تحسين يقين
أمد/ لعلنا نصرّ جميعا عليه.
ليس لنا فقط أن نتفاءل، بل أن نمضي معا بأكثر الربح، وبأقل الخسارات، حتى نبقى ونستمر هنا على هذه الأرض التي تستحق الحياة كما قال محمود درويش شاعرها الكبير.
رؤية رئيس الوزراء المكلف دكتور محمد مصطفى لتطلعات وطموح الشعب الفلسطيني، هي رؤيتنا جميعا، كونها طريق تنفيذ مشروعنا الوطني، والمهم الآن وغدا هو تنفيذها عبر وسائل وآليات ذكية وعملية تجمع ما بين إعادة الاعتبار للعامل الذاتي والعربي، وتفعيل العامل الدولي والأممي.
استخدم رئيس الوزراء لغة محكمة، تم تحريرها سياسيا ودبلوماسيا، فيها التسلسل، في توصيف الحال، مدعومة بجرعة عمل تعلي من شأن إبداع صمود شعبنا، مشروطة بأفعال سياسية وطنية، ليبدأ بعدها بتقديم إحصائيات آثار العدوان، بما يدفعنا لتحمل المسؤولية.
حمل الخطاب كما هو متوقع، خطوات عملية، تركز على “مواصلة العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتأمين وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وفي قيادة حملة إغاثة إنسانية لتلبية الاحتياجات الأساسية لأبناء شعبنا في غزة”، أتبعها بهدف إنشاء وكالة مستقلة متخصصة، لقيادة جهود التعافي وإعادة إعمار غزة، وصندوق ائتماني يدار دولياً لجمع وإدارة الأموال المطلوبة لهذه المهام الكبرى”.
وأتبع ذلك باستحقاق (ينتظره العالم) وهو “ضمان جمع مختلف الأطراف والأصوات الملتزمة بالمبادئ والأطر التي وضعتها منظمة التحرير الفلسطينية”. وجعل هذه الخطوات هي من تعيد “ثقة أبناء شعبنا، والحصول على دعم المجتمع الدولي”.
وهو في رؤيته ب “إعادة توحيد شطري الوطن من جهة توحيد المؤسسات، والقوانين.. وتفعيل التكامل الاقتصادي بين شقي الوطن، وضمان حرية التنقل والوصول ما بين غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (وبما يشمل إنشاء ممر جغرافي دائم)، يذكرنا بما تم الاتفاق عليه في انفلاقية أوسلو حول إنشاء الطريق الآمن بين الضفة وغزة، والذي ماطلت فيه دولة الاحتلال، ثم ألغته.
وربط ما ذكره بالحديث عن الإصلاح، مقدما وعودا بتطبيقه، رابطا ضمان تنفيذ الخطط الإصلاحية “بالتعاون مع مؤسسات الدولة ذات العلاقة، ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية، والمنظمات الدولية التي تملك الخبرات اللازمة وذات الصلة، مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
وقبل الاختتام تناول رئيس الوزراء المكلف بالحديث عن “موضوع تحسين الاستقرار المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتنشيط الاقتصاد الوطني، معتبرها إحدى المهام الكبرى، التي أقل ما يمكن وصفها به بأنها ستكون شاقة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اعتمادنا الكبير على المساعدات الخارجية المتضائلة والقيود والإجراءات الخانقة التي يفرضها الاحتلال.” أما طرق تحقيق ذلك وفقا لرؤيته فإنه، “يجب إزالة القيود الإسرائيلية، ..لا بد من تأمين دعم المجتمع الدولي، وقطاعنا الخاص، بما في ذلك في الشتات… لنكون قادرين على الوصول إلى تنويع مصادر إيراداتنا، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية..”
واختتم مصطفى بما عنونا به مقالنا: “لقد حان الوقت الآن لتحرير فلسطين، مرة واحدة وإلى الأبد”.
وطنيا تحظى حكومة التكنوقراط بدعم سياسي وشعبي، كونها، بشكل خاص، ستعمل على إعادة إعمار غزة، وكونها تحظى بدعم معظم أطياف المجتمع الدولي.
أما بشأن الإصلاح، فإننا نعتقد أن إعادة الاعتبار للعامل الذاتي سيكون دينامو الإصلاح، من خلال وضع أولوياتنا الوطنية في مختلف المجالات الاقتصادية زراعة وصناعة وتجارة، والتربوية والصحية والشرطية. فبالرغم من تقديرنا لأية جهود من “مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية التي تملك الخبرات اللازمة وذات الصلة، مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”. فإنّ التفكير الموضوعي بها جميعا، وباستقصاء فعلها على الأرض، سيقودنا الى نتائج مغايرة، بحيث يجب أن نتوخى الحذر، كونها كانت موجودة وعملت مع الحكومات السابقة، بل وكانت كثيرا ما تمدح جهودها. ولعل دولة رئيس الوزراء المكلف، يجمع من يراهم منصفين، ليتحدثوا بالتزام وطني وموضوعي، عن دور تلك المؤسسات في تحقيق أهداف التنمية والإصلاح، التي نادت به الحكومات من قبل. بمعنى أننا كشعب نعرف ما الذي يلزمنا، كأي شعب، ونحن بحاجة للدعم المالي كوننا نعيش تحت الاحتلال الذي يمنعنا من الانتفاع الكامل من مواردنا، كذلك، فإنه فقد ضمن المتعاقدين الدوليين على اتفاق أوسلو، تقديم التمويل اللازم لإنشاء السلطة الانتقالية.
بإمكان السيد رئيس الحكومة المكلف، مثلا أن يرى القطاع التربوي، وما تم ضخه من تمويل، وكيف كانت النتائج والمخرجات التعليمية في ظل تلك الشراكات المتنوعة. في الوقت الذي لم يحظ القطاع الزراعي بالعناية اللازمة، وكلنا نعرف المآسي المرتبطة به، ويزيد المسؤولية تجاه قطاع الزراعة أنه القطاع المرتبط بالأرض.
أما بشأن تحسين الاستقرار المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتنشيط الاقتصاد الوطني، فينبغي جعل الاستقلال المالي بداية، ورافعة للاستقلال السياسي، وهو أمر مرتبط بمفاوضات سياسة. إن تأمين دعم المجتمع الدولي يضمن الحد الأدنى من تمويل السلطة، في حين أن التعويل على القطاع الخاص لن يفيد على المستوى المتوسط، لسبب بسيط أنه جزء من الليبرالية الاقتصادية التي أفقرت نسبة كبيرة من المجتمع الفلسطيني، حيث لا بدّ من النظر في النظام الاقتصادي الذي لا يلائم دولا مستقلة، فكيف بشعي يعاني تحت الاحتلال. إن إدارة اقتصادية حقيقية، تؤمن لنا التمويل اللازم.
إسرائيليا، في ظل رفض نتنياهو مقترحات إدارة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وفي ظل تطرفه سياسيا حين صرّح إن “الطموح الذي لا هوادة فيه للقيادة الفلسطينية بأكملها هو القضاء على الصهيونية”. مكررا بالطبع رفض حل دولتين لشعبين، وأنه غير معني بإرضاء أمريكا، يعني أننا أمام عناد تاريخي، ينبغي أن نرمي إسرائيل بالمجتمع الدولي، بل وبحلفائه، كونه يخالف كل منطق للحل.
عربيا، من السهل إقناع الدول العربية بتبني الموقف الفلسطيني والدولي، وتقليص العلاقات مع دولة الاحتلال، ومنع قيام أي تطبيع جديد، فلا يمكن أن تحظى إسرائيل بمكافآت على أعمال سيئة أبدا. لذلك، ومن خلال الاطلاع على حديث رئيس الوزراء المكلف، فقد كنا نتوقع أن يتم ذكر الدور العربي؛ فقد خلال الحديث من ذكر العرب، إلا إذا اعتبر وجودهم ضمن الوجود الإقليمي. من ناحية أخرى، لا يجب أن يقتصر الدور العربي في مسألة التمويل، بل يجب أن يكون دورا سياسيا فاعلا في مجمل العلاقات والتحالفات الدولية.
لنا أن نتفاءل، بالرغم من الظروف القاهرة، خاصة مع التحولات الأخيرة في الموقف الأمريكي والأوروبي، حيث لن تستطيع الحكومات الغربية الرسمية الاستمرار في دعم سياسات الاحتلال اللاإنسانية واللامسوؤلة، التي وصلت جرائم الحرب.
“حان الوقت الآن لتحرير فلسطين، مرة واحدة وإلى الأبد”، تلك العبارة التي اختتم بها رئيس الوزراء المكلف حديثه، تدفعنا جميعا للارتقاء بالفكر السياسي، والإدارة، بالاعتماد أولا على ما بأيدينا من عناصر قوة، والتي على رأسها الوحدة الوطنية، والسلوك الذكي في إدارة أزماتنا.
لنتفاءل رغم ما في الطريق من وعورة، ولنكون معا على اية حال.