أمد/ لم تمرّ على الأمة العربية منذ تشكّل الكيانات الوطنية، ومنذ النكبة عام 1948 حرب بمثل بشاعة وهمجية هذه الحرب التي ربطت بين الأيديولوجي الإلغائي، والتقنية العالية بالأسلحة مع الإصرار الصهيوني-الاستعماري لاستعادة “الشرف” المسلوب، بفرضية “الواقع” الذي عمل الكيان على تكريسه بالمنطقة والعالم أنه أقوى قوة بالمنطقة العربية المسماة “الشرق الأوسط” لاسيما والدعم الأمريكي اللامحدود والقنبلة النووية، والانجازات الصناعية والزراعية والتقانية (التكنولوجية) والأمنية.
في يوم واحد تهاوى العرش الصهيوني المصطنع نفسيًا في ذهن السلطان العربي المهزوم، وبدت الهيمنة الصهيونية وعمليات التتبيع واتفاقات “ترامب- إبراهام” التي خيّمت على المنطقة كأنها هباء.
أو كما كان يقول “ماوتسي تونغ” ظهر الكيان “نمر من ورق”.
انتهى اليوم الأول لطوفان الأقصى الذي حقق المباغتة والرعب والحقد في بطن الإسرائيلي، وكان المفترض تغيير المعادلة والحسابات وطريقة التفكير، خاصة بعد أن استقر “بايدن” والعالم الغربي الاستعماري مقاتلًا بسيفه، فسقط الجميع في قلب الحدث.
الطوفان لمدة 24 ساعة مهما قيل فيه، استفزّعقلية الانتقام والثأر والهمجية. وأجّج مشاعرالحقد والكراهية الكامنة والتي تمارس يوميًا في الضفة على الملأ طوال سنوات، وأشعل أوار فكرة الوجود المهدد، واستفز كل الكوامن السوداء في عقل ونفس وروح التيارات الدينية الصهيونية التي وجدت ضالتها للإفناء، فشنّت حرب اليوم التالي بلا قواعد ولا قوانين.
لقد شنت الآلة الصهيونية-الدينية المتشددة عدوانًا ساحقًا ماحقًا ليس ضد المحاربين من الفلسطينيين فهم هدف تحت ثانوي بحقيقة الحاصل، وإنما ضد كل ما هو عربي وبالتحديد ضد الشعب الفلسطيني في غزة ولم تسلم الضفة من ذلك. الا أن درجة السحق والمحق والقتل غير المسبوقة في قطاع غزة تقارن كما أشار الإسرائيليون أنفسهم بما حصل في القنبلة النووية في مدينة نجازاكي-اليابان، وفي التدمير الامريكي-البريطاني لمدينة درسدن الالمانية في الحرب العالمية الثانية. وقد تحقق بالعدد الاجمالي من الضحايا الفلسطينيين أمنيات المتشددين الصهاينة من إلقاء قنبلة نووية على غزة، أو محاربة الوحوش وليسوا البشر.
رغم أن أكثر من نصف القتلى من الأطفال والباقي من النساء والرجال فإن “الانتصار العظيم” الذي حققه “نتنياهو” في “المقتلة والكارثة” كان سحق الانسانية في غزة، وإيقاظها بشعوب العالم، وحقق سحق الشجر والحجر حتى أزال كل الآثار التي تشير لأي معلم في غزة من مدني أوحضاري أوتاريخي أو ثقافي فلم يكن مصير الجامعات والمراكز الثقافية والمحاكم والوزارات …الخ بأقل من مصير البنايات السكنية المدنية، ليلحقها تدمير كل المستشفيات تقريبًا في أكبر “انتصار” لنتياهو بمنطق التدميروالإرهاب والإبادة الجماعية والثقافية، وأيضًا النفسية الروحية للشعب العربي الفلسطيني في القطاع.
نعم لقد حقق وزير الحرب الصهيوني انتصاره الملطخ بالدم والإرهاب بما صرح به بداية الغزو أنه “سيعيد غزة الى العصر الحجري”!
شهور ستة وأكثر من 33 ألف شهيد و75 ألف جريح وما لا يعلمه الا الله بمن فُقد أو قضى تحت الأنقاض، وبآلاف المهجّرين في بلادهم أو خارج فلسطين لم تقلّل من النهم الصهيوني اليميني نحو القتل والتدمير المستمد من العقلية الدينية المتطرفة الإقصائية. ولا زال مطلب مزيد من الدم ومزيد من الطرد ومزيد من الاحتلال والقضم (بغزة والضفة) يتربع على قمة أولويات السياسة الإسرائيلية اليمينية العنصرية وكل ذلك لمنع تحقيق هدف الثورة الفلسطينية والمقاومة والكفاح منذ النكبة، ثم ما لحقها من تغيرات سياسية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلًا باستقلال دولة فلسطين القائمة ولكنها تحت الاحتلال.
في غزة تجد الدمار والدموع، وتجد الصخب والصراخ والمجاعة والألم كما تجد بلدًا لا أثر لها! فمن يعيش خارج غزة من أهلها لو قُدّر له أن يعود لها لن يعرفها! وتبقى غزة الحقيقية فقط تلك التي في خاطره ما قد يسهّل على الكثيرين التنقل مع ذكرياتهم وعيشها في أي مكان.
رغم الشهور الستة من الحرب ضد شعبنا بغزة أو العدوان فإن الصراع الفلسطيني الداخلي مازال مستمرًا من جهة وهذه طامة كبرى، وكل طرف يفترض أنه صاحب الحق بالمسلك الصائب، وفهم الأحداث التي تدخلت بها المحاور المستفيدة والغادرة.
يكتب نظير مجلي بالشرق الأوسط قائلًا عن الحرب أنها: “حرب الجميع خاسر فيها، يبحث عن المجد وهو مفقود إلى الأبد، وعن انتصار يبتعد كل يوم بسنوات، ذلك أن الغطرسة تعمي العيون والأبصار والقلوب، دون اكتراث للضحايا الأبرياء.”
رغم كل هذه الخسارات والهزائم التي أوقعها نتنياهو بالناس والأرض، أصل التقديم والحماية والمقاومة والثورة والخدمة فإنك تجد من الأصوات غير القابلة لمراجعة أو نقد مسارها أوحساباتها الخاطئة البعض ممن استهانوا بالدم، واستهانوا بالشهداء وكأنهم أرقامًا وليسوا بأهلهم. ولم يعرفوا معنى وخطورة الإبادة البشرية والحضارية والثقافية والفكرية القائمة، فلم يأبهوا أو يتنازلوا لشعبهم قليلًا ليغسلوا أرجله وليضعوا صرخات تعبِهُ في قمة أولوياتهم، والى ذلك لم يتواضعوا بعد عن أوهام افترضوها حين البدء، وأصبحت في مهب الريح.
في حرب الشعب طويلة الأمد ينخرط الشعب المجهّز مسبقًا بكافة أشكال النضال، وتكون المواجهات الميدانية قصيرة، وسريعة، ومحسوبة وقابلة للمراجعة. وجولة تتلوها جولات، وحين تطول الحرب تبدو الخسارات باهظة والانتصارات أوهام.
يأتي العيد وكما يقول أهل فلسطين في غزة، وفي الضفة وفي الخارج ومعهم الأحراربالعالم عن أي عيد تتحدثون!؟