منجد صالح
أمد/ ارسل لي صديق عزيز بطاقة تهنئة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يقول فيها: “رمضان لن يكون كريما ما لم يكن على غزّة”،
وانا اردّد من بعده: “يا رمضان كن رحمة وسلاما على غزة”،
من المُؤكّد ان رمضان سيكون مختلفا في غزة وعلى غزة عن اي مكان آخر في هذه المعمورة شرقا وغرا شمالا وجنوبا،
فمدفع الافطار التقليدي في معظم الدول العربية والاسلامية يقابله مدافع الاعتداء الاسرائيلي على غزة، مدافع حقيقيّة تصب حمما من النار والمتفجرّات على بيوت ورؤوس اهل غزة وربما قبل موعد الافطار بساعات وربما ما بين الافطار والسحور تغير الطائرات الغادرة على المدنيين القابعين في بيتهم او في ما تبقّى منها، وفي الخيام وعلى قارعة الطريق في العراء المريب وحتى في حظيرة للاغنام او مزرعة للدواجن،
يوم الغزّيين في رمضان لا مثيل له في اماكن اخرى حول العالم، فالغزّي لن يُشغل باله بالذهاب إلى عمله، فالحياة متوقّفة منذ شهور وعدّاد ساعة الزمن يلفّ ويدور ولا يُدوّن إلا الدماء والاشلاء والحطام والركام،
لن يتسنّى لامرأة غزّية صامدة مرابطة مكلومة أن ترفع سمّاعة هاتفها وتتصل مع جارتها القريبة أو البعيدة للتشاور معها وتسألها: “ماذا ستطبخين على فطور اليوم يا ام محمد؟؟!!،
فالطعام في غزّة لم يعد يُصنّع على الارض وفي مطابخ اهل غزة مع “دقة الفلفل الحار”، وانما يهبط عليهم بعض الطعام بالباراشوت من اعالي السماء،
طعام لا يُشبه طعامهم، لان ايامهم ولياليهم لا تشبه الايام ولا تشبه الليالي،
هواؤهم لا يشبه هواء الناس والبشر، فهواؤهم مشبع بالغبار والبارود،
مياههم لا تُشبه مياه غيرهم من سكان هذا الكوكب، لانه وببساطة لا توجد لديهم مياه للشرب، إلا اذا هبطت عليهم “دبّوزة” ماء في براشوت، وربما تنفجر القنّينة حين اصطدامها بالارض فيضطر الغزي ان يجرف بقع المياه من على رمال غزة ليرطّب بها شفتيه المشقّقتين من شدة ظمأ الايام والشهور،
لن يستطيع اطفال غزة ان يتحلّقوا قرب المسجد في حيّهم لانتظار فرحة الآذان لان جيش الاعتداء والعدوان دمّر مساجدهم ومآذنهم،
وان حصل وتجمّعوا حول ركام المسجد وقت حلول آذان الافطار فربما يسبق صوت الآذان ضجيج انهمار الصواريخ تنهال على اجسادهم الغضّة، فيتحوّلون من منتظرين للآذان إلى قافلة من الشهداء تُزاحم قوافل غيرها على ابواب السماوات،
رمضان حلّ وهلّ وغزة ما زالت غارقة في النار والدمار،
ما زالت تئنّ وترزح تحت مزيد من الحمم،
لا وقت لاهل غزة للملمة الجراح لان الجراحات ما تزال تنزف والسماء ما زالت تمطر قذائف ومتفجّرات وبعض السندويشات!!،
لك الله يا غزة ولكم الله يا اطفال غزة،
ويا رمضان كن رحمة وسلاما على غزة، واجلب لهم البركات والسلام والامان،
يا رمضان كن كريما على غزّة.