محمد المحسن
أمد/ في شهر رمضان الكريم،بإمكان المرء على الأقلّ،أن يخلع قشور الدنيا لشهر،كما تخلع الزواحف جلدها،إنّها فرصة ليولد جديدا نقيا كما يولد ذلك الهلال،و يكبر إيمانه يوماً بعد آخر بمجاهدة نفسه و مغالبة قلبه،و إصلاح نيّته.
ما الأمان سوى نعمة الإيمان لأنّك لا تبلغه إلّا مؤمناً.
الصيام فريضة عظيمة وركن من أركان الإسلام قال صلى الله عليه وسلم:(بني الإٍسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان).
وقد فرضه الله علينا كما فرضه على من قبلنا فقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
والصيام من العبادات التي قد تشق على النفس لما فيه من ترك ملاذ النفس من طعام وشهوة وانتصار للنفس، وقد فرضه الله بصيغة الكتب التي هي من آكد صيغ الفرض والتي كثيرا تفرض بها ما فيه مشقة على النفس كالقتال والقصاص قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (فهونه بما جعل فيه من الخيرية وأوكل علم ذلك إليه)، وقال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) وهون ذلك بقوله:(ولكم في القصاص حياة)
فوائد الصوم وانعكاساتها الإيجابية على الروح والجسد :
يربي الصوم في النفس الخشية من الله تعالى في السرّ والعلن: إذا لا رقيب على الصائم إلا ربه، فإذا شعر بالجوع أو بالعطش الشديد، وشمّ رائحة الطعام الشهي،أو ترقرق في ناظريه برودة الماء وعذوبته، وأحجم عن تناول المفطر، بدافع إيمانه، وخشية ربّه، حقق معنى الخوف من الله،وإذا ازينت الشهوات له،وترفع عنها، خوفاً من إنتهاك حرمة الصوم،فقد استحيا من الله، وراقب ربَّه. وإذا استبدت الأهواء بالنفس، كان سريع التذكر،قريب الرجوع بالتوبة الصحيحة، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201).
ومن أعظم فوائد الصوم الروحية : أنّ الصائم يحتسب الأجر والثواب عند الله ويصوم لوجه الله وحده.كما أنه (الصوم) يكسّر حدّة الشهوة، ويخفّف من تأثيرها وسلطانها، فيعود إلى الإعتدال وهدوء المزاج،كما قال (ص) واصفاً الصوم لمن يتعذر عليه الزواج- فيما رواه الجماعة عن ابن مسعود: “.. ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء”، أي بمثابة الخصاء مضعف للشهوة. وقال أيضاً -فيما رواه النسائي عن معاذ-: “الصوم جُنَّة” أي وقاية من المعاصي. وهو – نعني الصوم دوما – يستدعي الإحساس المرهف والشفقة والرحمة التي تدعوه إلى البذل والعطاءفهو عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً من البائسين،فيحمله الصيام على مواساتهم، وهذا من أوصاف المؤمنين التي ذكرها الله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29).
كما فيه تحقيق معنى المساواة بين الإغنياء والفقراء، والأشراف والعامة،في أداء فريضة واحدة،وهذا من فوائد الصيام الإجتماعية،كالحالة السابقة.إضافة إلى ما ذكرنا يعوِّد على النظام في المعيشة،وضبط الإرادة فيما بين فترتي السحور والإفطار في وقت واحد، ويحقق الوفر والإقتصاد إذا التزمت آداب الصيام كما يجدّد البينة، ويقوي الصحة، ويخلص الجسد من الرواسب والتخمرات الضارة، ويريح الأعضاء، ويقوي الذاكرة إذا حزم الإنسان أمره، وتفرغ لعمله الذهني دون أن يشغل نفسه بتذكر المتع الجسدية، ويجمع ذلك كله قول النبي (ص) – فيما رواه أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة -: “صوموا تصحوا”.
وهذا يكون بعد الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى عادة،بعد أن يتعود الإنسان على الصوم، ويستعلي على حالات الإسترخاء في الفترة الأولى من بدء الصيام. وكل هذه الفوائد الجسدية والروحية والصحية والإجتماعية مشروطة بالإعتدال في تناول وجبات الإفطار والسحور، وإلا أصبح الحال عكسياً، وانقلب الأمر وبالاً وعناءً وضرراً إذا أتخم الإنسان معدته،ولم يعتدل في طعامه وشرابه.
وكذلك يشترط في الصوم لتحقيق تلك الغايات عفة اللسان وغضّ البصر والإمتناع عن الغيبة والنميمة واللهو الحرام،كما قال (ص) عن الله تعالى: “من لم يدع قول الزور والعمل به،فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي” أي من أجل الله.وربَّ صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش.فالإمساك عن المفطرات المعنوية مثل الإمساك عن المفطرات المادية الحسية، سواء بسواء.
خلاصة القول: الصيام هو عمليّة تربويّة شاملة فردية ولها انعكاس اجتماعي واقتصادي، فهي تمكّن من ترشيد الاحتياجات الفردية والجمعيّة وعقلنتها.
ومن هنا، نسأل الله سبحانه تقبّل الأعمال والطاعات،وأن يمنّ علينا بقبول صيامنا وقيامنا وأن يهبنا ما وهب عباده الصالحين بالتقوى ونشر الفضيلة وإحياء ما خلقنا لأجله (إلا ليعبدون)، والحمد لله ربّ العالمين.