سليم يونس الزريعي
أمد/ تمكن مجلس الأمن الدولي أخيرا من إصدار قرار حول الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة بعد امتناع الولايات المتحدة عن استخدام امتياز الفيتو كالمرات السابقة، بتأييد 14 عضوا، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
القرار الذي حدد طلبه بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان”؛ أي لمدة أسبوعين، أثار غضب الكيان الصهيوني الذي اعتبر أن مجرد صدور قرار، مع أنه بدون آليات تنفيذ، يطالب بوقف إطلاق النار، هو حسب الكيان الصهيوني بمثابة “”تراجع عن الموقف الأميركي الثابت” منذ بداية الحرب، بما “يضر وفق البيان بالمجهود الحربي وبالجهود الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن” الإسرائيليين في قطاع غزة.
لكن الولايات المتحدة سرعان، ما كشفت عن طبيعة القرار “المعنوية” فقط؛ الذي تبناه المجلس، برسالة طمأنه للكيان الصهيوني، فيما حبر القرار لم يجف بعد، عندما قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين، غير ملزم” أي أنه قرارا معنويا لا أكثر.
واعتبار وزارة الخارجية الأمريكية أن القرار غير ملزم هو رسالة للمحتفين مبكرا بالقرار، باعتباره نوعا من التحول في الموقف الأمريكي، التي هي شريك في الحرب؛ ولكن وفق أسلوبها هي، في ظل رأي عام عالمي يجرم ما يجري في غزة وتوصيفه على أنه يندرج في إطار الإبادة الجماعية، فيما تريد واشنطن أن تستمر شريكا للكيان ولكن على طريقتها وليس بذلك الشكل الفج والوقح واللاإنساني الذي يمارسه العدو الصهيوني.
وربما السؤال هو: ما قيمة القرار “العملية” إذا لم تكن هناك إرادة دولية من كل دول مجلس الأمن بما فيها الولايات المتحدة على إرغام الكيان الصهيوني على تنفيذ القرار، كونها حتى الآن لم تلتزم بتوجيهات محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بحربها على غزة، ناهيك أنه سبق للجهات الأممية أن أصدرت عشرات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة، لم ينفذ منها الكيان الصهيوني قرارا واحدا طوال عشرات السنوات، لأن الولايات المتحدة كانت توفر لها الحماية.
لكن مع ذلك يقفز الجميع عن ملاحظة أن القرار من شقين، الأول يتعلق بوقف إطلاق النار، والثاني هو: النص على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. أي أن من سيقبل بالشق الأول من القرار علية أن يقبل ويلتزم بالشق الثاني منه، وهو الإفراج عن جميع المختطفين لدي حماس دون قيد أو شرط، فهل ستقبل حماس وقوى المقاومة بهذا الجزء من القرار، لأن تفسير جملة “غير المشروط”، من شأنه أن ينسف مفهوم “المقايضة” بين أسرى فلسطينيين لدى الكيان والمحتجزين لدى حماس، فيما حماس كانت قد اعتبرت أن أحد أهم أسباب عملية طوفان الأقصى هو: تبييض سجون الاحتلال من الأسرى عبر المقايضة، التي ينفيها تعبير “غير المشروط”. وربما هذا يضيء بعض الشيء على المنطق الذي حكم موقف الدول التي أعدت القرار، وهو أنها ليست معنية بأجندة حماس وماذا تريد، ولكنها معنية إنسانيا بالمحرقة التي تستهدف أهل غزة بشكل أساسي.
ولا شك أن أمريكا وهي تسمح بتمرير القرار تعي أن مجلس الأمن أصدر قرارا معنويا، كونه لا يملك آليات التنفيذ، كما أنه لا توجد إرادة أمريكية لإنهاء محنة أهل غزة، قبل أن يحقق الكيان أهداف حربه وهي: الإفراج عن الرهائن، وتدمير بنية حماس العسكرية والسياسية، وذلك لأنها موضوعيا شريك للكيان، وامتناعها عن التصويت لتمرير القرار، كان فعلا تضليليا لامتصاص حالة الغضب بين شعوب ودول العالم، وكي تحفظ من جانب آخر ماء وجه دول المنطقة الحليفة لهاـ أمام شعوبها فيما محرقة غزة تحرق الأخضر واليابس.
وكي تطوق مفاعيل الغضب في كيان الاحتلال من مجرد الامتناع وسماحها بمرور القرار، مع أنها استدركت الأمر عبر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر الذي أكد أن القرار غير ملزم، بما يعنيه ذلك من ضوء أخضر للكيان بتجاهله ، أكد جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض، أن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة لا يعني “تغييرا للموقف السياسي” لإدارة الرئيس جو بايدن وأوضح أن واشنطن التي سبق أن عطلت العديد من مشاريع القرارات المماثلة، لم تؤيد هذا القرار لأنه كان يفتقر إلى عناصر “أساسية مثل إدانة حركة حماس”.
كل ذلك فيما يبدو أن هناك من الجانب الفلسطيني من يعتبر أنه يملك ترف تبديد الوقت في موضوع المقايضة، في حين أن الوقت من دم والموت جوعا، في ظل محرقة تستهدف أهل غزة وكل مظاهر الحياة فيها. وليكون السؤال ما قيمة أي مقايضة إذا كان عدد من سيفرج عنهم، بمثل قطرة في بحر شهداء وجرحى المحرقة الذين يتساقطون على مدار الساعة؟!