بكر أبو بكر
أمد/ في خضم العدوان الفاشي ضد الشعب الفلسطيني في غزة ، وبنكبة لم تشابه نكبتنا الأولى، وفي الضفة بقدسنا كنّا قد حذرنا كثيرًا من قِصر النظر السياسي وزهو اللحظة، كما حذرنا من عدم النظر للذات ومعطياتها، وعدم التعلم من التجارب. وحذرنا بوضوح وجلاء من عدم القدرة على نقد الذات أو رؤية الأخطاء في الأفعال وضرورة المراجعة، كما أشرنا لعوامل القوة والضعف في مقابل المعسكرات الحليفة والمناوئة، وكيفية إحسان إدارة المعركة سواء الميدانية او السياسية، وهو الزاد السياسي لأي فصيل يحترم نفسه، ويفهم بالسياسة في أخطر منطقة بالعالم كما أثبتت الأحداث عبر السنوات وآخرها في نتائج 7/10/2023 المدمرة.
ضرورة النقد والمراجعة
كتبنا في ذلك كثيرًا دون أي إشارة مباشرة وبشكل محدّد للمخطيء بدقة، احترامًا بقدر الامكان لوحدة المواجهة دون تكفير أو تشهير أو تخوين برعت فيه التنظيمات الأيديولوجية، إلا أن الخطأ كان قد وقع فعلًا في كم التصريحات التي تم تداولها من فصيل “حماس”، ومن البعض في حركة “فتح” كما وقعت الأخطاء من موقف عدد من الفصائل أيضًا وبضعة شخصيات كانت على هامش الأحداث وبدأ صوتها يعلو.
إن الانتقاد لموقف حركة فتح أو الشعبية أو حماس هو بالوضع الطبيعي دلالة الحيوية المطلوبة ودلالة الرغبة بالإصلاح، ولكن أن يفترض أي فصيل فلسطيني عصمته الربانية أو الوطنية عن الخطأ، -وفي الإمعان فيما يحصل اليوم من تراشق خطيئة وطنية كبرى- فهذه هي الطامة الكبرى وهذه هي عقلية الاستبعاد للآخر والتفرد، والانتظار للتسليم والاستلام!.
طوفان الأقصى والكارثة
وكي لا نبتعد كثيرًا فإن الحدث المرعب للإسرائيلي أو ما أسمته “حماس” طوفان الأقصى كان بلا شك علامة فارقة بالتاريخ الفلسطيني والإسرائيلي، وشكّل صدمة لم يكن مثلها للكيان الذي تجرأ ليقطع كل أحبال الدبلوماسية مع العالم ويقوم بالانتقام من الشعب الفلسطيني محققًا أهدافه غير المعلنة بتهجير الفلسطينيين وتدمير غزة ومحوها من فوق الأرض، وإعادة احتلال القطاع والتسبب بمعاناة حالية ومستقبلية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب بين العرب والعدوان أوبين الثورة أو المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
إن الحدث أي 7/10/2023م الذي أطاح بالغرور الصهيوني وكسر أنف فكرة “ديمقراطية” و”أخلاقية” الكيان المحتل، وجيشه الوحشي سيكون له بالمستقبل نتائج كارثية على الكيان بالطبع، لكنه بالمقابل قد أعطى مفعولَه العكسي المنظور، فوقفت كل دول العالم تقريبًا بما فيها العربية حتى التي تؤيد “حماس” مع المحتل الإسرائيلي إما مؤيدة أولتقوم “بدور الوساطة” كما دبّجت القصائد بدورها، وعبر فضائيتها التضليلية التهييجية، أو أنها “أم الاعتدال” أوالمتجاوبة مع طروحات الاحتلال الإسرائيلي بلا قيد أوشرطّ، فأين يذهب الشعب الفلسطيني المكلوم!؟
نتنياهو قد حقق انتصاره بالدمار ومعدّل القتل غير المسبوق عالميا استنادًا للعدد والمساحة، وقد حقق انتصاره بالقضاء التام على أرض غزة وجعلها أثرًا بعد عين، وهو في طريقه لتحقيق انتصاره على منجز الشعب الفلسطيني المتمثل بالدولة الفلسطينية عبر الرفض المطلق لنتنياهو لوجود أي دور للسلطة أو لفتح أو حماس (لا أقبل لا حماسستان ولا فتحستان كما قال) وفي السياق كتبَ الكثيرون مبهورين او متعقّلين، وبعد أكثر من شهور خمسة آن لصوت العاطفة أن يعتدل، أو ينزوي. وآن لصوت العقل أن يظهر فنحن الفلسطينيون في معضلة ما بين السيء والأسوأ حيث الكارثة، وما بين الفهم والعواطف وما بين الانبهار والتهييج، وما بين العقل حين يجنّ الناس.
الحل الفلسطيني الحقيقي
الحلُ الذي من المفترض أن يتجاوب معه السياسي الفلسطيني من كافة الأطياف سواء رافع لواء الانتصار الذي يراه مشعشعًا رغم عدد الضحايا الذي لم يسبق له مثيل ودمار البلد، أو الآخر رافع لواء دماء الشعب أولًا وإنقاذ البلد من الاحتلال والتهجير، هذا الحل لا يمكن أن ينطلق الا من 3 مباديء رئيسة: أولًا بالجدار العربي –مهما قلنا فيه-وبالوحدة الوطنية ثانيًا، وبتقديم الرئيسي على الثانوي-أي مواجهة العدوان معًا ضمن شراكة الدم شراكة القرار الذي تم نقضه بالحدث- وثالثًا بعقلية الوعي السياسي المنفتح وليس المنتفخ بأوهامه على الآخر.
إن هذا المكون الأساس قد لا ينتبه له الكثيرون ممثلَا بالوعي وعقلية المراجعة والنقد والنقد الذاتي لإدارة المعركة ما يعني امتلاك الرؤية الواحدة وفي إطار خلاف مقبول ضمن القرار الموحد.
إن الوحدة الوطنية طوال هذه الأشهر كانت تمشي بتؤدة وبطء شديد، كما قلت بين نشوة اللحظة وعدم إدراك المتغيرات والمستجدات واللعب من أجل الآخرين الذين لاقيمة عندهم الا مصالحهم وخاصة الدول المسيطرة على الإقليم.
بيان موسكو
إن حالة الزهوْ والحلم لدى البعض مع عدد الشهداء الضخم والجرحى والمشردين بدأ يتلاشى والشعور بوهم الانتصار في ظل سوء إدارة الحدث بدأ بعد ما يقرب ستة أشهر يتحول الى مطرقة تضرب رؤوس الفلسطينيين يوميًا ، كما تلاشى وهم إبادة فصيل “حماس” وشطبه من مكونات الشعب الفلسطيني، إضافة لاستقرار فكرة عظمة هذا الشعب الذي هو أكبر من كل زعاماته القديمة والحديثة والقادمة.
مؤخرًا وفي ظل الحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية تعتبر كمقدمة للحل وإنهاء العدوان الصهيوني البشع، كان اللقاء في موسكو الذي أكدت فيه الفصائل (صدر البيان في 1/3/2024م) على وحدة الضفة وغزة “وفق القانون الأساسي”، واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية “ممثلًا شرعيًا ووحيدًا”! وأكدت على العمل من أجل “انسحاب الاحتلال من قطاع غزة ومنع محاولات تكريس احتلاله أو سيطرته على أي جزء من قطاع غزة”. وعلى “إقامة دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس وفقا للقرارات الدولية.”
والى ما سبق تواصلت عديد الحوارات للخروج من المأزق، وما يسمى اليوم التالي الى أن استقر الأمرعلى حكومة جديدة مهنية (تكنوقراط) تكون لها الصِلة بغزة والضفة معًا لأن المجتمعون في موسكو (أي كل الفصائل) رفضوا الدولة الفلسطينية بشطر من شطريها، حيث أكدت كما أسلفنا على وحدة الضفة وغزة “وفق القانون الأساسي”.
حكومة محمد مصطفى
لن نتعرض بهذه المقالة لكواليس الضغوطات الكبرى سواء على السلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق بالسلطة والدولة (كفكرة أو دور أو شخوص)، أو في المقابل على ما تقوم به حماس من تفاوض فلسطيني منفرد، وعبر وسطاء غير فلسطينيين مع الإسرائيلي.
بل سنعرض للنتيجة أي نتيجة عديد الجولات الأمريكية والأوربية، والتدخلات العربية والمخططات المطروحة لمستقبل غزة والسلطة والدولة، وهذه النتيجة –بعد ستة شهور تقريبا-التي تمثلت بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة (هل نقول محدثة أو مجددة؟) قد تتجاوب مع متطلبات العالم باستثناء “نتنياهو” بالطبع الذي اعتبرالسلطة سلطة إرهابية كما هو الحال مع حركة فتح وحماس ويرفض بالقطع الدولة الفلسطينية.
ما بين عدة خيارات محترمة تم تكليف د.محمد مصطفى برئاسة الحكومة (14/3/2024م) وفي خطاب التكليف ورد ضرورة “قيادة وتعظيم جهود وتنسيق جهود الإغاثة لقطاع غزة….، ووضع الخطط وآليات التنفيذ لعملية إعادة توحيد المؤسسات ما بين المحافظات الفلسطينية كوحدة جغرافية وسياسية ووطنية ومؤسساتية واحدة”.
وفي بيان التكليف للدكتور محمد مصطفى الذي لقي ترحيبًا عربيًا وأمريكيًا ودوليًا، نجد أن هناك تركيزًا واضحًا على “قيادة جهود الإغاثة…” لاحظ قيادة. ثم التأكيد على الانتقال من الإغاثة الى العمل الاقتصادي والبناء والإعمار.
وفي خطاب التكليف أيضًا تأكيد على “توحيد المؤسسات” في كل المحافظات أي المقصود بالضفة وفي قطاع غزة المدمر بحرب الإبادة الصهيونية، ما هو بالحقيقة أمر بالغ الأهمية وقطع طريق على اللاعبين بالمنطقة، وعلى الإسرائيلي المحتل والمعتدي كي لا يكون هناك أي فرصة منهم لتشكيل أي جسم (عربي أوإسرائيلي أودولي مؤقت أو دائم، أو مؤقت يصبح دائم كما يردد “دينيس روس”).
خطابُ التكليف كان قاطعًا بالمسؤولية الفلسطينية الشاملة عن الضفة وغزة –كما قال قرار موسكو الفصائلي بوحدة الضفة وغزة وعبر المنظمة- ومن مسؤولياتها جهود الإغاثة أوالإعمار عبر الإطار الفلسطيني الموحّد، وباعتباره مقدمة للدولة الفلسطينية كما قال خطاب التكليف.
وماقد يفهم أيضًا الحفاظ على الموسسات الفلسطينية الموحدة بالضفة وغزة (مثل وزارات التربية والصحة…)، ولتلك التي ضعُفت وحدتها نتيجة الانفصال والانقسام، أن تتحقق الآن. وأيضًا تحصينًا لفكرة وحدة الشطرين ضد كل ما يطرحه “نتنياهو” ويسعى اليه من إبقاء الانقسام بين الضفة وغزة كما كان يفعل سابقًا بحقائب المال وبصدر رحب!
نقد “حماس”
تفاجأ الجمهور بحجم ردة الفعل السلبية والنقد اللذع من قبل “حماس” لتكليف الرئيس أبومازن للدكتور محمد مصطفى، وحيث ورد في البيان (صدر في 15/3/2024م) عدد من العبارات الشديدة جدًا والى درجة الطعن والتشنيع باستخدام المصطلحات من مثل: “القرارات الفردية”، “خطوات شكلية وفارغة من المضمون”، “تعزيز لسياسة التفرّد، وتعميق للانقسام” والإشارة الى عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، “وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلعاته”، ويؤكد البيان الشديد اللهجة والاتهام بالتفريط، على “رفضنا لاستمرار هذا النهج الذي ألحق ولا زال يلحق الأذى بشعبنا وقضيتنا الوطنية” ويذهب بعيدًا بالدعوة الى “رفع الصوت عاليا، ومواجهة هذا العبث”!؟
إن حِدة الكلمات (تحمل معنى الاستهتار والتسخيف المعيب أيضًا) تدلّل فعلًا على أزمة لدى “حماس” نفسها بالحقيقة، ويدلل على عمق المأزق الذي وجدت نفسها فيه، وهي التي أعطت حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح ما تريده في موسكو فلم تجادل ولم تحاسب أو تراجع اوتنتقد بعض مسارات الحركة وقراراتها عبر السلطة على الأقل.
وما أعطته “حماس” للحركة لم يكن بلا مقابل! بل كان مقابله أنه لم يتم التعرض لقراراتها التي نقضت مفهوم الشراكة “شركاء بالدم شركاء بالقرار” فعملت بالعقلية الانفرادية لها هي ذاتها التي تنتقدها بالبيان لدى السلطة!
لأكثر من شهور خمسة و”حماس” تضرب بالآخرين عرض الحائط وتتصرف كممثل وحيد للمقاومة أو الثورة والقضية، بل وتجادل على الأرض وبالمفاوضات أنها فقط هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، فهي تقوم بذلك دون أن يسائلها أو ينتقدها أو يراجعها أحد. لقد قامت بدور المقاوم والمتحدّث والمفاوض معًا عن غزة مع الإسرائيلي والامريكي دونًا عن الممثل الشرعي والوحيد الذي اعترفت فيه بموسكو أي منظمة التحرير الفلسطينية.
بيان حركة “فتح”
لم تقف حركة “فتح” صامته إزاء بيان حركة “حماس” التسخيفي لقرار التكليف، والتجريحي بل وانتقدته بشدّة مماثلة، وكان مما جاء في بيان حركة فتح: “أن من تسبب في إعادة احتلال “إسرائيل” لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخصوصا في قطاع غزة، لا يحق له املاء الأولويات الوطنية، مؤكدة أن المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هي قيادة حركة حماس التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وفي باقي الأراضي الفلسطينية.”
وأعربت فتح عن “استغرابها واستهجانها من حديث “حماس” عن التفرد والانقسام، وتساءلت هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية فيما يجري؟!….والمفاوضات…”.
وتم مقابلة عملية التسخيف والسخرية الحمساوية بالمثل (أنظر مفردات: شكلي، فارغ، عبث-من نص بيان حماس)، حيث صعّدت حركة فتح حدة الخطاب بالتذكير بالانقلاب عام 2007، ودورها الانقسامي لسنوات طوال بالاتفاق مع راعي حقائب المال وعبر نتنياهو.
وليؤكد بيان حركة فتح-ومجيبًا على تساؤل بيان “حماس” الاتهامي- بالقول: “أن أولوية الكل الفلسطيني اليوم هي وقف الحرب فورًا، ومنع التهجير، وإغاثة شعبنا المنكوب وإعادة اعمار قطاع غزة وانهاء الانقسام وإعادة توحيد الوطن الفلسطيني، وهي وكما تدلّل حماس في بيانها اليوم أنها ليست أولوياتها.” وربما لأول مرة من زمن تنتقد حركة فتح دور إيران بالمنطقة، وفيما يحصل لتختم بيانها بدعوة “قيادة حماس إلى وقف سياستها المرتهنة لأجندات خارجية، والعودة الى الصف الوطني من أجل وقف الحرب وإنقاذ شعبنا وقضيتنا من التصفية، ومن أجل إغاثة شعبنا وإعادة إعمار غزة، وصولا إلى الانسحاب الكامل عن أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس.”
خلاصة
كنت أفترض ألا تقوم حماس بإصدار بيانها بهذه اللهجة المهينة والمشتبكة والتي وصفها البعض بالعدائية، بل أن تستجيب لما وافقت عليه في لقاء موسكو وأن تعرض مطالبها من الحكومة الجديدة، برسالة محترمة لها وتعلن وضع يدها مع هذه الحكومة “حكومة الانقاذ” لانقاذ ما تبقى من غزة،والقضية. وكنت افترض أن تتريّث حركة فتح كثيرًا فلا تمارس نفس الحِدّة بالخطاب بالمثل، وهي المشهورة برحابتها وتحملها أو كما يطلق عليها “أم الولد”.
إن كل من فصيل “حماس” و”فتح” أخذ ما يريده في بيان موسكو، وفعل ما يريده على أرض الواقع! أي كأنهما اتفقا أن يسيرا بشكل متوازي دون اقتران وطني، أو دون رغبة بالاقتران. ورغم تحصّل حركة فتح في البيان على ميزة أو بند الاعتراف والتعامل لكل الفصائل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبند”القانون الأساسي” مرتبطًا بوحدة الضفة وغزة، الذي تصرف بمقتضاه الرئيس بالتكليف، إلا أن بيان حماس الإتهامي اللاذع دلّل على صحوة! تعني أن “حماس” أدركت أنها وحيدة. لذلك كانت ثائرتها واتهاماتها الشديدة، واكتشفت أن “العبث” السياسي قد جاء بطريقة إدارتها للحدث، لاسيما وخداع المحاور لها. وهي التي بالحقيقة مَن تفرّد-أو جزء منها-بالحدث ومازال.
وبالتالي نخلص الى أنه لم يتعلم بعد كثيرٌ من القادة أن السياسة متغيرة كماء النهر ومصالح الأنظمة تتخطانا ولا تقيم وزنًا كبيرًا للأخوّة وللقيم والمباديء، ولم يتعلم كيف يعي المتغيرات الداهمة، ولا كيف يقرأ المستقبل ويدرك أن منهج”القياس” في الحدث لا يصح هنا، فالحدثُ مختلف كليًا. ولم يعي أن فكرة “الدعم أوالتضامن” العربي محدودة وتتلاشى لاسيما في ظل العلاقات السيئة وانهيار الحائط بالمعول الأمريكي. وربما لم يدرك أن قيم العدالة والحق مجال قوته الأعظم إضافة لوحدته الوطنية، والحفاظ على الأرض والشعب.
إن القائد الفلسطيني يحتاج لمنظور جديد للرأي يضع الناس فوق رأسه ويفديهم، يأخذ الجماهير وحاجاتهم وحمايتهم وصمودهم وتثبيتهم على الأرض بعين الاعتبار، كما الحال بالحفاظ على المستطاع من الأرض وإبعاد الاحتلال عنها على عكس ما حصل في كارثة قطاع غزة.
كما يجب أن ينظر للآخر بمنطق ثلاثية: الاعتراف بالآخر، والقبول وتفهم المختلف، وبالتجاور معه بنفس المساحة، وربما بعضهم لم يتعلم أن قليل من التفهّم أفضل من كثير من التهجّم، وأن كثير من التنازل للأخ أفضل من حالة التشكك والارتهان للمحاور، وأن قاعدة الشراكة الحقيقية هي شراكة النضال بكافة أشكاله، ووحدة القرار الوطني عبر المؤسسة الجامعة مهما كان الثمن. والدليل ما حصل في اللقاء الرابع في موسكو، أي مما نقرأه من البيان، ثم من بيان “حماس” الاخير وبيان حركة “فتح” لأنه عندما تسقط العقلية الثلاثية مقترنة بالمراجعة والنقد الداخلي، وعندما لا يقوم القائد السياسي بممارسة فضيلة الاعتراف العلني بالخطأ، والتعاون على تجاوزه يحصل الاختراق بالنصوص كما بالواقع، ويتعب المتفاوضون ثم يُخرِجون أسوأ ما لديهم من تصريحات تصيّدية واتهامات لا يعقل أن تتم في مثل هذا الظرف الأكثر حساسية في تاريخ الثورة الفلسطينية والقضية.