علي هويدي
أمد/ الدافع لكتابة هذه المقالة هو حجم حملة الاستهداف الشرس غير المسبوق لوكالة “الأونروا” والذي بدأ تحديداً بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي يقودها الكيان الإسرائيلي بالعمل التدريجي على تفكيك عمل الوكالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها شرق القدس المحتلة)، على ان يتم الإنتقال لاحقا إلى مناطق عمليات الوكالة الأخرى (سوريا والأردن ولبنان).
المنهجية التي يعتمدها الكيان لعملية التفكيك ترتكز على حملات التضليل والتشويه لعمل الوكالة وتحديدا في غزة، فالاونروا بالنسبة للكيان لا تلتزم بالحيادية ومعادية للسامية، والذراع المساند للمقاومة في غزة، وعدد من موظفيها شارك في عملية 7 أكتوبر، ومراكزها تستخدم من قبل المقاومة، وتغض النظر عن أنفاق تحت منشئاتها، وأكثر من 230 موظف فيها ينتمون الى فصائل المقاومة، ومناهجها الدراسية والتي هي بالاصل مناهج السلطة الفلسطينية تحرض على الإرهاب والكراهية وتدعو الى زوال دولة الكيان.. وإلى غيرها من المزاعم.
بموجب هذه الادعاءات ومع نهاية شهر كانون الثاني/يناير وبدايات شباط/فبراير 2024 علقت 17 دولة غربية مساهماتها المالية للوكالة تراجع 7 منها دول بسبب عدم الإقتناع بتلك المزاعم وبقي 10 دول، وكان نتيجتها كذلك تشكيل لجان مراجعة وتقييم لحيادية الوكالة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوضية الأوروبية، ودولة السويد، عدا عن مكتب الرقابة الداخلية في الجمعية العامة والموكل اليه التحقيق مع الموظفين في مزاعم الاحتلال.. وحتى اللحظة لم تصدر النتائج النهائية، لكن يبقى السؤال عن كيف سيكون حال الفلسطينيين والمنطقة بدون “الأونروا” على المستوى الإنساني والسياسي والأمني؟
لا بد من الإشارة إلى أن وكالة “الأونروا” قد أُنشأت خصيصاً للاجئين الفلسطينيين بسبب نكبة فلسطين ولجوء حوالي 935 ألف فلسطيني، وتحتفظ الوكالة بسجلات اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم وتذكّر المجتمع الدولي بقضية اللاجئين، وتذكر اللاجئين بما جرى لهم من أعمال تطهير عرقي على يد العصابات الصهيونية قبل أكثر من 7 عقود، حتى أن بطاقة الأونروا للاجئ المسجل تشير إلى المدينة التي هُجر منها في فلسطين قبل العام 1948، ولديها ما لديها من البنية التحتية المؤسسية ما يكفي لدحض كل الدعوات لنقل خدماتها لأي منظمة أخرى أو حتى تشكيل أي مؤسسة يمكن أن تحل محلها، وبالتالي هناك إرتباط عضوي بين الوكالة واللاجئين، المسألة الثانية بأن ديباجة قرار إنشاء الوكالة رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/1949 بالإضافة إلى الفقرة الخامسة والفقرة العشرين من القرار تشير إلى إرتباط إنشاء الوكالة بتنفيذ القرار 194 الصادر هو الآخر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948 والذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، مما يعني بأن إرتباط الوكالة باللاجئين الفلسطينيين ليس فقط من جانب إغاثي إنساني يتعلق باللجوء، بل كذلك سياسي من خلال تطبيق قرار حق العودة وبهذا المعنى فإن هذه الثلاثية (الأونروا واللاجئين والعودة) لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
إنهاء خدمات الوكالة أو حتى تقليصها المتدرّج سينعكس سلباً ليس فقط على اللاجئين الفلسطينيين، بل كذلك على منطقتنا العربية والإسلامية وعلى منظومة المجتمع الدولي. الإنتكاسة الأولى تتعلق بالمستوى الإنساني إذ أن “الأونروا” تقدم خدماتها لأكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق عملياتها الخمسة من الإستشفاء والإغاثة والبني التحتية وتحسين المخيمات والقروض الصغيرة والتعليم المجاني لأكثر من نصف مليون طالب وطالبة بالإضافة الى توفير فرصة عمل لحوالي 30 ألف موظف فلسطيني. عملياً هذا سيتوقف، وبطبيعة الحال حجم الخدمات التي تقدم حالياً غير كافية وفقاً للإحتياجات المتزايدة مع ارتفاع أعداد اللاجئين والعجز في الميزانية، لكن لا نستطيع أن ننكر أو نتنكر لتلك الخدمات التي تساهم في التخفيف من الأعباء الإقتصادية الملقى على كاهل اللاجئين…!
الإنتكاسة الثانية هي سياسية لارتباط وكالة “الأونروا” بالفلسطيني كلاجئ منذ نكبة العام 1948 وستبقى صفة “لاجئ” مصاحبة للفلسطيني المنكوب هو وذريته إلى حين العودة إلى مسقط رأس أجداده في فلسطين، وإنهاء “الأونروا” لخدماتها يعني بأن هذه الصفة ستنتفي وسيتم قتل الشاهد الأممي على جريمة النكبة وإنشاء المخيمات، وسيكون الهدية الماسية التي ستقدم للكيان الإسرائيلي المحتل بالقضاء المتدرج على حق العودة فكرة وتطبيقاً على اعتبار انه لن يكون هناك لاجئين كي تطبق القرارات الدولية عليهم، وسيكون الحل إما بتوطين اللاجئ في أماكن اللجوء، أو تحويل الخدمات إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والإحتلال لن يقبل بتطبيق الخيار الأول للمفوضية بالعودة الطوعية للاجئ وسيتم فرض الخيار الثالث بقيام المفوضية بالبحث عن دولة تقبل بتوطين اللاجئ فيها ليس للاجئ خيار بتحديدها..!
الإنتكاسة الثالثة هي أمنية، إذ سترتفع نسبة الفقر والبطالة والأميّة والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال.. وحتماً سيتشكل مُناخ يجري فيه إستغلال لشريحة كبيرة من اللاجئين لا سيما في أوساط الشباب والتسبب بالإنحراف الفكري والإجتماعي والجنوح إلى إرتكاب الآفات الإجتماعية والإنخراط في المشاكل الأمنية والفوضى، والتي لن يقتصر إنعكاسها على اللاجئ الفلسطيني نفسه وإنما كذلك على الدولة المضيفة وغيرها من الدول، وإعلان صارخ للفشل الأممي باستيعاب هذه الظواهر وتوفير ما يلزم من إحتياجات على المستوى الإنساني.
إنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية والسياسية والتخلص من الفوضى وأية إنعكاسات ومشاكل إجتماعية وأمنية لن يتحقق إلا بتطبيق حق العودة إلى الديار، وبعدها فلتقفل “الأونروا” أبوابها.
*رئيس لجنة الأونروا في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج