محمد المحسن
أمد/
“رمضان ضيف كريم يأتي مرة واحدة كل عام” وكذلك كل الشهور تأتي مرة واحدة كل عام. ولكن لرمضان خصوصية في إفراده عن تلك الشهور بالذكر والذكرى،وكان حال الشعراء -قديما وحديثا-حيال رمضان،مميزا عن باقي الشهور،فما أن يأتي شهر شعبان حتى يتنسم الشعراء عبير رمضان وتجد الشعر يتفجر عند بعضهم ابتهاجا بقدوم الصيام.وعند اقتراب رحيل رمضان يجد الشعر مكانه في توديع هذا الشهر،فكان شعر الوداع ذكرا لمناقب الشهر ونفحاته.وهكذا تدور الكرة،فما يفتأون يرددون ذكريات رمضان ويتمنون مجيئه،حتى يحظوا بكرمه وجوده وعطاياه.
الشاعر التونسي الكبير د-الطاهر مشي ينوّه بقدوم شهر التقوى والورع رمضان الكريم عبر باقة شعرية جميلة يرحب فيها بقدومه،ويصفه بأنه بشرى للقلوب الظامئة وربيع الحياة البهيج إذ يقول:
أقبلتَ يا رمضانُ يا شهرَ التُّقى
شهرٌ فضيلٌ ما أتانَا مثيلُ
قد عمَّتِ الأفراحُ فيكَ على المَدى
شوقاً إليْكَ وزادَهَا التّهليلُ
للصّائمينَ لِربّهِمْ كلُّ الرّضا
باب التُّقاةِ مُهيّأٌ وَجَميلُ
طالتْ نَسائِمُكَ الخلائقَ كلَّها
غُفرانَ نالَ الصائمُ المَتْبولُ
قد سبّحَتْ مَعَهُ الخلائقُ ربَّها
حتّى الفرائضُ للإلهِ تقولُ:
“يا ربِّ عِتْقاً مِنْ عذابِكَ إنّهُ
طَمَعاً بِعَفوِكَ سائلٌ وذَليلُ
يرجوكَ في غَسَقِ الدُّجى؛لِتُجيرَه
بِتَهجُّدٍ قد زانَهُو تَرتيلُ
ترتيلهُ القرآنَ نورٌ ساطعٌ
وتهجُّدٌ للسّامعينَ،هديلُ”
أشْدُدْ ؛فشهرُ الصوْمِ حُلْوُ شمائلٍ
عِتقٌ وعَفوٌ،لِلجِنانِ سبيلُ
أحسِنْ بظنِّكَ خالقاً،تسعَدْ بهِ
وازرَعْ بُذورَ الخيْرِ أنَّى تَجولُ
واصعَدْ بِوَصْلِ الرّحمِ سُلَّمَ جنّةٍ
وارْحَمْ، تصدّقْ؛ لم ينَلْهَا كسولُ
واجعَلْ فِعالَكَ للإلهِ؛تقرُّباً
جُلَّ الذّنوبِ بذِي الفِعالِ يُزيلُ
صوموا،وَقوموا واستعينُوا بِرَبِّكم
صَلُّوا على خيْرِ الأنامِ،تنالوا!
لَم يكن شهرُ رمضان بكلِّ ما يتضمنه مِن معانٍ دينيَّة ورُوحيَّة بالمناسبة التي يُغْفلها الشعراء والأدباء على مرِّ العصور على غرار هذه اللوحة الشعرية المفعمة بعطر رمضان لشاعرنا الفذ د-طاهر مشي،ولقد حفلتْ كُتُب الأدب،ودواوين الشعراء،بذِكْر هذا الشهر الكريم،ما بين ترحيب بمقدمه،وتوديع له،وإظهار أهمية الصوم في حياة الناس،وعاداتهم في رمضان في مختلف البُلْدان،واعتباره شهرًا للهِداية،والنَّصْر،والجُود،والبِرِّ،والصِّلة.(أحسِنْ بظنِّكَ خالقاً، تسعَدْ بهِ /وازرَعْ بُذورَ الخيْرِ أنَّى تَجولُ/واصعَدْ بِوَصْلِ الرّحمِ سُلَّمَ جنّةٍ/وارْحَمْ،تصدّقْ؛لم ينَلْهَا كسولُ
واجعَلْ فِعالَكَ للإلهِ؛تقرُّباً/جُلَّ الذّنوبِ بذِي الفِعالِ يُزيلُ/صوموا،وَقوموا واستعينُوا بِرَبِّكم /
صَلُّوا على خيْرِ الأنامِ،تنالوا!.)
تحدث النقاد الذين انعطفوا على الشعر القديم والحديث بالنظر والتأمل،عن ‘الرمضانيات”، وهي القصائد التي دارت حول شهر رمضان،بوصفها فناً شعرياً مستقلاً بذاته،له سمات أسلوبية يتميز بها،وملامح دلالية يختص بها.واعتبروا هذا الضرب من الشعر إفصاحاً عما تموج به الروح المؤمنة من معانٍ ومشاعر يُثيرها شهر الصيام.
والواقع أن كل قارئ لهذه القصيدة الرائعة (أقبلت يا رمضان ) بإمضاء الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي لا بد أن يُلاحظ تواتر بعض العناصر الفنية والدلالية فيه،لعل أهمها استدعاء الحكمة والمواعظ الدينية،واسترفاد المعاني التي يستخدمها غرض الزهد،واستلهام بعض القصص التعليمية لانطوائها على عبر ودروس أخلاقية..كل هذه العناصر تتداخل في “رمضانيات”د-طاهر مشي بحيث لا نستطيع فصل بعضها عن بعض.
في هذه القصيدة ألحّ الشاعر (د-الطاهر مشي) على ربط الصوم بالإحسان : الإحسان للنفس والإحسان للغير،والإحسان،كما جاء في القواميس: “نفع الخلق”،أو بذل جميع المنافع من أي نوع كان ولأي مخلوق يكون.
على سبيل الخاتمة :
لكل منا رؤيته وإحساسه بشهر رمضان،غير أن رؤية أصحاب الأقلام تختلف وتزداد عمقا وفهما،كما أن هناك الكثير من الأدباء الكبار والرواد كتبوا عن شهر رمضان وكان لكل منهم رؤيته المختلفة ومذاقه الخاص وأسلوبه المختلف فى التعبير،خاصة ممن تربوا ونشأوا فى أجواء تعبق بعطر الإيمان الصادق،أو كانوا ممن قطعوا شوطا فى الكتابة الإسلامية على غرار شاعرنا التونسي الكبير د-طاهر مشي.
ختاما،نسأل الله أن يُعيننا على صيام رمضان وقيامه،وأن يتقبَّل منا صالِح أعمالنا، وأن يرزُقَنا الصِّدْق والصَّبر على طاعته، وأن يُحبِّب إليْنا الإيمان ويزيِّنه في قلوبِنا،ويُكرِّه إلينا الكُفر والفسوق والعصيان، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه،وصلَّى الله وسلَّم على صفيِّه من خلقه،وخليلِه من عباده،وعلى آلِه وصحْبه وسلَّم.