علاء مطر
أمد/ ارتفع مستوى الجدل مؤخرا حول عمليات الانزال الجوي لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والذي نفذته العديد من الدول العربية والغربية وأبرزها الأردن ومصر والولايات المتحدة، وقد اتسع النقاش حول هذا الأمر الذي لا يمكن أن يكون جزء من أي نقاش في ظل الإبادة المستمرة، ولكن نتيجة لعديد الحوارات مع الأصدقاء في غزة، من الواضح أن الأمر يحتاج الى توضيح، وخصوصا عن أسباب قيام هذه الدول بانزال جوي!! وليس بري من معبر رفح، رغم أن الأخير أقل تكلفة وأسرع في تقديم المساعدات.
وعلى الرغم من إشادة البعض بهذه الخطوة، ونشر الصور لقيادات ورتب عسكرية شاركت في عمليات انزال المساعدات، إلا أنها تبدو للغزي خطوة مليئة بالإهانة والذل، خاصة بعد أن صمدوا في وجه القصف والجوع والتشريد لأكثر من خمسة أشهر، فهل هذا الأمر هو مكافأة الشعب الذي ضحى وقدم أكثر من 30 ألف شهيد خلال الحرب على مرأى ومسمع من الجميع.
وفي ظل صدور حكم من محكمة العدل الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، يتبادر للعقل تساؤلات عدة، حول قيام الدول بإرسال المساعدات من خلال الجو وليس عبر معبر رفح، أنها خطوة متعمدة لإذلال غزة التي تعيش تحت آلة القتل الإسرائيلية، أم أن إسرائيل تفرض كلمتها وقراراتها على الجميع دون استثناء عربي وغربي حقوقي إنساني دون أي اهتمام لقرارات العدل الدولية.
ولكن لنفكر جميعا بكل منطقية، عن سبب القيام بـ الانزال الجوي، الذي يكلف هذه الدول أموالا باهظة، ولم يحقق أي من أهدافه، لأن هذه المساعدات “القليلة أصلا”، لم تصل أهل غزة، ولم تلبِ حاجاتهم، في ظل أن أغلب الصناديق التي سقطت على القطاع، قد تحطمت، فيما ضاع البعض الآخر في البحر، والمضحك أن بعض هذه المساعدات سقطت على مستوطنات إسرائيل المحاذية للقطاع المحاصر!
إن الانزال الجوي لا يمكن تصنيفه إلا أنه “شوو إعلامي” لهذه الدول فقط، ومسرحية دعائية لشعوبهم بأن الأنظمة تقدم المساعدات لشعب غزة بكل الطرق، وبأن أزمة المجاعة قد انتهت، لكن نسيت هذه الدول أن مئات الشاحنات المليئة بالمساعدات تقف على معبر رفح وجاهزة للدخول منذ أشهر دون السماح لها بالدخول حتى الآن، فلماذا إذن، الأمر الذي يثبت أنها “مسرحية دعائية” فقط، في ظل عجز الجميع عن القيام بواجبهم الإنساني والتاريخي والعروبي تجاه غزة، وإنقاذهم من هذه المأساة الإنسانية بطريقة محترمة، والبعد عن الإهانة، فشعب غزة ليسوا قطيع ليتم التعامل معهم بهذه الطريقة المهينة.
ومن المؤكد أن الدول العربية، قادرة على تقديم كل ما يحتاجه قطاع غزة من مساعدات إغاثية برا عبر معبر رفح، فماذا سيحدث إذن لو قدمت الدول العربية المساعدات عبر معبر رفح، هل ستقصف إسرائيل شاحنة أو شاحنتين كما هددت، لكنها لن تستطيع قصف آلاف الشاحنات، وبما أن العرب قد نجحوا في اقناع إسرائيل بالسماح لهم بـ انزال جوي، كان الأجدر لهم أن يقنعوها بالسماح بدخول الشاحنات برا، خصوصا وأن كل عملية انزال جرت في سماء غزة، تمت بتنسيق وموافقة إسرائيلية مسبقة.
للأسف، لقد كانت أعلى تطلعات القادة العرب، في بداية الحرب على غزة قبل أشهر، هو إظهار أنفسهم بأنهم حريصون على إيصال المساعدات لأهل غزة، فــ صور مئات الشاحنات المليئة بالمساعدات وهي في ساحات معبر رفح، من خلال لقطات الكاميرات التي رصدت الشاحنات وهي تنتظر الدخول الى القطاع المحاصر، لكنها تُرِكَت مكانها حتى اللحظة، بذريعة رفض إسرائيلي!!
نعم، أقدم القادة العرب على الانزال الجوي، نظرا لرغبة إسرائيل بهذه الطريقة فقط، وليس إنجازا كبيرا لهم، فإسرائيل التي وصفت الشعب الفلسطيني في بداية الحرب بأنهم حيوانات بشرية، تريد أن تثبت للعالم صحة وصفهم، ولترسيخ صورتهم بأنهم مشردين بلا كرامة، وقطيع جائع، ولا يجوز إدخال الطعام والدواء له إلا من الجو، في ظل عجز عربي ودولي وصمت لم يشهد له التاريخ مثيلا، على امتداد خمسة أشهر، أمام مطحنة الجوع والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
حقا، كل دولة شاركت في الانزال الجوي، تريد فقط غسل يديها من دماء أهل غزة، وآخرهم الولايات المتحدة، التي تقدم بإحدى يديها السلاح المتطور لإسرائيل لقتل كل ما في غزة، وباليد الأخرى تقدم مساعدات إنسانية “خجولة” للشعب الفلسطيني من الجو، لا يستفيد منها سوى عدد قليل من المواطنين.
الشعب الفلسطيني بغزة، لا ينتظر من العرب القيام بـ انزال جوي للمساعدات، بل ينتظر اتخاذ خطوات حقيقية من هذه الدول لوقف الحرب فورا، والضغط على إسرائيل لفك الحصار غير الإنساني على غزة، ودعم استقلال دولة فلسطين التي تعيش تحت الاحتلال منذ 75 عاما، وذلك عبر العديد من الخطوات الدبلوماسية الضاغطة، أولها سحب السفراء ووقف أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل، وإن كانت متأخرة، فأن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي.. فلتوقفوا الحرب ولتتوقفوا عن “الاستعراض الهوليودي” والشو الإعلامي المقيت.