تحسين يقين
أمد/ – عنوان تقليديّ جدا!
– لعل ما سوف يأتي، حتى لو تفاءلنا بأن ما بعد 7 أكتوبر يختلف عما قبله، لن يتجاوز كثيرا، ما سمي من عقود: بإدارة الصراع!
لم يهدف 7 أكتوبر الى حسم الصراع في يوم وليلة، بل كان حلقة من أشكال مقاومة الاحتلال، ومقاومة الاحتلال لها أشكال متنوعة منها العمل المادي المسلح، والذي عادة يكون مدخلا لعمل اختراق سياسي، يحسّن من آليات التفاوض مستقبلا.
أي أننا نبدأ بالسياسة وننتهي إليها، فما يجري اليوم من مفاوضات هدنة/ وقف إطلاق النار دائم، يرتبط بمسار التطور التاريخي للقضية الفلسطينية، الذي كان دخوله عالم التسويات السياسية إشكاليا، واليوم ثمة (فرصة أو ضرورة أو مخرج) لدخول عالم التسويات السياسية، بأقل جدلا من حيث المبدأ، بعد أن أعلن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في بداية الحرب على غزة، بأن هناك طريق سياسي لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، في سياق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
لقد التقطت موسكو الخيط من جديد، فدعت الفصائل الفلسطينية للقاء هناك، من الممكن أن يقود الى وحدة وطنية، تحت تأثير الحاجة الوطنية الملحة دوليا، لدخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي منظمة التحرير الفلسطينية. وهو الدخول الجدلي الإشكالي، بسبب الموقف من برنامج المنظمة في ظل الاشتراطات الدولية، وما حدث من تغير سياسي بعد مدريد وأوسلو، وقيام السلطة الوطنية.
وبالرغم من تشاؤم آخرين، فإن التعاطي مع تحولات حركة حماس، وفقا ما ذكره إسماعيل هنية، فإن هناك فرصة لدخول الفضاء السياسي للمنظمة، باعتبار أنن هناك إجماعا فلسطينيا على المشروع الوطني لمنظمة التحرير.
إن وضع قطاع غزة الآن وغدا، يحتاج الى تحول سياسي صريح لدخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة، باعتبار أن جهود إعمار غزة تحتاج الى التعاطي مع الشرعية الدولية.
لعل ذلك سيفيد القضية الفلسطينية على المدى القصير والمتوسط، لكن على المدى البعيد والاستراتيجي، فيما يخص وجود أفق واضح لحل جوهري للقضية الفلسطينية، فإن ذلك يحتاج الى تغيير سياق إدارة الصراع الذي يتم من منظور إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة، إلى حل الصراع.
أما ما يقال عن تحفظ حركة حماس عن شروط المنظمة “بالالتزام بمبدأ السلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد”، فإن تحقيق الوحدة الوطنية وتسهيل التعاطي الدولي بشكل خاص مع إعادة إعمار غزة، سيجعل الأمر متقبلا، في ظل وجود إجماع دولي على إقامة الدولة الفلسطينية.
بالتوازي مع لقاء موسكو، قدمت الحكومة استقالتها، في سياق تسهيل الإدارة والحكم، في ظل ما جرى على الأرض وما زال يجري، ما يعني أن هناك خيطا ناظما بين الاستقالة بنية تشكيل حكومة تكنوقراط، وتحقيق هدنة أشبه بوقف إطلاق النار تتم خيوطها وخطوطها في باريس والدوحة، بدعم أمريكي وعربي وأوروبي، في ظل توقع وحدة وطنية، حيث ستمنح الهدنة حركة حماس الى التفكير الجدي بدخول منظمة التحرير، والذي هو موقف شعبي أيضا، يساعد في تخفيف الإشكال السياسي الفلسطيني في مسألة المقاومة المؤدلجة والتسوية السياسية.
في السنوات التسع ما بين بيروت 1982 حتى مدريد 1991، تهيأت الظروف لبدء مسار سياسي أدارته منظمة التحرير، رغم وجود إشكاليات، على الآلية وعلى نتائج ما أفضت له مفاوضات أوسلو بعد ذلك بعامين. لقد مرت 3 عقود أخرى، لتدخل فصائل العمل الإسلامي هذا الطريق، الذي رفضته أيديولوجيا، فهل سيكون التعاطي معه مرتبطا بتحسين عملية التفاوض السياسي باتجاه تحقيق هدف المشروع الوطني؟
من المهم في ظل اختلافنا وجدلنا أن نحافظ على الوحدة الوطنية، لأنها أولا تحمينا من الاقتتال والانقسام، وثانيا لأنها تقطع الطريق على الاحتلال ليستفرد بفريق فلسطيني، حتى إذا حان الاستحقاق تهرب ليقول، ليس هناك موقف فلسطيني موحد، وما محادثات الرئيس مع حكومة أولمرت إلا مثالا.
نحن لسنا بحاجة للانتخابات حتى نعرف رأي شعبنا تجاه الوحدة، فلا يختلف اليوم الفلسطينيون على ذلك، ومعنى ذلك، إن وحدتنا السياسية ستضغط على إسرائيل فعلا باتجاه حل الصراع لا إدارته فقط.
هدنة قادمة قد تتحول لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، يتبعها إدارة حكومة التكنوقراط، في ظل دعم الفصائل لها، في ظل احتمال دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة، سيعني ذلك إننا في طريق سياسي نمشي، فإن كان هذا السيناريو وفق هذا الترتيب، فإننا على أعتاب طريق تأسيس الدولة الفلسطينية، والتي ستعاني الكثير بسبب سياسة الأمر الواقع، الذي سارت عليه إسرائيل منذ 56 عاما في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ليس اكتشافا انه لن يكون التفاوض مع إسرائيل سهلا، كما أن الحرب ليست سهلة كذلك، وعليه، فإن الأمر يستدعي تدخل الحلفاء والأصدقاء والأشقاء، عبر اعتبار مبادرة السلام العربية أساسا، بل وأن يكون قبولها إسرائيليا شرط استئناف التطبيع.
حتى نكون عمليين واستراتيجيين، من المهم تقوية الوحدة الوطنية، والعلاقات القومية، ووقف دائم للحرب، والبدء الفوري بإغاثة قطاع غزة، والبدء بالإعمار، جنبا الى جنب مع تأسيس الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
وعليه، فلا يجب أن نقف عند مسالة التغيير الحكومي، ومن يقترحه، بقدر الاهتمام بربط ذلك بوقف الحرب، وإعادة الإعمار، والاتجاه نحو مفاوضات سياسية جادة تؤسس للدولة الفلسطينية، التي ستصير خيارا إسرائيليا، أو بمعنى أدق ستجبر على الاختيار.
وأخيرا ان الخلاص هنا هو خلاص عام، لا خلاص لأحد ما لم يعمّ الخلاص الجميع. ولا يمكن إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، وأنه بالرغم من الحرب الموجعة، إلا أن هناك إمكانية مع بدء جديد، يتلوه حياة فلسطينية جديدة تمنحنا الأمل.
إن لم يكن هذا الطريق وفق هذا التصور الطبيعي والمنطقي، فأية حلقة أخرى سندخل جميعا هنا على هذه الأرض!
الأمل معقود على العقلانية والتضامن الإنساني، فصوت العقل حريّ بالإصغاء له.