بكر أبو بكر
أمد/ عندما يتم الحديث عن التهييج والتجييش والتحشيد للناس فيما تفعله الفضائيات التضليلية، وتلك الكاذبة علنًا أو ما بين السطور اليوم في ظل العدوان الهمجي الهستيري والفاشي على قطاع غزة الفلسطيني والمقصود ما تفعله تلك الفضائيات أو المواقع سواء العربية أو الاجنبية، فإنها بحقيقة الأمر تقوم باختطاف (العقل) وتمنع مجرد التفكير المستقل، لأنها بتقنيات التضخيم والتكبير وتسليط الضوء الساطع على حدث، والتركيز عليه حتى لو خبا، وسحبه من فوق حدث أهم فهي تقوم باغتصاب العقل أو بتخديره أولًا ثم تصبّ فيه ما تشاء من أقذار.
الدعاية وغرائز الجماهير
الدعاية والترويج المتمسح بعباءة الإعلام- وما بين الدعاية (البروباغندا) والإعلام المصداقية المفقودة- تقوم بطمس البصر
1. فيصبح ذو الأولوية عند الناس ثانويًا
2. وتضيع العديد من المباديء والأفكار والقِيَم
3. بل ويعدّ من يناصر قيم النور والعقل والفضاء خارجًا عن الوعي
4. أو يتم اتهامه-كما حال التنظيمات العقدية الأيديولوجية- إما بالالحاد أو الكفر أو بالحد الأدنى أنه منافق أو فيه شُعبة من النفاق
5. وفي السياق الوطني يتأرجح ذو العقل المختلِف ما بين قليل الوطنية أو الخائن!.
لا تتورع الدعاية/البروباغندا المتغطية بالإعلام للأحزاب وللدول من
1. تكرار روايتها الكاذبة
2. ولكنها الجذابة للجمهور
3. إنه الجمهورالمستثار أو المخدوع
4. إنها الرواية المتماهية مع أحلام الانسان أو خرافاته
5. وبأشكال مختلفة
6. موجّهة سهامها لعقل المشاهد من الجماهير حتى تحطّمه
7. وهي بذلك تقبض على روح قلبه، وقفزات عواطفه فتأسره.
تخاطب الدعاية (ومنها الحرب النفسية والنمذجة والاستحمار) في الانسان
غرائزه
وآماله
وأمانيه
وعواطفه الجياشة
التي تم استثارتها عمدًا، من حب يعمى العيون، أو تفوق عنصري، أو تقدم مأمول بلا مقومات، أو نصرٌهو بحقيقته انكسار أمة، أو غد مشرق لا شمس فيه، أو شهادة ليست في موضعها حين تكون المذبحة المفتوحة على الشعب الفلسطيني وبسكاكين الجميع بعد الصهيوني هي الحقيقة! ولا من يقدّم نفسه ليوقفها.
أو صمود بلا أي دعم، أو ثورة وكفاح ومقاومة متآكلة، ومنعزلة وآيلة للذوبان! إنها أفهام معوجّة يتم التهييج والتحشيد والتجييش لها خدمة لغرض محدد وبما تترك العقل بلا أي قيمة.
قصة بلد العميان
تقف الجماعات المنتكسة أو الأشخاص أو المؤسسات الدعائية الخلّبية، أو الدول على قارعة الطريق فلا دعم فعلي تقدمه للأمل، وإنما تقوم بعملية نفخ متكررة تستبعد العاقل فهو أعمى ولا يحق له الحديث بشكل مختلف.
وتقبل (وتصنع) الأعمى فهو وحده من يعيش في نعيم خطلها وأضاليلها، ظانًا أنه العاقل أوالمبصر في بلد العميان! وهم بحقيقة إلغاء العقل قد فقدوا أهم ما منحهم الله سبحانه وتعالى.
إن قصة بلد العميان للكاتب الانجليزي هـ.ج.ويلز قد تمكننا من النظر الى العمى القلبي وليس النظري الفيزيائي حيث تخبو الحواس ويتوقف العقل عن التفكير، ويسير في ركاب الشائع أوالرائج أوالإمعية ما يتم (التهييج والتحشيد والتجييش له) حتى في أتون الحرب الدسمة الأحداث والمجنونة على القطاع وفلسطين.
في أتون مرض غزة وفلسطين الذي أصاب العديد من الناس القريبين بالعمى (ولربموا هم استطابوا العمى على الرؤية)، قد نجده بالمقابل العكسي قد تحول من مرض الى لقاح تم استخدامه لفتح عيون آخرين لكن هناك في البعيد.
إنه في مقابل أجيال قريبة (من فلسطين وغزة) أدمنت العيش في الظلام، فاستراحت.
وأجّرت عقولها فاستطابت العيش في وداي سحيق، فإن أولئك في البعيد كانوا قد خرجوا من الوادي (شعوب العالم الحر مع فلسطين).
ومقابل ذلك تجد الأقلام والفضائيات الكاذبة والمضللة تجرّد مصاديحها ومنصاتها لمدح وإعلاء شأن ما (ومَن) لن ينتصر بلا ظهر. لا من الجماهير-التي تدفع الثمن وكأنه قدرها-، ولا من القريب ذو الوجهين أو المتغافل، أو البعيد أبدًا، وما سيقولون رغم ذلك أنه المنتصر حتى لو رأوهُ محمول الجثة في رابعة النهار!؟
كنت قد قرأت قصة بلد العميان سابقًا، وأعدتُ قراءتها ثانية لاكتشف أن العمى في الحالة الراهنة هو تضليل مقصود، فكيف لا نرى جماعة تدّعى الحلم الرباني وتدعى النور وهي تلقي بأعباء وأحمال الشعب في مهب الريح بلا أي إحساس بالمسؤولية؟ دون أن يرمش لها جفن واحد؟
وكيف لدولة إسلامية أو عربية تدعي أنها مع الكفاح المسلح ومع النضال وهي تمدُ العدو بكافة أنواع المستلزمات وعلى رأسها الحديد الصلب (الذي يدخل في صنع 40% من الدبابات) وكيف لدولة غارقة في البحرالبعيد تريد لأهل البلاد الفلسطينيين الاستمرار بالموت بلا أدنى حالة تدخّل منها؟ وهي تفاوض المهيمن على ازدهار شعبها وبلدها وجماعتها فقط؟
ولك أن تنظر بتلك الدولة التي تصور للناس أنها (ربّ المقاومة!؟) أو قائدة محور المقاومة وهي بذات الوقت تستضيف برحابة منقطعة النظير الإسرائيلي أي العدو، وكل الطيف المعادي وفي ذات الوقت يجد ركن الممانعة الفلسطيني ملجأه الوثير فيها بمعادلة تخبطية عميانية لم يستطع الكاتب (هـ.ج.ويلز) أن يفك شفرتها حتى الآن.
انتصار الفنادق وانغلاق الخنادق
تقوم القناة الفاجرة والمتربحة على دماء المسلمين بتزيين العمى للناس، وإغفال كل ما يشين الصورة الذهنية التي تصنعها، فلا يوجد شيء اسمه إبصار مطلقًا ولاشيء اسمه عيون او أجفان (كما برواية الكاتب “ويلز” بلد العميان) وهكذا تسلب الفضائية المستبدة عقول الناس، وتصور لهم هزيمة الشعب ومقتلته ومذابحه اليومية بالمئات وليس العشرات!؟ وكأنها “مقاومة”! وليس بأيدي الناس منجل أو معول أو حتى كسرة خبز!
فيما التلاشي والخذلان من نصيب حملة البنادق، الذين استراح قادتهم في دفء الغرباء وصخيب أكاذيبهم، وأصواتهم النافخة في كير الانكسار لتصور تحقق أهداف الإسرائيلي بالجرف والتدمير والقتل والتهجير، أنه انتصار للفنادق على الناس ومطالبهم وأولوية خدمتهم وحمايتهم ووضع احتياجاتهم مقدمة على احتياجات “الفدائي”، او القائد المزنّر بمرافقيه المتخمين!.
العمى كما يُقال عمى القلب، وكما يقول الله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)-الحج).
والشيء بالشيء يذكر ففي مقابل قصة بلد العميان (حيث الناس عمياء كلها، واستطابت العمى، والمبصر لا مكان له، بل هو مُدان ومطارد ويجب سمل عينيه) نجد مسرحية توفيق الحكيم المعنونة: نهر الجنون حيث يرى الملك فى الحلم أفاعى تهبط من السماء، وتنفث سموما فى النهر، تسبب الجنون لكل من يشرب من مائه. فيتوقف الملك والوزير عن الشرب من ماء النهر، ويستبدلان بالماء النبيذ.
وفي أحد الأيام يدخل الوزير على الملك وينبئه أن “الملكة” قد شوهدت وهى تشرب من ماء النهر. يجزع الملك فقد كان قد حذرها من ذلك.. يطلب من وزيره أن يستدعى كبير الأطباء ليشفيها، ولكن الوزير يخبره بأن كبير الأطباء قد شرب أيضا من ماء النهر وهكذا في كل المحاولات مع الكاهن وغيره…إذن كلهم قد جنّوا (برأي الملك ووزيره).
فيقول الوزير للملك:أن المجانين (أي الناس) يرموننا نحن بالجنون.. يتهامسون ويتآمرون علينا، ومهما يكن من أمرهم وأمر عقلهم فإن الغلبة لهم، بل إنهم وحدهم الذين يملكون الفصل بين العقل والجنون، لأنهم هم البحر، وما نحن إلا حبتان من رمل.
ومازال الملك أو الزعيم الممتليء كِبرًا وغباءً ووزرائه الكُثُر يشربون النبيذ الى اليوم وقد جرّوا معهم الناس خارج موقع المجزرة والمقتلة لشرب النبيذ كي لا يروا حقيقة الموقف في أكبر مذبحة ومجزرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة بالتاريخ الحديث!
يقول الفليسوف الألمانى “نيتشه” فى كتابه الجميل “ما وراء الخير والشر”: “من النادر أن يصاب الأفراد بالجنون، ولكن ليس من النادر أن يصاب به الجماعات والأحزاب والعصور”.
إن العمى أو الجنون أو ما نسميه الحرب على العقل والوعي، أو ثلاثية التهييج والتجييش والتحشيد لطرف غافل عن حقيقة دوره ومهمته، وواجبه أمام الله وأمام حماية الناس، ولو مات كل الناس هو السائد في ظل الدعاية المضلّلة، والحرب المجنونة والدعاية المجنونة، والأفكار العمياء حيث الاصطفاء للقلّة المتنعمة مقبول، وتغييب الكثير وإعدامهم يمر بلا أي دمعة حزن!