أمد/
رام الله: أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقديراً استراتيجياً بعنوان: "محددات السياسة الأمريكية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة واتجاهاتها المستقبلية". ويأتي هذا التقدير كخلاصة لحلقة النقاش التي عقدها المركز بمشاركة عشرة خبراء متخصصين في الشأن الفلسطيني والأمريكي والعلاقات الدولية والاستشراف المستقبلي.
يعرض التقدير بشكل موسع محددات السياسة الأمريكية التي حكمت سلوك الولايات وموقفها من معركة طوفان الأقصى، ويناقش الاتجاهات المستقبلية القريبة المتوقعة للسلوك الأمريكي حتى موعد الانتخابات الأمريكية أواخر العام الحالي.
واعتبر التقدير أن نقاط الاختلاف بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو هي ذات طابع تكتيكي، غير أنهما متفقان على الخطوط الاستراتيجية، وأبرزها ألا يشكل قطاع غزة مستقبلاً عنصر تهديد للكيان الإسرائيلي، وألا تعود حماس وقوى المقاومة لحكم قطاع غزة.
ففي سلوك الولايات المتحدة منذ بداية الحرب، وبالنظر إلى المحددات الاستراتيجية والآنية المتغيرة المؤثرة في موقفها منها، ناقش التقدير ثلاثة سيناريوهات للسلوك الأمريكي، تجاه الحرب على غزة، حتى نهاية هذا العام، ومال إلى توقع أن قوة المقاومة وبطولتها وصمودها، ستدفع الطرف الأمريكي لدعم استمرار العدوان الإسرائيلي في الأشهر القادمة، على أمل ضمان أمن غلاف غزة في نهاية المطاف. غير أن أداء المقاومة على الأرض سيكون عاملاً حاسماً في تراجع الطرف الأمريكي، والتعامل بواقعية أكثر.
وتوقَّع التقدير أن يستمر الخلاف والتصعيد التدريجي بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو بسبب ارتفاع كلفة سياسات نتنياهو واليمين الإسرائيلي على الحزب الديموقراطي ومصالحه الانتخابية، في سياق الافتراق ما بين الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية للولايات المتحدة وبين الحسابات السياسية والانتخابية للحزب الديموقراطي.
ومن زاوية الحسابات الجيوسياسية، رأى التقدير أن الإخفاق الإسرائيلي الأمني والعسكري في 2023/10/7 تسبب بحديث خافت، قد يتعالى لاحقاً، حول مدى شعور الولايات المتحدة بأنّ "إسرائيل" لم تكن بالقوة التي افتُرِضت سابقاً، وبأنها ربما تتجه الى ان تشكّل عبئاً على المصالح الأمريكية. فهي عوضاً عن المقاومة أثبتت امكانية إفشالها في الدور الوظيفي المنوط بها في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، فقد احتاجت لدعم سياسي وعسكري واقتصادي كبير ومتواصل من الولايات المتحدة لدرء الأخطار الوجودية التي تتهددها.
وأشار التقدير إلى أن الحديث لا يدور عن تخلي الولايات المتحدة عن "إسرائيل"، بل عن محاولة الفصل بين نتنياهو وبين "إسرائيل"، وهو ما يتسق مع الانقسام اليهودي الأمريكي حول الموقف من حكومة نتنياهو، وكذلك مع الانقسام الإسرائيلي الداخلي حول حكومته وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية.
أما على صعيد التحول المجتمعي في الولايات المتحدة، والذي طال فئة الشباب الأمريكي بشكل خاص، فأشار التقدير إلى انخفاض التأييد لـ"إسرائيل" في هذه الفئة من 64 % إلى 38 % خلال سنتي 2023 – 2024 ، وأن ذلك الانخفاض قد لا يبقى قضية موسمية، ترتبط فقط بمجريات الحرب على قطاع غزة. كما أن انهيار صورة "إسرائيل" التي تمّ تشكيلها على مدى 75 عاماً، قد لا يمكن تجاوزه بسهولة، وخلال مدى زمني قصير، وقد تكون عملية إعادة بناء هذه الصورة صعبة للغاية، خصوصاً بين فئة الشباب الأمريكي.
بموازة ذلك توقّع التقدير أن تتواصل الجهود لاحتواء إيران ومحاصرتها، وررجّح أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من الضغوط الأمريكية على حركات المقاومة لإضعافها وتفكيكها على كل المستويات، والعمل في الوقت ذاته على إعادة تشكيل الوعي العربي، وإثارة الإشكاليات الفرعية كالصراعات الطائفية والإثنية، من أجل إضعاف المنطقة وتخفيف الضغط على "إسرائيل".
كما رجح التقدير أن تواصل الولايات المتحدة العمل على تحقيق هدفها بضمان السيطرة على النفوذ في المنطقة وقطع الطريق على روسيا والصين وحرمانهما من الاستثمار في المواجهة لتعزيز حضورهما في المنطقة، عبر مواصلة احتكار طرح المبادرات للخروج من الأزمة الحالية.
وتوقَّع أن تسعى الولايات المتحدة لإعادة حالة الهدوء وخفض التصعيد في المنطقة، بما يُجنّبها الاستنزاف في جبهات متعددة مشتعلة، ويتيح لها التفرّغ لمتابعة الحرب في أوكرانيا وإدارة التنافس مع الصين في ساحات أكثر أهمية، وبما يحول كذلك دون اتساع المعركة في غزة وتحوّلها إلى مواجهة إقليمية، في ظلّ سياسات نتنياهو المندفعة والراغبة بتوسيع مساحة المعركة وإطالة أمدها وجرّ الولايات المتحدة لمواجهة مفتوحة مع إيران.