علاء مطر
أمد/ أدت الحكومة الفلسطينية الـ 19 برئاسة الدكتور محمد مصطفى اليمين القانونية، أمام الرئيس محمود عباس، مبدية استعدادها لتسلم الحكم في المحافظات الجنوبية “قطاع غزة”، وهو الأمر الذي كرره الرئيس في أكثر من تصريح له، لكن المفاجأة كانت رفض حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية ذلك، ليزيد هذا الرفض من تشويه النظام السياسي المشوه أساسا بفعل ممارسات إسرائيل، لكن السؤال الذي ما زال يراوح مكانه، هو ماذا تريد حماس بعد الجرح الكبير الذي أغار بقلب غزة بعد الإبادة التي تمارس بحق مليوني ونصف المليون مواطن بغزة؟؟
ويأتي تعاظم رغبة السلطة الفلسطينية في حكم قطاع غزة، والتفكير باليوم التالي لحرب الإبادة الاسرائيلية، وصياغة خطة سياسية لإقامة دولة فلسطينية بالضفة والقطاع، بعد صمت قادة حركة حماس وخصوصا قادة غزة، فترة طويلة من الزمن، حتى عن التفكير باليوم التالي للحرب، أو أقلها عن متابعة الأسعار الفلكية في الأسواق، فيما كان اجتماع أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح الفريق جبريل الرجوب مع قادة الحركة بالدوحة، سببا في تفاؤل الكثير من أبناء شعبنا بأن الانقسام الفلسطيني بات وراء ظهورهم، واعتقادهم بأن استلام السلطة الفلسطينية زمام الأمور بغزة، سيكون مكسبا لحماس، وأن حكومة مصطفى المثقلة بأزمات لا تنتهي بدءً من مديونية بسبعة مليارات دولار، وليس انتهاء بركام آلاف المنازل المتراكمة بغزة وإغاثتها ومداواة جروحها والتي تحتاج لعشرة مليارات دولار على أقل تقدير، ستكون الحل الأمثل لملئ هذا الفراغ.
ورغم أن إسرائيل رفضت تولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور في غزة، باليوم التالي للحرب، إلا أن الضغوط الأمريكية ربما قد تغير رأي القيادة الإسرائيلية في الأيام المقبلة، لكن كيف سيتغير رأي حماس وبعض الفصائل الموالية لها؟ هل ثمة تسوية قد يجري التوافق عليها بين حماس والسلطة؟ أين موقع غزة فيما يحدث؟ وكيف للحكومة الجديدة المثقلة بسبعة مليارات دولار أن تتحمل مسؤولية بغزة المدمرة؟ هل تقبل إسرائيل بعودة السلطة لغزة؟
يبدو أن ما تحدث به وزير الجيش الإسرائيلي يؤآف غالانت قبل أيام من وجود سيناريوهات أربعة لليوم التالي للحرب، اعتبرها أنها سيئة لإسرائيل، أولها حكم اسرائيلي لغزة ثانيها الفوضى، وثالثها عودة حكم حماس، فيما كان رابعها عودة السلطة الفلسطينية، فيما يبدو أن الخيار الأخير هو الأقل سوءًا، خصوصا وأن الفعل الانتقامي الإسرائيلي قد انتهى، و”انتهت السكرة وجاءت الفكرة” مثلما يقول المثل الشعبي، ليبدأ التفكير الإسرائيلي بأقل الخسائر وأفضل السيناريوهات لليوم التالي للحرب.
من المؤكد أن رفض حماس لتولي حكومة مصطفى حكم غزة، ما جاء إلا لتقول للسلطة بأنها موجودة وباقية، وأنها لن تسمح لأحد بإزاحتها عن كرسي الحكم في القطاع المدمر، إلا بتقاسم الكعكة سويا، لتبقى حماس تدور في فلك الحزبية والفئوية دون أي تفكير بمعاناة الناس، وبأنها لن تستطيع تحمل تكلفة إعادة الاعمار ذات التكلفة الكبيرة، وأن العالم كله أصبح ضدها بعد السابع من أكتوبر، وأن إسرائيل والمجتمع الدولي لن يسمح بإدخال كيس اسمنت واحد الى القطاع، طالما أنها في سدة الحكم.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه حركة حماس وقادتها عن ما تسميه “إنجازات غير مسبوقة” في مجريات الحرب المدمرة، كما قال رئيسها إسماعيل هنية في تصريح سابق، نسي قادة الحركة وأولهم هنية، أن غزة تحتاج الى نحو 10 مليارات دولارات لإعادة الاعمار، وأن العقل والمنطق يحتم عليها ترك الحكم لحكومة مصطفى وجعلها تحمل “الجمل بما حمل” في غزة، لتعتبره بأنه مكسبا لها، في الوقت الذي كان نتنياهو والعالم يجرون الحركة الى مستنقع قيادة الحكم في القطاع المحاصر.
يبدو أن حماس التي كانت تتفاخر بدحر آخر جندي ومستوطن من قطاع غزة منذ عام 2005، وتتفاخر أيضا بأنها قادرة على منع جيش الاحتلال من الدخول برياً في القطاع، وخطاب أبو عبيدة الشهير القائل فيه “أتعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية”، قد تقع مجددا في خطأها الاستراتيجي بالرهان على دول إقليمية مثل ايران في رفض تولي السلطة الفلسطينية حكم غزة، ولكن المؤكد أنه سيكون خطؤها الأخير..
إن قادة حماس الذين يصرحون من خارج غزة منفصلون عن الواقع، ويبدو أنهم لم يكلفوا أنفسهم أن ينظروا إلى تدمير جيش الاحتلال ل70% من مباني القطاع، يثرثرون بتصريحات بعيدة عن حالة النزوح لمليون ونصف المليون مواطن في حين حديثهم يقتصر عن إنجازات “غير مسبوقة”، وإن كانت بعضها تتطرق إلى المعاناة الإنسانية في سياقات الحديث.
على قيادة حماس أن تدرك أنها أعطت الاحتلال الذريعة الكاملة “وإن كان لا يحتاجها” في إصابة قطاع غزة الذي يعتبر “عمود الخيمة” في المشروع الوطني الفلسطيني بإصابات مزمنة وكسر لن يُشفى منها قريبا، وأنه ينبغي عليها التركيز حاليا على وقف حرب الإبادة فورا بأي ثمن، عن طريقين: إما محاسبة نفسها ووقف شلال الدم المستمر، وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية، والاعتراف بخطئها الاستراتيجي الذي وقعت فيه، أو تقوية نفسها في الميدان لإرغام إسرائيل على قبول شروطها في المفاوضات العقيمة، والذي للأسف غير متوفر حتى الآن، لأنه في ظل الوضع الراهن، لابد من الاعتراف بأنه “ما هكذا تورد الإبل” وليس هكذا أيضا تدار الحروب ولا السياسة.
في النهاية، أتذكر منشور للقيادي في حركة حماس أحمد يوسف والذي يعتبر أكثر قادة الحركة عقلانية ومنطقية، على صفحته على الفيس بوك قال فيه: “لو كانت المساءلة والمحاسبة ضمن سلوكياتنا التنظيمية ومنهجيات أخلاقنا الحركية لكنّا اليوم في منأى عما حدث”، اذن لابد من أن تبادر قيادة حماس بالاجتماع مع منظمة التحرير وحتى الرئيس عباس وحركة فتح والكل الفلسطيني للتفكير بحل منطقي وواقعي لهذه الكارثة التي تعاني منها غزة، ونزولها قليلا عن الشجرة، وإلا فإن الكارثة ستتفاقم كثيرا.. فهل من مستمع أو مجيب؟ هذا ما نأمله..