محمد المحسن
أمد/ حين ترتفع كلمة الإيمان عاليا..ويخر الباطل صريعا
قال الله تعالى ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم:47).
شكل انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى فاتحة الانتصارات في شهر رمضان؛ شهر الفتوحات والانتصارات والخيرات والتمكين. فإن ما في رمضان من القيم الإيمانية والمعاني السامية لمن شأنه أن يضيف للمسلمين صبر لا ينقطع وعزيمة لا تنفد وإقداما لا حدود له. وما إن تذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين والتي حدثت في رمضان؛ فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الكفر وصناديد الباطل من قريش.
في مثل هذا اليوم المبارك من هذا الشهر الفضيل،وفي معركة خالدة عنوانها الجهاد في سبيل الله انتصر فيها المسلمون على قريش يوم 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة،محققين أول نصر ساحق على أهم القبائل العربية في ذلك الوقت. وقد دفع هذا النصر الغاضبين من الدولة الوليدة (قريشا واليهود والأعراب والمنافقين) لإنشاء حلف حاول استئصال المسلمين وكسر شوكتهم،لكن دون جدوى.
ومن نتائج هذه المعركة المباركة التي سجّل التاريخ وقائعها من أحرف ذهبية إذ أصبحت شوكة المسلمين قوية،وأصبحوا مرهوبين بين قبائل الجزيرة العربية كلها،وتعززت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة،وارتفع نجم الإسلام فيها،ولم يعد المتشككون في الدعوة الجديدة،والمشركون في المدينة يتجرؤون على إظهار كفرهم،وعداوتهم للإسلام،لذا ظهر النفاق،والمكر،والخداع،فأعلنوا إسلامهم ظاهرا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وازدادت ثقة المسلمين بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.ودخل عدد كبير من مشركي قريش في الإسلام،وقد ساعد ذلك على رفع معنويات المسلمين الذين كانوا لا يزالون في مكة،فاغتبطت نفوسهم بنصر الله،واطمأنت قلوبهم إلى أن يوم الفرج قريب،فازدادوا إيمانا على إيمانهم،وثباتا على عقيدتهم.
كسب المسلمون مهارة عسكرية،وأساليب جديدة في الحرب،وشهرة واسعة داخل الجزيرة العربية،وخارجها.أما قريش،فكانت خسارتها فادحة،فإضافة إلى أن مقتل أبي جهل بن هشام، وأمية بن خلف،وعتبة بن ربيعة،وغيرهم من زعماء الكفر،الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة،وقوة،وبأسا لم يكن خسارة حربية لقريش فحسب،بل كان خسارة معنوية أيضا،ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط،بل أصبحت تهدد أيضا سيادتها ونفوذها في الحجاز كله.وبذلك تعد غزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام،ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان،قال تعالى: {ومآ أنزلنا علىٰ عبدنا يوم ٱلفرقان يوم ٱلتقى ٱلجمعان} [الأنفال: 41]، ففرق بها سبحانه بين الحق والباطل،فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل،وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه.
بلقد تجلت مواقف وبطولات عديدة: ذكر المؤرخون: “أنّ رسول الله (ص) كان يحرض المؤمنين على القتال،ويقول: والذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة”.انتشرت هذه الكلمات الخالدة..وهذه البشرى للشهداء والمجاهدين،فكانت قوة دافعة،وباعثاً على الشوق إلى الشهادة،ووقعت في النفوس مواقعها.. تلك صورة رائعة من صور التضحية والفداء وحبّ الشهادة يصورها لنا التأريخ..ويرويها على مسامع الأجيال.لقد كانت هذه المواقف وأمثالها هي السبب في النصر والعزة والكرامة.
على سبيل الخاتمة :
في ظل ما يجري من أحداث جسام على ثرى الأرض المباركة فلسطين وغزة،وهي على شدتها تمثل إرهاصات لقرب تحقق وعد الله ونصره على الآفاقين المحتلين والمعتدين،ففي معركة طوفان الأقصى الجارية سقط صنم الدولة الغاشمة وتهشمت صورة جيشها،وأساء وجهها طائفة مؤمنة صدق فيهم وصف الله تعالى: ﴿عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً﴾ [الإسراء:5]،في ظل ذلك يغدو للتبشير مكان وضرورة تثبيتا وتقوية لصفوف الأمة عموما وللمجاهدين وأهلهم في غزة الصامدة خصوصا.
أخيرا،فإنه كان من نصيب أبطالنا الأشاوس بغزة بإذن الله أن ينالوا شرف الجهاد والرباط ويتقدموا صفوف هذه الأمة الإسلامية العظيمة وترفع رايتها وتقودها في طريق الفتح والنصر والتحرير القريب إن شاء الله، تحقيقا لوعد الله تعالى،القائل: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾(الإسراء:7)