حسام خضرا
أمد/ يستحضرني صوت مؤذن المسجد الذي كان بجوار منزلنا في قطاع غزة حين كنت أسمعه قبل سنوات غربتي يصدح بصوته قبل صلاة الفجر في رمضان “تسحروا فإن في السحور بركة”، ولا أخفي أن شعوري في ذلك الوقت هو الانزعاج الشديد فالنوم في سريري المريح هو الذي كان يسيطر على تفكيري في تلك الأوقات رغم أطباق الفول والحمص والبيض والجبن والحلاوة والمربى وكأس الشاي الأحمر مثل لون الدماء في نهاية تلك الوجبة الدسمة.. لكن كل هذا لم يكن مغرياً بالنسبة لي وللكثيرين أمثالي من سكان القطاع.
كانت عادة حارتنا في رمضان أن نشد حبل غسيل في منتصف الشارع ليصبح الشارع ملعباً للكرة الطائرة ونبدأ اللعب بعد صلاة العصر وحتى أذان المغرب، وبحكم أن شارعنا كان قريباً من السوق فقد كان كبار السن في حارتنا يقيسون الطريق ذهاباً وإياباً باتجاه السوق، وفي كل مرة يحملون معهم أكياساً تارة من الخضار الطازجة وتارة من الجرجير وتارة بعض القطايف ولا يأتي وقت الأذان قبل أن يحمل الصائمون أطباق الحمص المزينة بالسماق والبقدونس أثناء هرولتهم إلى المنزل.
وبعد أن ننتهي من طعام الفطور كنا نهرع إلى آبائنا للحصول على مصروفنا ليصبح كل منا يشعر بأنه المليونير الوحيد في الحارة وهو ذاهب إلى السوبر ماركت لشراء بعض “سلك الجلي” الذي كنا نتعامل معه معاملة الألعاب النارية بعد إشعاله ولفه بطريقة دائرية لنستمتع بمشهد فريد يذكرنا بليلة رأس السنة في باريس.
ذلك هو رمضان الذي كنا نعرفه فاللحم والطبخ يمتد لثلاثون يوماً كاملة بلا نقصان حتى أفقر الفقراء كانوا ينتظرون هذا الشهر لينعموا ببعض الترف.. ولم يكن بالحسبان يوماً أن ترف الفقراء في رمضان سيصبح حلماً يراود أغنياء القوم على مدار أشهر..
ولا أعرف بالتحديد كيف سيبدأ رمضان بدون المؤذن بل وبدون المسجد والسوق بل وبدون الحارة بأكملها وسوف أزيدك من الشعر بيتاً فبدون الجيران أيضاً.. بل وبدون جيراننا أيضاً.. فالكل قد تبخر فداء لأحلام أشخاص تحولت إلى كوابيس لا توقعات لبدايتها، فما يحدث في قطاع غزة يحتاج إلى بداية جديدة لأن النهاية رسمها أشخاص لا يملكون شيئاً من الخبرة في الحياة السياسية رغم وجودهم على الساحة الفلسطينية منذ سنوات، لكن وعلى الرغم من ذلك فإنهم مقتنعون بشكل يثير السخرية بأنهم الطرف الأقوى في المعادلة الصفرية.