علاء مطر
أمد/ لا يحتاج أي مواطن فلسطيني في قطاع غزة، إلى قراءة ما وراء الأخبار أو التحليلات السياسية، لقراءة ما يحدث في القاهرة، من جولات للمفاوضات بين وفد حركة حماس والوسطاء المصريين والأمريكيين والقطريين، للوصول إلى تهدئة كان الشعب يتمنى سماع خبرها، خصوصا قبل شهر رمضان المبارك، والحديث الأخير عن فشل هذه المفاوضات، وعدم إحراز أي تقدم أو اختراق، ليقف المواطن حائرا ومذعورا، ويرى الجميع لا يستطيع الاحساس بمعاناته التي فرضت عليه فرضا، في حين لم تحاول الحكومة أو الفصائل القيام بالحد الأدنى من مسؤولياتهم والحد من ارتفاع الأسعار واحتكار التجار وعدم إيصال المساعدات للجميع.
فقد أعلنت مصادر في حركة حماس عن استمرار تواجد وفدها في القاهرة ليوم آخر، على أمل استمرار المفاوضات، والتوصل لاتفاق، لكن التصريحات المصرية والإسرائيلية، تثبت أن المفاوضات قد وصلت لطريق مسدود، فيما خرجت تصريحات جديدة، تؤكد أن المفاوضات مستمرة لكن دون تحقيق اختراق جديد، تماما مثل الطبيب الذي يطمئن أهالي المريض في المستشفى بأن وضعه مستقر، رغم أنه شارف على الموت، وذلك لرفع معنويات أهله وإبقاء الأمل بينهم.
ورغم حالة الأمل التي كان يعيشها سكان غزة، إلا أن تعنت حماس وضعها أمام نفسها لأن لا خيار لديها في سبيل مصلحتها، وأمام المواطن الذي بدأ يفقد الأمل في وضع حد لوقف شلال الدم.
يكتب أحد الغزيين على وسائل التواصل الاجتماعي معلقا على فشل المفاوضات مع اقتراب شهر رمضان: “كان شهر رمضان بالنسبة لي شهر خير وبركة وإنجاز علمي، له طقوسه الخاصة المتعلقة بلطف النهار مع الأهل والأصحاب، وقيام الليل بين الكتب حتى الفجر، كان لقدومه فرحة، ولانتهائه بهجة، لا أدري بأي حال سيأتي علينا هذا العام، وقد فقدنا الماضي والحاضر ، كيف سيطل علينا وقد فقد كل منا نفحاته التي كان ينتظرها معه، كيف سأستقبله وقد فقدت كل ما كنت أنتظره معه.. حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من تخاذل”، هكذا عبّر عن حالة اليأس التي تسيطر على جميع سكان غزة التي حاولت أن تحيا قبل أن تموت دون ذنب.
أهالي مدينة غزة وخصوصا الشمال منها، الذين فقدوا ملامح وجوههم، وتناثرت روحهم وكرامتهم تعاني من الوجع الصارخ، والجوع القاهر، المستمر منذ خمسة أشهر.. فلا شيء يحتمل وأنت تسمعهم وهم يعبّرون عن حزنهم الذي يمزق القلب، ويأسهم من الوصول الى تهدئة ولو مؤقتة تسمح لهم بدخول المساعدات، وكيس الطحين خصوصا، كيف أن أطفال يعبرون عن حزنهم بعد سماع أخبار فشل المفاوضات بالقاهرة، أطفال صغار يتابعون أخبار المفاوضات، يقول الأب وهو ينشر صورة أطفاله وهم يجلسون بجانب المذياع يسمعون للأخبار السياسية: “لم يكونوا يعرفون المذياع، وما معنى المفاوضات أصلا.. كل شيء تغيّر في شمال غزة، فمن أكل علف الحيوانات كي يحيى، كان يتمنى أن يعيش أجواء رمضان وفي بيته أو خيمته كسرة خبز يفطر عليها، حتى لو دون سحور.. يا معاناتهم الطويلة..
فشل الوصول لتهدئة لا يوجع قادة الخارج، بل من يعانون الأمرّين في غزة.. هكذا يتحدث الباقون في غزة، فقد ارتفع منسوب الألم والمعاناة، معاناة فقدان الأمل أسوأ من أي معاناة أخرى، لا أسف.. إن ألم الجوع الذي يلسع القلوب، وبكاء الأطفال الذين لا يجدون ما يأكلون في هذه الأيام، فما بالنا في رمضان.
يأمل الفلسطينيون أن تكون الأخبار المنشورة حول فشل مفاوضات التهدئة كاذبة، وأن يصل المفاوضون إلى صيغة تسمح لهم بعيش رمضان دون قتل أو دمار، أن تدخل المساعدات إلى شمال غزة، وأن يجدوا ما يفطرون عليه في الشهر الفضيل، بعد خمسة أشهر من التجويع القهري والصيام الاجباري..