أمد/
واشنطن: حذَّرت لجنة من خبراء الشؤون الإنسانية التابعين للحكومة الأمريكية من أن انتشار الجوع وسوء التغذية في غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي المستمر بدعم أمريكي، غير مسبوق في التاريخ الحديث، ويمثل أزمة لا مثيل لها في العصر الحالي.
وقالت صحيفة "هوف بوست" الأمريكية، إنّ الخبراء لفتوا إلى وجود دلائل تشير إلى أن المجاعة قد تحدث بالفعل في مناطق معينة من قطاع غزة، مرجّحين حدوث زيادة سريعة في الوفيات المرتبطة بالجوع خلال الأسابيع المقبلة.
تقديرات صادمة
وأوضحت الصحيفة أنّ هذه "التقديرات الصادمة" نُقلت عبر برقية كتبها مسؤولون من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتم توزيعها على مختلف الهيئات الحكومية الأمريكية، بما في ذلك مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وفروع وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية في الخارج.
وتعكس البرقية "قراءة المنظمات الإنسانية الخارجية للوضع المزري واليائس في غزة، وتُظهر أن إدارة بايدن تعي جيدًا خطر ارتفاع أعداد القتلى بشكل كبير في الأيام والأسابيع المقبلة، في الوقت الذي تستمر فيه بدعم العملية العسكرية الإسرائيلية ومقاومة الدعوات إلى إنهاء دائم للحرب" وفق الصحيفة.
وشدد الخبراء الأمريكيون في برقيتهم على "الحاجة الماسة إلى مساعدات إنسانية فورية وكبيرة، للتخفيف من ظروف المجاعة في غزة، بالإضافة إلى ضرورة توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية والممر الآمن لعمال الإغاثة."
وتضمنت البرقية "اعترافًا بالتحديات الكبيرة التي تواجهها المنظمات الإنسانية في تقديم واستحضرت "هوف بوست" البيان العام السابق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الـ18 من مارس الماضي، الذي وصف المجاعة في القطاع بأنها "وشيكة".
تفاقم الأزمة
وأحجمت البرقية عن توجيه انتقادات مباشرة لإسرائيل، لكنها أوضحت كيف "تؤدي بعض السياسات، مثل: الانتهاكات في نقاط التفتيش والتنسيق غير الواضح واحتجاز السائقين واستهداف شاحنات المساعدات بإطلاق النار والقصف الجوي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع" وفقًا للصحيفة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه "قد يكون للاستنتاجات التي تضمنتها البرقية آثار قانونية لا سيما في ظل الجدل الذي أثاره المشرعون ونشطاء حقوق الإنسان في الأسابيع الأخيرة بشأن مدى قانونية وشرعية الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية الأمريكية إلى غزة".
كما سلطت البرقية الضوء على التحديات اللوجستية التي تعيق الجهود الإنسانية في غزة، بما في ذلك تراكم التأشيرات الذي يحد من نشر موظفين مؤهلين لمعالجة المجاعة وتوفير العلاج الغذائي الأساسي، إضافة إلى التأخير في تسليم المساعدات الإنسانية، مثل أكثر من 1000 حاوية طحين اشترتها وكالة الأمم المتحدة، ولا تزال عالقة في ميناء أسدود الإسرائيلي.
وفي مكان آخر، تقول إن مواد الصحة والصرف الصحي والنظافة "من بين أكثر المواد التي يتم رفض استيرادها إلى غزة" عند المعابر حيث تقوم إسرائيل بتفتيش البضائع الواردة وتمنع دخول المواد التي ترى أنها من الممكن استخدامها للأغراض العسكرية.
وقد يكون لهذا الاستنتاج آثار قانونية: فقد جادل المشرعون وجماعات حقوق الإنسان في الأسابيع الأخيرة بأن عرقلة إسرائيل للمساعدات الإنسانية الأمريكية تجعل من غير القانوني لواشنطن مواصلة الدعم العسكري للبلاد.
بالإضافة إلى ذلك، "لا يزال التراكم المتزايد للتأشيرات يحد من قدرة المنظمات الإنسانية على زيادة عدد الموظفين والعاملين المؤهلين لمعالجة المجاعة وتوفير العلاج الغذائي الأساسي في غزة"، كما تقول البرقية. وفي نقطة منفصلة، يشير التقرير إلى أن أكثر من 1000 حاوية دقيق اشترتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى – والتي يمكنها إطعام 1.5 مليون شخص لمدة خمسة أشهر – لا تزال عالقة في ميناء أشدود الإسرائيلي، على بعد 25 ميلاً. من غزة، منذ بضعة أسابيع مضت.
وتوضح الوثيقة أن مساعي الرئيس جو بايدن التي كشف عنها مؤخراً لمساعدة سكان غزة الذين يعانون من الجوع ليست كافية. ويشير التقرير إلى أن عمليات الإنزال الجوي وخطة الولايات المتحدة لإنشاء رصيف عائم "ستكمل الطرق البرية ولكنها لن تحل محلها" – والتي لا تزال إسرائيل مترددة في فتحها – و"غير كافية لمعالجة المجاعة بالحجم المطلوب".
يرسم مسؤولو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية صورة قاتمة لآفاق الفلسطينيين المحاصرين في غزة وسط الحصار الذي تفرضه إسرائيل وحليف الولايات المتحدة مصر.
ويستشهدون بمحللين خارجيين يتوقعون أنه في الفترة ما بين منتصف مارس وأواخر مايو، سيموت عشرات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات كل يوم "بسبب الجوع وسوء التغذية والمرض"، ويكتبون في تعليقهم الختامي أن "العديد من استراتيجيات التكيف المستخدمة سيكون لها آثار طويلة المدى على الوضع التغذوي وسبل العيش المستقبلية لأولئك الذين نجوا من الأزمة.
وقال جيريمي كونينديك، المسؤول الكبير السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إدارتي بايدن وأوباما، لـHuffPost، إن برقية الثلاثاء "تبدو في محلها".
وقال كونينديك، الذي يشغل الآن منصب رئيس منظمة اللاجئين الدولية غير الربحية، إن الوثيقة "تؤكد ما كنا نقوله نحن والمجموعات الإنسانية الأخرى: إن المجاعة تحدث في عهد بايدن، ولا توجد طريقة واقعية لاحتوائها دون إنهاء الحرب". "هذا هو الفريق الميداني الذي يقوم بعمله – وهو الإبلاغ عن الحقيقة الميدانية في أعلى السلسلة."
ويأتي هذا الكشف وسط ضجة عالمية بشأن هجوم إسرائيل على عمال الإغاثة المرتبطين بمنظمة المطبخ المركزي العالمي غير الربحية التي تحظى باحترام كبير يوم الاثنين. ودفع الإضراب العديد من منظمات الإغاثة إلى إنهاء أو تقليص عملياتها في المنطقة الفلسطينية المحاصرة.
ويمثل التحليل الداخلي الرهيب تحولا عن التعليق العام الأخير للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشأن هذه المسألة، في 18 مارس/آذار، والذي وصف المجاعة بأنها "وشيكة".