راسم عبيدات
أمد/ بعد خطاب “حالة الإتحاد”،الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن،يوم الجمعة 8/3/2024،وتطرق فيه الى الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة،والعدد الكبير من المدنيين الذين قتلتهم ” إسرائيل” وترمل اعداد كبيرة من النساء،وإستمرار الموت بالجوع والأمراض والأوبئة والقصف ” الإسرائيلي” المتواصل، يبدو بأن بايدن الذي لم يكترث لمصير هؤلاء السكان وما يتعرضون له من إبادة جماعية،طوال فترة العدوان على قطاع غزة لأكثر من خمسة شهور،حيث دعم وشارك في هذا العدوان بشكل قوي،والجسر الجوي من الأسلحة الأمريكية ل” اسرائيل”،لم يتوقف منذ بداية 7 أكتوبر،ويبدو بأن عوامل داخلية وخارجية، لعبت دوراً مهماً في قراره بأن يعمل على إنشاء ميناء بحري ” مؤقت” حسب قوله في شمال قطاع غزة،وفق خرائط لهذا المشروع تقع في منطقة شمال قطاع غزة،فوق حقول الغاز في تلك المنطقة، هذا الميناء المدعوم بألف جندي أمريكي من قوات المارينز…فبادين الذي صحا فجأة ليذرف دموع التماسيح على مصير السكان المدنيين في قطاع غزة،وما يتعرضون له من مجازر وأوضاع إنسانية مأساوية لم يشهدها او يعرفها التاريخ البشري بماضيه وحاضره ،حيث أصبح 90% من سكان القطاع نازحين،ودمرت أكثر من 70 % من منازل القطاع،عدا التدمير الممنهج الذي طال البنى التحتية والطرقات وكل البنى والمؤسسات المدنية قطاع صحي” مشافي ومراكز طبية،ناهيك عن تدمير شبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي ومراكز الإيواء والمؤسسات التعليمية ودور العبادة وغيرها. بايدن هول المجازر والمناظر المرعبة لجثث أطفال في الشوارع وجثث متحللة تنهشها الكلاب الضالة وغيرها في القطاع،والتي دفعت بالرأي العام العالمي في التحول على المستوى الشعبي أوروبياً وأمريكياً بشكل كبير ضد “إسرائيل” وأمريكا”،ولكي تندلع مظاهرات ومسيرات إحتجاجية واسعة ،ولتطال ليس العواصم الأوروبية والأمريكية،بل الكثير من مدن تلك الدول،هذه المظاهرات وخاصة في أمريكا،والتي رأت فيها شريك مباشر ل” إسرائيل” في جرائم الإبادة الجماعية حسب القضية المرفوعة من قبل دولة جنوب أفريقيا على ” إسرائيل” ،والتي باتت تهدد مصير بايدن الإنتخابي بأن لا يتمكن من العودة للبيت الأبيض في ولاية رئاسية ثانية،حيث الولايات المتأرجحة والتي تحسم في مصير الانتخابات،وخاصة متشغان ومعها بنسلفانيا، والتي يقطنها أغلبية عربية وإسلامية،حيث الإنتخابات التمهيدية التي جرت هناك،قال أكثر من 100 الف مصوت،بأنهم سيصوتون بلا ملتزم للحزب الديمقراطي والرئيس بايدن، ويضاف الى ذلك إقدام الطيار الأمريكي أورون بوشندل على حرق نفسه أمام السفارة “الإسرائيلية” في واشنطن منتصراً للإنسانية ورافضاً للشراكة الأمريكية في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة،وما اعقب ذلك من قيام العديد من الجنود والضباط الأمريكان بحرق شاراتهم العسكرية إحتجاجاً على الموقف الأمريكي من الحرب على قطاع غزة.
بايدن الذي رفض أي وقف إطلاق نار لدواعي إنسانية في القطاع،من خلال استخدام حق النقض ” الفيتو” ضد مشاريع القرارات التي قدمتها أكثر من دولة روسيا والإمارات وغيرها،بالإضافة الى إفشال مشروع قرار جزائري ،يدعو لصدور بيان رئاسي من مجلس الأمن يحمل ” إسرائيل” مسؤولية “مجزرة الطحين” على دوار النابلسي في القطاع،والتي راح ضحيتها أكثر من الف مواطن،وأمريكا لم ترفض هذا القرار فقط،بل حتى توجيه لوم أو انتقاد الى ” إسرائيل” رفضته.
الخلاف الأمريكي – “الإسرائيلي” ،رغم كل الحديث عن الخلافات بين الطرفين،وزيادة حدة الإنتقادات الأمريكية لسياسات نتنياهو وكيفية إدارته للمعركة والحرب على القطاع،وبأن تلك السياسات والمواقف تضر ب”إسرائيل” أكثر ما تنفعها،ولكنها بقيت في إلإطار التكتيكي،مع الاتفاق على استمرار الحرب على القطاع، لأن شروط وقف هذه الحرب،وفق الشروط الأمريكية ” الإسرائيلية” لم تنضج بعد.
هذا الميناء الذي يجري التجهيز لبنيته التحتية بمشاركة اوروبية غربية وموافقة ” اسرائيلية”،على أن يجري تمويل تكاليفه البالغة 35 مليون دولار ،عبر ثلاثة دول عربية خليجية ،هناك اهداف مباشرة من إنشائه بعيداً عن ما يعرف بالبعد الإنساني،الذي لم يحرك الإدارة الأمريكية بالمطلق ولم يكن هاجسها، فأهداف المشروع المباشرة ،في المدى القريب،يقف في مقدمتها إعادة هندسة جغرافيا قطاع غزة ،عبر تقطيع اوصالها،وترتيب اولويات سكانها،بالترافق مع المشروع “الإسرائيلي” المتمثل بشق شارع بعرض 6 ونصف كم يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه ويصل الى البحر المتوسط ،وبما يوفر السيطرة الكاملة ل”اسرائيل” على كل معابر القطاع والتحكم في مداخله ومخارجه، أي العمل على فك علاقة القطاع مع مصر براً وبما يقطع صلتها بالقطاع جغرافيا وسياسياً ،ويلغي دور معبر رفح بالكامل،والذي تصر ” اسرائيل” وبشراكة امريكية واوروبية غربية وتواطؤ عربي على عدم فتحه لدخول المساعدات الإنسانية غذائية ودوائية ووقود وغيرها،وأيضاً من ضمن هذه الأهداف،ايجاد جماعات عائلية وقبلية وعشائرية، تكون البديل ل حماس والمقاومة الفلسطينية بتولي توزيع المساعدات الداخلة عبر هذا ميناء على سكان القطاع،كبديل عن السلطة القائمة والقوى السياسية،الأمر الذي دعا قوى المقاومة،للقول بأن كل من تسول له نفسه التعاطي،مع مثل هذه المشاريع المشبوهة،والعبث بالجبهة الداخلية ،ستجري معاملته كخارج عن الصف الوطني،وليأتي رد العائلات والعشائر والقبائل،بالقول أنها لن تكون بديلاً عن الممثل السياسي،ولن تكون خارج المشروع الوطني،ولن تساهم في العبث في الجبهة الداخلية،وهي جزء من وحدة هذا الشعب ولحمته.
مع إصرار ” اسرائيل” وأمريكا لتنفيذ العدوان على مدينة رفح،من أجل استكمال أهداف الحرب،لكي تلحق هزيمة ساحقة بالمقاومة الفلسطينية من وجهة نظرهم، ولكن على أن يراعى فيها من وجهة نظر الأمريكان،تجنب قتل المدنيين،والعمل على ايجاد أماكن أمنة لهم،وبان يجري ترحيلهم مسبقاً قبل القيام بالعملية البرية،والتي قد تسبب بمجازر بشرية وأعداد كبيرة من الضحايا،ولذلك سيكون من اهداف هذا الميناء مدخل لتهجير سكان القطاع الى قبرص ومن هناك للدول الأوروبية ،ولا ننسى بأن هذا الميناء ستكون القرارات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية والإشراف عليها وطرق وآليات توزيعها،خارج إطار سيطرة مؤسسات الشرعية الدولية،أي مصادرة أي دور لوكالة الغوث واللاجئين “الأونروا” المطلوب تصفيتها،وهي التي جرى “شيطنتها” امريكياً و”اسرائيليا” ،عبر توجيه ادعاءات وإتهامات لعدد من العاملين فيها بالمشاركة في معركة 7 أكتوبر،دون تحقيقات وأدلة دامغة،للوصول بها الى معادلة “المال مقابل التوطين”.
أما الهدف الإستراتيجي لهذا الميناء،فهو السيطرة على حقول الغاز في منطقة شمال غزة” غزة مارين”،حيث يوجد هناك 35 مليار متر مكعب من الغاز النقي في تلك المنطقة،تريد الشركات النفطية الأمريكية العملاقة التي دفعت جزء من تكاليف الحرب على قطاع غزة السيطرة عليها واستثمارها،وهذا المشروع يندرج ضمن الإستراتيجية الأمريكية، التي جاءت شراكتها وقيادتها لهذه الحرب عسكرياً وأمنياً على شعبنا في قطاع غزة،تحت شعار الأمن القومي الأمريكي، وهي من أجل حماية مصالحها والدفاع عنها في المنطقة،وإعادة تموضعها الجيو استراتيجي من غرب أسيا حتى منطقة الشرق الأوسط ،تريد محاصرة التحالف الروسي- الصيني- الإيراني،ولكي تقطع الطريق على المشروع الصيني،طريق ” الحزام والطريق” والعودة به الى مساره القديم،من الهند الى دول الخليج العربي بحراً،السعودية والإمارات، الى هذا الميناء الذي سيجري إنشاؤه في قطاع غزة،ومن ثم الى ميناء حيفا في “اسرائيل”،لكي يكون الميناء الوحيد الذي يجري من خلاله تصدير النفط والغاز الى أوروبا الغربية،التي تعاني أزمة طاقة كبرى،بسبب العقوبات الروسية المفروضة عليها،لمشاركتها أمريكا في العقوبات المفروضة على روسيا،ولهذه الغاية والهدف دمرت أمريكا ميناء بيروت،واخرجت “اسرائيل” بالقصف المتواصل ميناء اللاذقية السوري عن الخدمة،وأمريكا ما يحركها في إقامة ميناء غزة “المؤقت”،والذي تسعى “اسرائيل” الى شراء الميناء الأوروبي في قبرص المقام لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، حتى تكتمل لها السيطرة على المينائين “الأوروبي في قبرص واسدود الذي تسيطر عليه” وعمليات تفتيش البضائع الداخلة والخارجة للقطاع،وكذلك حركة الأفراد.
وحروب أمريكا في المنطقة حكمتها السيطرة على نفط وغاز المنطقة والتحكم في ممراتها البحرية وموقعها الجغرافي الجيو استراتيجي،ولهذا جرى غزو العراق وإحتلاله عام 2003،والسيطرة على نفطه،وفرضت أمريكا على العراقيين،عندما اضطرت للإنسحاب منه معادلة “النفط مقابل الغذاء” ،وهي كذلك تحتل شرق سوريا الغنية بالنفط والغاز،لكي تستمر في سرقة النفط السوري،وما جرى في ليبيا من غزو وتغذية لصراعاتها الداخلية عبر طرفين إقليميين ولتستمر تلك الصراعات على السلطة،في حين تسيطر أمريكا على النفط والغاز والليبي ،وكذلك الحرب العدوانية التي شنت على اليمن لمدة سبع سنوات،وقف الغاز والنفط اليمنيين في مقدمة أهدافها.
ولذلك نرى بأن هذا الميناء الذي سيقام في شمال قطاع غزة،لن يكون مؤقتاً ولا من أجل دخول المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر والمدمر ،والتي ٍأسرع وأرخص الطرق لدخولها فتح المعابر البرية،وبالذات معبر رفح،بل سيكون هذا الميناء كحال ما جرى ويجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن ،سيطرة على الغاز الغزي في منطقة الشمال،مدعوماً بقوة عسكرية.