د. تمارا حداد
أمد/ بعد إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن بناء المعبر البحري المؤقت في منطقة الميناء والتي تقع قبالة المنطقة العازلة الاسرائيلية التي تفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه والتي تم فصلها من خلال الطريق الذي أنشأه الجيش الاسرائيلي والمسمى بطريق”749″ والذي بوجوده تم فرض أمر واقع بتغيير الوضع الديمُغرافي والجُغرافي والهيكلي إضافة إلى تضاريس قطاع غزة بعد تمترس جيش الاحتلال في القطاع وإعادة احتلاله وإمكانية الجيش الدخول والخروج للقطاع بكل سهولة بعد القضاء على سبعين بالمئة من البُعد العسكري للمقاومة الفلسطينية في القطاع وتنفيذ الاحتلال عدد من اهدافه سواء من خلال القصف الجوي أو اتباع سياسة التجويع التي تُعتبر سلاح ممنهج لتنفيذ الأهداف المُتبقية من خلال التركيز على أن الغذاء والشراب أهم من أي فكر مقاوم وهي النظرية الجديدة القديمة التي يتبعها الجيش وهي إدخال المساعدات مُقابل الأمن وهي ذاتها ادخال الطعام والشراب مقابل ثلاث نقاط وهي تسليم المُحتجزين الاسرائيليين الذين بحوزة المقاومة وتسليم سلاح المقاومة وتسليم المطلوبين الذين قاموا ونفذوا وخططوا لعملية طوفان الأقصى وهي إحدى أهم الخطوط الحمراء بالنسبة لاسرائيل وهي إعادة الأمن والسيطرة الأمنية الشاملة في القطاع وتعزيز نموذج الضفة الغربية وبلورته في القطاع بمعنى السيطرة الكلية للاحتلال وايجاد قوة محلية تهتم بالوضع المدني والمعيشي والاداري لسكان القطاع بحيث تكون القوة المحلية لا علاقة بها في السلطة او حركة حماس بمعنى الاهتمام الاولي في الوضع الانساني فقط.
إن فكرة بناء الميناء البحري والرصيف قُبالة القطاع هي سلاح ذو حدين حيث سيتم بناؤه بإدارة امريكية وترحيب اسرائيلي فلا يوجد مُعارض اسرائيلي رسمي رفض هذه الفكرة الا سوى جزء من المحللين الاسرائيليين نتيجة تخوفهم ان الميناء المؤقت سيُعزز التجارة الفلسطينية بين غزة والعالم الخارجي وانه سيُرسخ البُعد المستقل لغزة لكن الرضى الاسرائيلي له دلالات ان الميناء تحت مراقبة الامن الاسرائيلي وان كان تشغيله من قبل احدى الدول العربية لكن الإدارة امريكية والرقابة الامنية اسرائيلية والعمل وتوزيع المهام الداخلية الادارية والمدنية عربية(خليجية) _فلسطينية.
إن السلاح الأول لبناء الميناء البحري هو إيجابي وهو سلاح للإنقاذ الإنساني بالتحديد أن نسبة المجاعة وصلت نسبة عالية فاقت الحد الطبيعي من الجوع المُعتمد انسانياً لذا جاء الميناء ليكون الذراع المساند لتخفيف وطأة الوضع الانساني الكارثي بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين بالتحديد الأُسر الفقيرة التي لا تملك المال لشراء الغذاء والطعام، قد يكون السؤال لماذا يتم بناء ميناء لإدخال المساعدات الانسانية وهناك معابر برية أرخص ثمناً وأسرع وصولاً ؟ إن هدف بناء الميناء لأكثر من سياق أولا اضعاف حكم حركة حماس بالتحديد ان حسب الفكر الاسرائيلي ان من سيستلم المساعدات من معبر رفح او معبر كرم ابو سالم هي حماس لذا عملية ادخال المساعدات من الميناء هي لفرض بديل عن معبر رفح لادخال المساعدات الانسانية هذا يعني ان توزيعها لن يكون بايدي حماس بمعنى اضعافها ضمنياً مع اضعاف وجودها عسكرياً من خلال القصف الجوي او قتل كوادر المقاومة من خلال الدخول البري واستمرار الحرب.
كما ان الهدف الآخر هو بلورة الحكم الاداري الجديد من خلال تقديم المعونات حيث ان المواطنين بعد التجويع المُمنهج سيصبح المواطن يفكر فقط في إطعام أولاده وعائلته لن يفكر بأي اسلوب له علاقة بمُجابهة الاحتلال بعد الدمار الشامل في القطاع وبعد انهاء مقومات الحياة فيه وهذا يعني ان من سيُقدم لهم الطعام هو فعلياً سيكون الحاكم الاداري للقطاع بغض النظر عن طبيعة تلك القوة المحلية.
أما فيما يتعلق هدف فكرة السفر من خلال الميناء فهي غير واضحة نظراً ان التهجير القسري لم يعد قائماً بل بات فكرة التهجير الطوعي هي الراسخة الآن ومُنفذة من خلال خروج عدد كبير من المواطنيين الفلسطينيين حيث يُقدر حتى اللحظة مئة الف مواطن خرجوا طوعاً بعد دفع لكل فرد خمسة آلاف الى ثمانية آلاف دولار للفرد من أجل الخروج من القطاع بعد التنسيق مع إحدى شركات خاصة للسفر والخروج من غزة، لذا فكرة التهجير الطوعي هي الراسخة وهي ستكون القائمة حتى من خلال الميناء البحري حيث ان الفلسطيني ذاته هو من سيُقرر الخروج ام البقاء في القطاع بالتحديد ان الاسر الفقيرة لا تستطيع الخروج من معبر رفح فهي لا تملك ثمن الخروج لذا فان المتبقي في القطاع هم الفقراء لذا فان الميناء سيكون سلاحاً ايجابياً لتقديم المساعدات الانسانية اضافة الى سلاح مُبهم لتعزيز فكرة اللجوء ولكن طوعياً بارادة الفلسطيني بعد ترتيب آلية اللجوء لاحدى الدول التي ان قبلت باستقباله بالتحديد ان استقبال اللاجئ يحتاج الى اموال طائلة لاعادة ترتيب واقعه السكني والمُعاشي وحتى اللحظة لا يوجد دولة اوروبية او عربية قبلت باستقبال اللاجئ الفلسطيني بشكل رسمي.
كما ان بعد اعلان مغادرة سفينة عسكرية امريكية من قاعدة فرجينيا الى غزة لبناء معدات الميناء هذا له دلالات وهو البُعد الامني والعسكري لايجاد موطئ قدم استراتيجي امريكي سيستمر لشهور او سنوات تستخدم القاعدة لنقل القضايا الحربية واللوجستية العسكرية اضافة الى الانسانية لسكان القطاع ، اضافة ان الشارع الذي قُبالة الميناء الذي انشأه الجيش والذي يصل للبحر الابيض المتوسط فان الشارع جزء من الخطة الاسرائيلية للسيطرة الامنية على قطاع غزة ايضاً سيستمر لسنوات والشارع ايضاً موطئ قدم استراتيجي سيُستخدم لنقل المعدات العسكرية من الرصيف الى اسرائيل والشارع سيُسهل تنفيذ اقتحامات في المنطقة يشمل ثلاث مسارات مسار للمصفحات العسكرية ومسار للمركبات الخفيفة والثالث للحركة السريعة.
كما ان بناء الميناء له علاقة بدخول رفح والتي يتم دخولها آجلاً ام عاجلاً نجحت الهدنة المؤقتة ام لم تنجح فمسار العمليات العسكرية وسط قطاع غزة ورفح قائم لانهاء الكتائب المُتبقية في القطاع ووسطه حيث الآن يستكمل الجيش مهامه في آخر منطقة في خانيونس واضافة لبقية مناطق الوسط ومن بعدها الدخول لرفح بعد المُصادقة الامنية والسياسية على الخطط لدخول رفح بعد محاولة نقل المواطنيين الى مناطق مُشتتة في القطاع بعد الضغط الامريكي لابعاد الضرر قدر الامكان عن المدنيين الفلسطينيين.
ان عملية طوفان الاقصى استُغلت لصالح اسرائيل والفرصة جائتهم بطبق من ذهب لتحقيق الاهداف الامنية والعسكرية والهيكلية في القطاع وابقاء الفصل الممنهج بين الضفة والقطاع حسب مُقتضيات الفكر اليميني الصيهوني الذي يركز على الارض وتقليل الديمغرافية الفلسطينية من مليونين في القطاع الى مليون فرد والضفة الغربية كذلك من خلال التضييق المُمنهج في الضفة وتقطيع أي امكانية تعمل على تواصل جغرافي بين منطقة واخرى فيها وانهاء حلم الدولة الذي عززه الانقسام الفلسطيني.