أمد/ واشنطن: تزايدت حدة الخلاف بين الإدارة الأمريكية وأقرب حلفاءها في المنطقة، إسرائيل، بعد قيام واشنطن بعملية إنزال لـ 38 ألف وجبة طعام على قطاع غزة، أول أمس السبت.
ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، كان المشهد الرائع لحزم المساعدات الأمريكية التي تصل إلى الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع، هو أوضح مثال حتى الآن على الخلاف المستمر بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتانياهو، بشأن حرب غزة.
ولعدة أشهر، قاومت إسرائيل ضغوط واشنطن للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، حتى مع اعتمادها على القنابل الأمريكية والدعم الدبلوماسي لتنفيذ حملتها العسكرية.
الصبر بدأ ينفذ
وحسب مسؤولين فلسطينيين، سلطت مأساة قافلة المساعدات التي وقعت يوم الخميس الماضي، والتي قُتل فيها أكثر من 100 شخص وأصيب 700 آخرين، الضوء على يأس المدنيين في قطاع غزة، الذي يندفع نحو مجاعة.
وقال مسؤولو الإغاثة الإنسانية، إنها من صنع إسرائيل إلى حد كبير، مشيرين إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على نقاط الدخول البرية للمساعدات؛ والتي تتضمن عمليات تفتيش مرهقة ومربكة، وقنوات فض الاشتباك الخاطئة بين منظمات الإغاثة والجيش الإسرائيلي؛ بالإضافة إلى الجهود الإسرائيلية لتقويض الأمم المتحدة؛ واستهداف جيشها الأخير للشرطة في غزة التي كانت ذات يوم تحمي بعثات المساعدات.
وتقول إسرائيل إنها لا تحد من تسليم المساعدات إلى غزة، وألقت باللوم على الأمم المتحدة لفشلها في توزيعها على المحتاجين – أو ما هو أسوأ من ذلك، تحويل المساعدات إلى حماس. لكن صبر واشنطن بدأ ينفد إزاء هذه الحجج.
وقال الرئيس بايدن يوم الجمعة الماضي، عندما أعلن عن خفض المساعدات: “سنصر على أن تقوم إسرائيل بتسهيل المزيد من الشاحنات، والمزيد من الطرق لتزويد المزيد والمزيد من الناس بالمساعدة التي يحتاجون إليها. لا توجد أعذار، لأن الحقيقة هي أن المساعدات المتدفقة إلى غزة ليست كافية على الإطلاق”.
عرقلة إسرائيلية
وذكرت الصحيفة الأمريكية في تقريرها، أن نحو 500 شاحنة كانت تدخل غزة يومياً قبل الحرب، وهو رقم لم تتمكن وكالات الإغاثة من الوصول إليه منذ بداية الصراع.
وأوضحت أنه في فبراير (شباط) الماضي، عبرت 98 شاحنة فقط إلى غزة يومياً في المتوسط، وفقاً للأمم المتحدة، مقارنة بمتوسط 170 شاحنة يومياً في يناير(كانون الثاني) الماضي. وأشارت إلى أن الادعاءات بأن إسرائيل تعرقل عمداً دخول المساعدات إلى غزة، هي جوهر قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
ولم تحكم المحكمة في لاهاي في مسألة الإبادة الجماعية، لكنها أمرت في أواخر يناير(كانون الثاني) الماضي إسرائيل “باتخاذ تدابير فورية وفعالة، لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها”.
ومع ذلك، لم تصل أي مساعدات تقريباً إلى الشمال، حيث تعيش بعض الأسر على العشب وعلف الحيوانات. وقد توفي ما لا يقل عن 15 طفلاً بسبب سوء التغذية، وفقاً للسلطات الصحية المحلية.
ومن جهته، قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، إن “الأمر المذهل للغاية هو مدى السرعة التي تطور بها الوضع، في مكان لم يواجه فيه الجوع من قبل قط”، مضيفاً “هذا وضع مصطنع من صنع الإنسان، ويمكننا عكسه بسهولة إذا أردنا ذلك. ونحن نعلم ما يجب القيام به”.
وقال مسؤول أمريكي رفض الكشف عن هويته، إن “الممثلين الأمريكيين العاملين لدى السفير ديفيد ساترفيلد، الذي عينه بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لرئاسة الجهود الإنسانية في المنطقة، ينخرطون بانتظام في محادثات مكثفة مع المسؤولين الإسرائيليين، للحث على السماح بدخول المزيد من المواد، لكن الأمر يمثل بيئة مليئة بالتحديات”.
وضغطت منظمات الإغاثة وإدارة بايدن على إسرائيل، من أجل إعادة إدخال البضائع التجارية إلى غزة في الخريف، بحجة أن المساعدات الإنسانية وحدها لا تستطيع إطعام سكان غزة. وعلى الرغم من السماح لأول الشاحنات التجارية بالعبور في ديسمبر(كانون الأول) الماضي، إلا أن منظمات الإغاثة تقول إنه يجب زيادة العدد بشكل كبير.
صعوبات وتحديات
وانخفض حجم المساعدات التي تصل إلى غزة خلال الشهر الماضي، حيث قام المتظاهرون الإسرائيليون – الذين يزعمون أن المساعدات الإنسانية تفيد حماس – بإغلاق معبر كرم أبو سالم بشكل منتظم.
وتقول هيئة تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي، وهي الهيئة الإسرائيلية المكلفة بالإشراف على القطاع بانتظام: “لا يوجد حد لكمية المساعدات الإنسانية التي يمكن أن تدخل غزة”.
وعلى الرغم من صعوبة إدخال المساعدات إلى غزة، فقد أصبح توزيعها تحدياً أكبر من أي وقت مضى، إذ يصعب اجتياز الطرق في جنوب غزة، فهي مكتظة بالنازحين والركام، كما لا يزال القتال عنيفاً في أجزاء من وسط وشمال قطاع غزة.
وتصف منظمات الإغاثة على نطاق واسع، عملية فض الاشتباك – الحصول على ضمانات من القوات الإسرائيلية بعدم مهاجمة القوافل – بأنها “فاشلة”.
وأوضح التقرير، أن جميع سكان غزة تقريباً يواجهون مستويات أزمة الجوع. وذكرت الأمم المتحدة أنه في الشمال، حيث يقدر أن حوالي 300 ألف شخص ما زالوا هناك، كان حوالي 16% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد حتى يناير (كانون الثاني) الماضي، مشيرة إلى معدل “غير مسبوق” من التدهور في الوضع الغذائي لسكان غزة.