محمد المحسن
أمد/ يعد العنف ضد النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم،حيث يحدث على نحو يومي،مرارًا وتكرارا، في كافة أرجاء العالم. وله عواقب جسدية واقتصادية ونفسية خطيرة قصيرة وطويلة الأجل على النساء والفتيات،مما يحول دون مشاركتهن الكاملة والمتساوية في المجتمع.ولا يمكن قياس تأثيره،سواء في حياة الأفراد والأسر والمجتمع ككل. أدت الظروف التي أوجدتها الجائحة-بما في ذلك حالات الإغلاق،وقلة الحركة،والعزلة المتزايدة،والتوتر والتزعزع الاقتصادي-إلى ارتفاع مقلق في العنف المنزلي،كما عرّضت النساء والفتيات لأشكال أخرى من العنف،من زواج الأطفال إلى التحرش الجنسي عبر الإنترنت.
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن إستفحال ظاهرة العنف ببلادنا أصبحت تبعث على الخوف والحذر،إذ غدت هذه الظاهرة (العنف) أحد الملامح الأساسية للمجتمع التونسي مؤخرا. تجسّمت في عنف لفظي اكتسح الفضاء العام وغيّر آليات الخطاب بين الناس،وعنف مادي يُهدّد الجميع في أي مكان .
ظاهرة العنف استفحلت في تونس حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان.كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير، حتى أن الامر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية.. (بؤر توتر في كل من ليبيا العراق وسوريا..إلخ)
اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب،حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة.وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في اسباب تشكّلها وآليات تفكيكها.
في هذا السياق،كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول “العنف الحضري بتونس”، أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة،أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا. وهو ما يعكس ارتفاع مؤشر العنف بالبلاد.
وبحسب التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات “ناميبو” فقد احتلت تونس المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة للعام 2017،وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب.
بعد الثورة دخل المجتمع التونسي مرحلة انتقال جذري ليس سياسيا فقط بل الأهم اقتصاديا واجتماعيا والمعروف ان الشعوب في المراحل الانتقالية تمر بمعضلة تتعلق بالقيم والأخلاق خاصة مع ضعف المنظومة الأمنية و الدولة.
العنف ضد المرأة : بين مثالية القانون وبشاعة الواقع:
علاقة المرأة بالرجل ليست تعاونية دائما بل قائمة كذلك على الصراع. فلا يمكن فهم وضعية المرأة اليوم وسط هذا الصراع ولا توقّع وضعيتها في المستقبل دون الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي القائم على الحاجة والخصاصة أحيانا وبنية أسرية متسلطة فمن سلطة الأب تجد المرأة نفسها تحت سلطة الزوج.
ويذكر أن المشرع التونسي سنّ القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. لكن في إحصائية3 جاءت بعد دخول القانون حيز النفاذ، بينت ارتفاع نسبة العنف مما يؤكد أن أن القانون لا يمكن أن يكون لا المشكل الوحيد ولا الحل الوحيد. تحاول هذه الورقة الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء تفاقم ظاهرة العنف ضد المرأة لإيجاد الحلول الفعالة والجدّية للحد منها.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
هل أن عشر سنوات ونيف لم تكن كافية ليعود المجتمع التونسي لاستقراره وتوازنه؟
الجواب في العموم ان التوازن الامني يسير بخطى ثابتة لكن هذا لا يكفي لان المسألة لا تطرح من جانبها الامني فقط.
يمكن العودة أولا لإحصائيات تعتبر متكاملة متعلقة بالجريمة في تونس ومعدلاتها هي ارقام العام 2016 حيث تم إحصاء حوالي 59500جريمة في الثلث الاول فقط منها قرابة الالف اعتداء عنيف على نفس بشريةو92جريمة قتل عمد .
هذه الارقام رغم أنها مرتفعة الا ان الظاهرة تزايدت بعد ذلك رغم تحسن الأداء الأمني خاصة في 2018 و 2019 وهو ما يعني أن تزايد العنف ونسبة الجرائم ليس سببها تقصير أمني أو ضعف المنظومة بل يمكن ربط الامر بتدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية
يرى المختصون في علم الاجتماع انه لا يمكن الفصل بين ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا ومنها البراكاجات وتزايد نسب البطالة لدى الشباب وايضا الفقر فهناك فئة من الشباب او حتى الكهول يجدون انفسهم في وضعيات مادية صعبة مع انغلاق كل امل في تحسينها فيلجؤون الى الخيارات الاسهل لكنها تكلف غاليا للمعتدي وايضا للمعتدى عليه.
من جهته،أكد المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية،أهمية تعزيز الخطة الوطنية للدفاع الاجتماعي،ودعم الإحاطة بالفئات الاجتماعية ذات السلوكيات الخصوصية،والعمل على توحيد قاعدة بيانات حول ظاهرة العنف وتوفير الإحصائيات في الغرض،بالإضافة إلى تكثيف المراقبة الأمنية بمختلف وسائل النقل،وتفعيل السياسة الجنائية في مقاومة العنف من خلال التطبيق الصارم للقانون.
ومن التوصيات التي رفعتها المصالح الأمنية،التفكير في اتخاذ إجراءات عاجلة من خلال فرض احترام القانون والتراتيب والمناشير وعدم الخضوع للابتزاز وتطبيقها حينيا في جميع الوزارات وتفعيل الدور الأساسي لوزارة التربية، وتنقية محيط المؤسسات التربوية إضافة إلى تجهيز الفضاءات العمومية تقنيا (شبكة الكاميرا) وتفعيل السياسة الجنائية في مقاومة العنف من خلال التطبيق الصارم للقانون وكذلك تفعيل دورالأجهزة الأمنية (حرس وشرطة ..) خاصّة في المجال العلائقي للحفاظ على السلم الاجتماعية وإلزامها على العمل على فض الإشكاليات مع اقتراح تربصات عمل في المجال الاجتماعي ضمن حلقات التكوين.
أما بالنسبة للأطراف المتداخلة في المجال الاجتماعي،فقد دعت إلى إدراج برنامج الوقاية من العنف ضمن البرامج الوطنية ودعم الطب المدرسي والجامعي والوقاية من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وتنظيم حوار مجتمعي بمشاركة جميع الأطراف المتداخلة والعمل على إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف وتعزيز الدور الوقائي من خلال تطوير المشهد الثقافي والعمل على مزيد الانتداب والتعاقد مع أخصائين نفسانيين مع معالجة الزمن المدرسي لتوفير مساحات زمنية لتعاطي الأنشطة الثقافية والرياضية إلى جانب التنسيق مع المصالح الأمنية قصد حماية الطلبة المقيمين من التعرّض إلى العديد من الانتهاكات من قبل بعض المنحرفين بالأحياء المجاورة للمبيتات الجامعية خاصة في الأحياء الشعبية ودعوة كل الطلبة إلى الإبلاغ عن الحالات المرضية التي تهدد بالعنف حتى يتم التدخل العلاجي الوقائي في الوقت المناسب والتكثيف من المراقبة الأمنية بمختلف وسائل النقل وغيرها من التوصيات.
بدوره،أرجع المختص في علم الاجتماع سامي نصر تنامي ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة إلى 3 عوامل لخصها في اكتساح الثقافة العنفية سلوك الأفراد وانتشار المخدرات وغياب السياسة الردعية.
وأشار نصر في تصريح صحفي،الى أن”الجرائم تطورت اليوم لتصبح عنفية خاصة على ضوء تنامي عمليات التنكيل وارتكاب جرائم خطيرة لأتفه الأسباب” (هنا نستحضر الجريمة التي هزّت الرأي العام التونسي مؤخرا:مقتل الشاب آدم بوليفة بإحدى الفضاءات السياحية التونسية)، موضحا ان “العنف يتطور عبر 3 مراحل اذ ينطلق من سلوك أو ردة فعل فردي ليصبح في مرحلة ثانية ظاهرة اجتماعية ثم يتطور من خلال “المغذيات” ليصبح ثقافة عنفية “. وأشار إلى أنّ تفشي الجريمة ببلادنا يعود إلى غياب السياسة الردعية في القانون التونسي منها تمتع مرتكبي جرائم السطو و”الزطلة” باجراءات استثنائية منها العفو وتخفيف مدة العقوبة، مشددا على انه من المفروض أن تسلط على مرتكبي هذه العمليات أقسى العقوبات حتى لا يتطور سلوكهم العدواني الى جرائم ابشع.
بدوره،يقول المحامي منير بن صالحة إنّ ارتفاع نسبة الجريمة في تونس لا يعود الى غياب الردع فالقانون التونسي يتضمن ما يكفي من الفصول الردعية ويعاقب بالسجن وبعقوبات شديدة تصل إلى الإعدام في بعض الجرائم، بل يعود إلى الشعور السائد لدى كثيرين بأنّ القانون لا يطبق،وأنّ في الإمكان الإفلات من العقاب، وبالتالي يوحي أنّ السلطة ضعيفة. يضيف أنّ وجود مثل هذا الشعور لدى العموم يخلق نوعاً من الاستهتار بالجريمة التي أصبحت ترتكب بكلّ سهولة وبساطة، مبيناً أنّ “هناك جرائم بشعة ترتكب لأسباب بسيطة، فأحياناً تزهق سيجارة روح إنسان، ومن أجل مبلغ مالي بسيط قد يقتل شخص، وبهدف سلب هاتف جوال قد تغتصب النساء”.
وأوضح بن صالحة أنّ انتشار المخدرات والممنوعات ساهما أيضاً في ارتفاع نسبة الجريمة، وبالتالي،لا بدّ من التفكير في إصلاح عميق نفسي واجتماعي وقانوني للجريمة والعنف في تونس.كما يدعو أيضاً إلى ضرورة إصلاح السجون التونسية التي تعاني من الاكتظاظ وقد لا تؤدي دائماً إلى الإصلاح بل قد تساهم في تكوين المجرمين.
وإذن؟
إن معالجة هذه الظاهرة إذا،لا يمكن اختزالها فقط من خلال ما تقوم به الأجهزة الأمنية بل يجب على المؤسسات التربوية والدينية والتعليمية وغيرها ان تقوم بدورها المأمول في معالجة هذه الظاهرة، فهذه الظاهرة تدل على وجود ازمة ثقافية قيمية وظاهرة العنف في مجتمعنا يجب أن تعالج ثقافياً وتربوياً ودينياً وعشائرياً واجتماعياً من خلال اطلاق المبادرات الخلاقة،ورسم البرامج التعليمية الاستراتيجية الهادفة إلى تكريس ثقافة المحبة والأخوة ونبذ العنف في نفوس أبنائنا وشبابنا.
ملخص تنفيذي:
في السنوات الأخيرة، أصبحت جرائم العنف في تونس ضد المرأة ظاهرة مفزعة نظرا لتسارع نسق ارتكابها وخطورة أثارها مؤدّية إلى مقتل العديد من النساء. وقد أطلق الشارع التونسي صيحة فزع بخصوص هذه الظاهرة مطالبين بتنقيح القانون وتقديم أكثر حماية للمرأة المعنفة. وبما أن الدولة تحمل على عاتقها مسؤولية حماية مواطنيها، فهي ملزمة بحماية المرأة من الخطر الذي يداهمها من خلال تدابير تعالج الظاهرة من جذورها.
على سبيل الخاتمة:
إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 20 ديسمبر 1993 بموجب القرار عدد 48/104 وعَرَفتْ المادة الأولى منه مصطلح « العنف ضد المرأة » بأنه » كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية للجنس ويترتب عليه ,أو يرجع أن يترتب عليه,أذى أو معاناة للمرأة ,سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ,سواء حدث ذلك في الحياة العامة والخاصة.
**يحتفل العالم في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة،الذي دشنت من أجله منظمة الأمم المتحدة للمرأة حملة باسم “أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة”.