أحمد عبدالوهاب
أمد/
هل ستستمر الكارثة الإنسانية، التي يعترض لها الفلسطينيين في قطاع غزة، خلال شهر رمضان المبارك؟.. سؤال يطرح نفسه، ولا أحد يستطيع الإجابة عليه، حتى وقتنا هذا، على الرغم من اقتراب «هل هلال» الشهر الفضيل، في غضون أيام قليلة.. من يرى ويتابع المشهد، سيجد أن الموقف معقد ومتأزم للغاية.
يومًا بعد يوم، يواصل عدّاد الشهداء والجرحى عمله دون توقف، وسيل الدماء يُغرق أرض النضال، وسط مشاهد مؤلمة ونظرات الحزن والحسرة، على وجوه ممكن كتب لهم القدر البقاء على قيد الحياة حتى الآن.. الأسر تفككت، ولا توجد عائلة في غزة بلا شهيد أو جريح، وهناك عائلات فُقدت بالكامل، في أبشع جريمة إنسانية تحدث للبشرية، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، الذي يقتل ويدمر، بلا حساب ولا عقاب، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، الذي اكتفى بدور المتفرج، وعجز عن إيقاف الجرائم الوحشية بحق الفلسطينيين الأبرياء.
فشل العالم في اتخاذ موقف جاد يؤدي إلى توقف الحرب البشعة في غزة، وبات منشغلاً بمقترحات موازية تتصل بما أطلق عليه «اليوم التالي»، وهو ما يستوجب إعادة النظر، ليس فقط في مسألة اليوم الحالي.. والمخرج اليوم هو ضرورة تحرّك جاد للبناء على المواقف القليلة العملية والعاقلة رغم الألم، التي تقوم بها دول الاعتدال، لإيصال تشخيص دقيق وحقيقي، لما تمر به القضية الفلسطينية من منعطف خطير من بدايتها، فلابد من اتخاذ موقف حازم وحاسم مبني على احترام القانون الدولي الإنساني، وفتح الممرات الإنسانية الآمنة وإجلاء المصابين وإيصال المساعدات من دون قيود، ووقف فوري لإطلاق النار للحيلولة دون سقوط الضحايا الأبرياء، خصوصًا مع اقتراب حلول شهر رمضان.
على مدار 3 أيام متتالية، استقبلت مصر على أرضها قيادات من حركة حماس، لمواصلة مفاوضات «هدنة غزة»، وسط آمال بإمكانية التوصل لاتفاق بين حكومة الاحتلال و«حماس»، وسط ضغوط كبيرة من الوسطاء لتجاوز العقبات والخلافات، أملًا في إيجاد حل ولو مؤقت لوقف إطلاق النار، وتجنب إراقة المزيد من دماء الشهداء والجرحى.
ورغم حضور أطراف من مصر وقطر والولايات المتحدة، جلسات المفاوضات مع «حماس»، إلا أن إسرائيل قررت عدم إيفاد وفد يمثلها، عقب رفض «حماس» تنفيذ طلب تل أبيب، تقديم قائمة كاملة لأسماء الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة، وهو ما يزيد الموقف صعوبة وتعقيد، وهو ما كشفته بعض التقارير عن «انهيار» المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس» في القاهرة، والتي وصفت الموقف بوجود مصاعب تواجه المباحثات، ولكنها ما زالت مستمرة.
ويتمسك رئيس حكومة الاحتلال «نتنياهو» بمواصلة الحرب، ظنًا منه أنه يستطيع القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وتتضاءل الآمال في التوصل إلى اتفاقات سياسية بسبب تصاعد العنف والجوع، الذي يتسبب فيه نتنياهو وجيشه في قطاع غزة، وتواجه الأطراف المتصارعة ضغوطًا كبيرة من جميع الجهات، سواء من الوسطاء القطريين أو المصريين، أو الأمريكيين للتوصل إلى اتفاق قبل بداية شهر رمضان، وتتصاعد الأوضاع في الضفة الغربية وفي أراضي 48 إذا ما استمرت إسرائيل في عرقلة وصول المصلين إلى المسجد الأقصى.
والمشهد يقول أن «حماس»، غير مستعدة لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، دون ضمانات لوقف إطلاق النار، ومن أهداف إسرائيل في هذه الحرب القضاء على حركة حماس وإعادة الأسرى ومع ذلك، تعد هذه الأهداف تناقضية بما أن إسرائيل دخلت في مفاوضات مع حماس بخصوص الأسرى، بالتالي العملية التفاوضية تقضي بأن يبدي الطرفين مرونة، لتحقيق نتيجة إيجابية.
ما قامت «حماس» في هجوم 7 أكتوبر، هو السبب الرئيسي لما يحدث للفلسطينيين في قطاع غزة حتى هذه اللحظة، وكأن جيش الاحتلال الإسرائيلي، كان ينتظر أو يتمنى «غلطة» لشن حرب موسعة، لإبادة غزة ومحاولة إنهاء القضية الفلسطينية، بتهجير أصحاب الأرض، الذين يواصلون الصمود رغم العدوان الوحشي.. وما يثير الريبة هو وجود قيادات «حماس» في قطر وتركيا، واكتفوا بإصدار البيانات، والجلوس على طاولة المفاوضات، وإجراء مباحثات، فشلت جميعها في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.
موقف قيادات «حماس»، وتواجدهم خارج أرض النضال، يؤكد انفصالهم عن الواقع المرير الذي يمر به قطاع غزة.. وكان من المفترض أن تبدي «حماس» مرونة في المفاوضات، لتخفيف حدة العدوان الوحشي، الذي يتعرض لها الأبرياء، وبالتأكيد إذا قامت «حماس» بفك أسر بعض الرهائن، سيؤدي ذلك إلى وقف ولو مؤقت لإطلاق النار، في شهر رمضان على الأقل، لوقف حمام الدم، وإنقاذ الأرواح من الهلاك، وهو ما قد ينعكس بالإيجاب على استمرار المفاوضات، وإيجاد حل شامل للأزمة.
من الضروري أن تتخلى حركة «حماس»، عن «العند»، الذي يقابله «عند» أكثر من جانب حكومة الاحتلال، والتحرك الفوري، بخطوة إيجابية تسمح بالهدنة، فمن المستحيل أن يأتي «شهر الرحمة والعتق من النار»، وتستمر «نار الاحتلال» في إزهاق أرواح الأبرياء، دون مراعاة لحُرمة الشهر الكريم.. فلم يتبق من الوقت الكثير، ولذلك لابد من اتخاذ قيادات «حماس»، القابعين في أمن وأمان، بعيدًا العدوان المدمر، قرار فوري يُرضي إسرائيل، لوقف إطلاق النار، لإنقاذ حياة الفلسطينيين الأبرياء من الفناء.