفع أثمان ضخمة جدا حتى تعودوا الى رشدكم؟ هل أصبحت غزة “فأر تجارب” لإيران وغيرها لترى ردة فعل إسرائيل على أي هجوم مستقبلا؟
ما أريده يا سيد “الحية” أن تجيب من مكانك في الدوحة، أو حتى من إسطنبول، أينما تكن، على الواقع الذي تعيشه غزة، هل تتفق معي بأن غزة تراجعت أكثر من 100 عاما الى الوراء، في ظل الدمار في البنى التحتية والمنشآت والبيوت والأبراج والمدارس والجامعات وطرق وكهرباء وصرف صحي ومستشفيات؟
هل تتفق معي يا سيدي حول أنه تم استنفاذ أكثر من 80% من قدرات المقاومة والتي تحتاج الى أكثر من 10 سنوات لإعادة ترميمه؟ والتي سيتم خصمها طبعا من قوتنا اليومي بغزة عبر فرض الضرائب؟ أريد جوابا مقنعا ومنطقيا حول ما الذي استفادته غزة أو ما المردود الحقيقي لكل هذه الحرب الضروس على القضية برمتها؟ أريد إجابة ..لكن لا حياة لمن تنادي..