صالح عوض
أمد/ انها لنفس الطليعة التي وقفت في ضحى يوم من الايام تواجه عتاة قريش وقوى الجاهلية تقرر: ان فجر انسانية مشرق قادم، وذلك مع حفظ الاقدار فلقد كان ابوجهل وابوسفيان وقادة معسكر العدوان أشرف بما لا يقاس بما عليه قادة العدوان اليوم، كما أن بدر كانت يوما ملحميا رائعا ولكن العدوان في هذه المرحلة يمتد لاشهر طويلة بلياليها وصواريخها وطائراتها والقصف في كل مكان.. ولكنها بالمعنى الحضاري هي بدر الانطلاقة انها بداية عالمية انسانية جديدة وهي في الوقت ذاته تحقيق للوجود الانساني كما لم يكن من قبل في مواجهة النظام الدولي المعاصر الطاغوت بكل معانيه.. ومهما طالت هذه المواجهة فهي كبدر تماما سيكون لها ما بعدها عالم اخر تماما.
النظام الدولي حقيقة وواقع:
لن يستطيع أحد ان يدرك اسباب ما يحصل الان في مدن قطاع غزة بل وفي فلسطين كلها الا باكتشاف العدو المباشر في هذه المعركة فمن السطحية والجهل ان نحصر جبهة العدو في الكيان الصهيوني .. فعلى ارض فلسطين وفي اتجاهها تنتظم في جبهة واحدة من كل قوى النظام الدولي بقيادة الحكومة الحاكمة في العالم ومقرها الرئيس واشنطن وتحت لوائها تندرج دول واحزاب وسياسيين وراسماليين ومثقفين واعلاميين ومنهم في الطليعة الكيان الصهيوني مدعوما بكل ما سبق..وفي الجبهة المضادة مشاعر العرب والمسلمين وارض فلسطين وثروات الامة وتاريخها ودينها.. المعركة غير متناظرة والخلل في ميزان القوى مذهل.. ان هذه الرؤية هي ما يفسر قسوة المعركة وشراسة الحرب و طغيان العدوان وبلوغه ابشع مشهد تاريخي… لهذا هل يسلم النظام الدولي بهزيمة هنا في فلسطين.. لقد كشف 7 اكتوبر طبيعة الصراع ولكن هل يمكن ان تدخله الامة وتنتصر؟
منذ بدأ تدشين النظام الدولي الجديد على انقاض الامبراطوريات التقليدية السابقة ومن خلال خوضه الحروب العالمية الاولى والثانية وترسيمه لخرائط الكرة الارضية بعمليات جراحية كان واضحا أن عليه القيام بتشكيل نظام سياسي اقتصادي يتحكم في العالم مجلس أمن ومنظمات دولية حول حقوق الانسان والمرأة والحريات وصندوق نقد دولي وما يرتبط به من بنوك مركزية في العالم وما ينبثق عنه من مؤسسات مالية دولية، وهو يتدخل من حين لاخر لاعادة الفلتان الذي قد ينطلق في منطقة ما الى حظيرة التحكم الدولي وكل ذلك هو الظاهر في النظام الدولي الا ان هناك شق خفي بنسبة ما للبعض وهو النظام الدولي الحقيقي الذي يتحكم في النظام الدولي الظاهري، وهذا النظام هو الحكومة السرية التي تتحكم في النظام الدولي وهذه الحكومة السرية هي مجموعة الاسر والاشخاص الذين يملكون عصب راس المال العالمي وهؤلاء تحت تملكهم الشركات العملاقة النفطية ومجمع مصنع السلاح وشركات العقارات وشركات البنوك الضخمة.. وبجانبها شركات الادوية والمصانع التكنلوجية والمعلوماتية.
و ينبغي النظر بتمعن لكيفية تحرك النظام الدولي التكاملية بين كيانه الحقيقي وكيانه الظاهر فهو يوجه الدول وجيوشها لاسيما حكومة الولايات المتحدة واجهزتها الى حروب وتوترات على اسس اثنية وثقافية في اطار رسمه لمصالحه الاستراتيجية فهو يوجه الى الحروب بعد أن يكون اعد لها كيانات سياسية وثقافية مرتبطة قادرة ان تشعل فتائل الصراع المطلوب و كذلك نشر الاوبئة والكوارث البيئية لانجاز عدة اهداف منها توفر السوق النشط لمشتريات واستهلاكات تضخ على الحكومة السرية المبالغ الضخمة لتشغيل مصانعها كما يتم توفير الظروف المناسبة في اتجاه المليار الذهبي والتخلص من الثقل البشري المتنامي.
ومنذ البداية تحرك راس المال المتحكم بترسيم ادواته والاوضاع التي تساعده في تحقيق جملة اهدافه والتي عنوانها التسيد والتحكم في مصير البشرية وجعلها ادوات في ترس عجلة راس المال من خلال الشركات والبنوك وفلسفة الاستهلاك.. وهنا يمكن ان نعمم الحكم على كل الدول وفي مقدمتها النظام الامريكي والحكومة الامريكية فالحاكم في امريكا بداية يتقدم الى الترشح بناء على حجم الدعم من قبل الحكومة السرية التي قد تدعم مرشحين من حزبين وذلك لامتصاص أي توتر داخلي وابقائه في حيز السيطرة..
هذا النظام الدولي الخفي يتحكم بأثمان ثرواتنا المودعة في بنوكه كما أن ثرواتنا الطبيعية تحت سقف هيمنته اما مباشرة او بترسيم الاسعار في البورصات الدولية كما يتم التحكم فينا من خلال شروط البنك الدولي كما يتم التدخل في ثقافتنا وحرياتنا لالزامنا بالسير وفق اجندة تضمن له الاستمرار في استثمار كل ما يمكنه الوصول اليه.. بمعنى ان يبقينا تحت الكونترول لكي لا يحدث أي اضطراب على تدفق المصالح على حزائنه.. وهذا يستدعي اجراءات وقائية واخرى عاجلة واخرى على فترات وهو في هذا يشغل كل القنوات لتحقيق اهدافه واخطرها على الاطلاق قضية حقوق الانسان والحريات التي جعلها مبررا لتدخله في تفجير الاوضاع الداخلية وتعميم العلمنة والفساد والتهتك في اواصر مجتمعنا واسرنا.. ولعل الملاحظ لتدخله في مناهج تعليم الناشئة لدينا الى درجة مطالبته بالغاء نصوص دينية او فصولا من تاريخنا فانه يدرك ان المعركة كبيرة وحقيقية والدوائر الراسمالية ترى فيها ضمانة الوصول الى الهيمنة المطلقة.
ولهذا جميعه كانت الحركة الصهيونية أحد أهم ادواته في المنطقة العربية وقد تكفل بتحقيق الدعم المالي والمعنوي والدعائي والعسكري لها لتقوم بدور مركزي في ادوار النظام الدولي في بلاد العرب، فكان بناء كيان للصهيونية في القلب من فلسطين يتجه لغرض حشد يهود العالم حول موقف الكيان الصهيوني لتقوم الاجهزة الصهيونية من خلال ذلك بتكريس السيطرة المعلوماتية والامنية لها على كل المنطقة..
هنا لابد أن يكون واضحا للجميع انه ما لم ندرك هذا الواقع كما هو فسيكون عملنا وكفاحنا وجهادنا ودور شهدائنا هباء.. لابد ان ندرك ا ن الحكومات الامريكية المحكومة من قبل لوبيات المال تقوم بحروبها وتهدئاتها بدون الحد الادنى من حرية التصرف.. ومن هنا ندرك حقيقة الصراع على ارض فلسطين ومحاولة التصدي للكيان الصهيوني او التصدي لوظائفه المتنامية.
ان ما حصل في 7 اكتوبر وجه ضربة موجعة بل ومخيفة لصناع القرار الدولي الذين دفعوا بادواتهم سريعا لتأكيد موقفهم الثابت مع الكيان الصهيوني فكان كل رؤساء اوربا وامريكا على اتم الجهوزية للانتقال الى تل ابيب معلنين انتمائهم وولائهم ودعمهم بلا ادنى تخبط.. مفاجأة الضربة وقوتها وسرعة ادائها ارسى في الوجدان الاستعماري العالمي ان الكيان آيل الى السقوط او على الاقل انه سيواجه ضريبة حقيقية.
لقد حقق 7 أكتوبر جملة أهداف كبيرة يمكن القول ان ارتداداته داخل الكيان الصهيوني معنويا وثقافيا وميدانيا هو الهدف الاكبر والاكثر خطورة حيث شعر التجمع الصهيوني للحظة ان كل شيء قابل للانهيار وان مثل هذا اليوم ان تكرر مرة او مرات قادمة فمعنى ذلك ان الكيان الصهيوني سوف يتفكك.
كان الكيان الصهيوني ومن خلفه في الحكومة السرية وادواتها من انظمة العالم امام احد خيارين في التعامل مع المقاومة الفلسطينية اما رد الفعل المعتاد على قواعد المقاومة واغتيال بعض قادتها والتوجه لحلول تفاوضية حول الاسرى، او التوجه الى استغلال الفرصة النادرة بتوفر حقية الانتقام والتعاطف الدولي في الايام الاولى مع الكيان الصهيوني نتيجة الضخ الاعلامي الغربي عن طبيعة ما جرى في 7 اكتوبر.. اختارت قيادة الكيان الصهيوني التوجه للفتك بالسكان العزل في قطاع غزة والجائهم الى الرحيل بعد محاولات ابادة وكانت هذه هي الاشارة الاولى التي اطلقها بايدن الرئيس الامريكي ومعه طاقمه الحكومي كما حصل تماما عبر توجيهات الرئيس بايدن الذي طالب بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة كخطوة لترحيل الفلسطينيين من الضفة ومن الداخل الفلسطينية.
لم يتخيل اصحاب القرار الدولي ان الفلسطينيين من جبلة اخرى وانهم سيواجهون جهنم امريكا وصواريحها وقنابلها بقين وثبات فلقد بلغت نسبة القتل والجرح في الشعب الفلسطيني خلال نصف سنة 5 بالمائة وهذا رقم لم تبلغه التضحيات في أي بلد عبر التاريخ البشري.. وهنا بدأ التحول في المناخ الدولي فسقط جلد الضحية عن حسم العدوان وبرز الفلسطينيون كما انهم يدافعون عن البشرية جمعاء بكشفتهم الحكومة السرية وافعالها، وادرك قطاع كبير من الناس في الولايات المتحدة واوربا ان حكوماتهم تدفع من قوتهم وضرائبهم لمجموعات وعصابات القتل التي تمعن في التفنن بالاذى والفتك غير المسبوق بشعب اعزل.
وكان هذا هو الفعل الحقيقي الوحيد من خارج فلسطين الذي يواجه الحكومات الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة كاشفا حقيقة الكيان الصهيوني وعدوانيته وانه يقيم رفاهه على حساب الطفل الاوربي والبيت الامريكي وهنا اخذت المعارضات اشكالا مؤثرة جعلت من امل بايدن في الوصول الى الانتخابات تحت طائلة الشك.. لقد بلغ الرفض الشعبي في الولايات المتحدة الامريكي الى تشكيل قوة ضغط حقيقية لا يستطيع تجاوزها أي طرف.. ولابد من تسجيل اعجاب بدور الجاليات الفلسطينية والعربية والمسلمة وكذا شرائح الشباب في الحزب الديمقراطي بل ان الامر وصل بترمب وبايدن الى التوحد بمطالبة الكيان الصهيوني الى التوقف عن الحرب.
المواقف الدولية المتوالية تكشف الى أي حد يمكن ان يكون النظام الدولي قد تعرض للتصدع.. فلقد اصبحت مؤسسات النظام الدولي الظاهرة في قفص الاتهام واستقر في الذهن ان هذا النظام الدولي يتم تحريكه بشكل غير منطقي الامر الذي يرفع الى السطح مدى النفور والكراهية للوجود الاستيطاني في فلسطين.. وبالفعل تم الاعلان عن مواقف دول اوربية تبدي عزمها للاعتراف بدولة فلسطين ونبذها للعنف ااجرامي من قبل الكيان الصهيوني.. وهكذا يتعرض النظام الدولي المتحكم بالعالم الى تصدع مذهل يهدد بالانقلاب الكامل الامر الذي يدعو الحكومة السرية اما الى تعديل اوامرها لاستيعاب التحدي حتى لو تم التنازل جزئيا عن بعض المكاسب او الضغط على بعض الادوات للتنازل جزئيا.. وهذا ما يجعل بايدن وادارته يتحركون بقوة لكي لايتمدد الانهيار بمعنى لايتمدد سعار الحرب لدرجة ان امريكا تتلقى ضربات مباشرة من قبل اليمن البلد محدود القوى دون رد كبير كما تعودنا من الامريكان سابقا. يدرك صانع القرار الدولي الان ان معركتنا معركة تحرر عربي وانساني وهي تلقي بارتداداتها على الداخل الغربي بقوة
هل يسلم النظام الدولي بهزيمته في فلسطين؟ بمعنى آخر إلى أي مدى يمكن للنظام الدولي ان يكون قد تعرض للتصدع؟ و هنا نتجه مباشرة للمنطق الذي يريد أن يحصر القضية الفلسطينية في يوميات العدوان الصهيوني في فلسطين فنقول له ان المعركة تمتد الى عواصم العالم وقد اصبحت القضية الفلسطينية بوابة للتحرر الانساني.. وتظهر قيمة القضية الفلسطينية بانها قضية الانسان في كل مكان تكشف حجم المؤامرة على الانسان العربي والمسلم والاوربي والامريكي سواء.. والله غالب على أمره.