د.رمزي عودة
أمد/ في مشهد مروع، وفي ظل المجاعة التي تفرضها دولة الاحتلال على شمال قطاع غزة، هرع ألاف المواطنين الفلسطينيين في منطقة الشيخ عجلين للوصول الى قوافل الاغاثة والمساعدات للحصول على القدر اليسير الذي يسد احتياجات أطفالهم. توقفت فجأة قوافل المساعدات بالقرب من مسجد الشهيد خليل الوزير حيث تتربص الدبابات الاسرائيلية، مما دفع المواطنين الذين انتظروا ساعات طويلة هذه القوافل الى التسارع اليها معرضين حياتهم للخطر، وخلال دقائق إستشعر جيش الاحتلال الخطر نتيجة لتدفق الألاف كما برر الجيش الاسرائيلي!، وكأنما الجيوش المدججة بالسلاح تخشى المدنيين العزل الذين يبحثون عن المساعدات!، فبدأت الدبابات الاسرائيلية باطلاق النار والقذائف على الجموع، فاستشهد في هذه المجزرة 112 فلسطيني وجرح أكثر من 750 أخرين.
وعلى الفور، طلبت الادارة الأمريكية من الجانب الاسرائيلي تقديم إجابات عن هذه الحادثة متجنبين وصفها بالمجزرة، وخرج الرئيس الامريكي بايدن يصرح للصحافة بأن هذه الحادثة ستعقد مفاوضات الوصول الى هدنة! ووسط مطالبات بالتحقيق من الأمم المتحدة والعديد من الدول العربية والغربية، لم تفلح محاولات السلطة الوطنية الفلسطينية في مجلس الأمن لاستصدار قرار أممي يدين هذه المجزرة، وكأن العالم اعتاد على مشاهد قتل المدنيين الفلسطينيين!. وكأن العالم اعتاد على “معاداة الفلسطنة”، فأصبحت الإدانة والإبادة الجماعية والمجزرة كلمات غير صالحة للاستخدام في الحقل الفلسطيني!
ان السؤال المنطقي الذي يبرز في هذه المجزرة يكمن في معرفة السبب الذي يجعل قوافل المساعدات في الشمال توزع حمولتها على المدنيين في الطرقات؟. في الواقع، إن السبب في هذا الإجراء يكمن في منع إسرائيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا من إستلام المساعدات وتوزيعها على المحتاجين. حيث أن إسرائيل تشن هجمة واسعة على هذه المنظمة الأممية وتتهم بعض موظفيها بالمشاركة في أعمال عدائية ضدها! ليس هذا فقط، وانما قامت اسرائيل بتدمير العديد من مقرات الاونروا في قطاع غزة وطالبت العديد من دول العالم الغربي بوقف تمويلها للوكالة، كما عرضت استبدال هذه المنظمة بوكالات أخرى مثل البونيسف أو الوكالة الامريكية للتنمية USAID. ولا يخفى عن الجميع بأن هذه الاتهامات الملفقة للاونروا ذات طابع سياسي بالأساس هدفها الحقيقي هو تصفيه قضية اللاجئين الفلسطينيين.
في هذا المقال، لا أريد أن أستعرض طبيعة الاتهامات الاسرائيلية للاونروا فهذا ليس موضوعنا، ولكن الموضوع الأساسي هنا هو أن الاونروا هي أكبر منظمة أممية لها العديد من الإمكانات والكوادر القادرة على تقديم أعمال الإغاثة والمساعدات للنازحين في القطاع. وفي إعتراف لأحد قادة جيش الاحتلال، الذي طالب عدم ذكر إسمه، طالب به حكومة الاحتلال بعدم استهداف الاونروا خاصة في فترة الحرب على غزة، لأن جيش الاحتلال مسؤول حسب القانون الدولي عن تأمين الاغاثة في زمن الحرب للمدنيين في الوقت الذي لا يستطيع به عملياً ان يقدم مثل هذه المساعدات، ولا تستسطيع أي جهة أخرى تقديمها ايضاً! بالمقابل، فإن دولة الاحتلال لم تستمع الى هذا التحذير ولا غيره من التحذيرات الأممية، وأصرت على السماح لقوافل الإغاثة بالوصول الى مناطق قريبة من الحدود لإستلام هذه المساعدات من قبل المحتاجين بأنفسهم. وفي النتيجة، ما الذي يحدث في هذه الحالات؟ انها الفوضى بإختصار، الأقوياء هم الذين يحصلون على المساعدات، النساء والاطفال ينتظرون دون جدوى فلا يستطيعون الحصول على أي شئ! مزيد من التدافع والصراخ والألم. وفوق هذا، عندما تتدافع الجموع يتم إستهدافهم من قبل الدبابات الاسرائيلية لأنهم ببساطة إستشعروا الخطر على حد تعبير الناطق بإسم جيش الاحتلال هاغاري! وفي النتيجة، إن إسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية هذه المجزرة، كما أن أول درس يجب أن يتعلمه العالم من مجرزة الشيخ عجلين هو ضرورة إعادة مكانة الاونروا في استلام وإيصال المساعدات للمدنيين الفلسطينيين بعيداً عن محاولة تحيديها من قبل دولة الاحتلال.