راسم عبيدات
أمد/ يبدو بأن نتنياهو وحكومته قد اختاروا التصعيد في الضفة الغربية وإشعال جبهتها، بعد فشلهم في تفجير الأوضاع في المنطقة،من بوابة استهداف السفارة الإيرانية في دمشق واغتيال عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني،وما اعقبها من إستهداف بالإغتيال لثلاثة ابناء واربعة احفاد لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ ابو العبد هنية، فنتنياهو يسعى بكل قوة لكي تتوسع الحرب خارج جغرافيا قطاع غزة،ومن أجل أن يهرب من أزماته الداخلية… ويتمكن من إطالة أمد حكومته وقيادته السياسية، لكي يخلط الأوراق ويمنع تفجرها من داخلها،ويخفف ضغوط أهالي الأسرى عليه،من خلال اعادت الإصطفاف خلف حكومته ووقف التظاهرات المطالبة بإستعادة الأسرى والمطالبة بإقالته وإجراء انتخابات سياسية مبكرة سادسة،ملتقية بذلك مع مطالب المعارضة “الإسرائيلية” التي تسلط سهام نقدها اللاذع له،لتصل حد القول بأنه جبان ومذعور وخائف وأناني ويقود الدولة نحو هلاكها،مقدماً مصالحه الخاصة على مصالحها القومية ،وابعد من ذلك قال جنرال الإحتياط المتقاعد اسحق بريك القريب من مطبخ القرار ” الإسرائيلي” بأن نتنياهو وغالانت وهليفي،هم مسامير صدأة مقطوعة الرأس في الجسد ” الإسرائيلي” يصعب إزاحتها ..ومع دخول الحرب على قطاع غزة شهرها السابع واستمرار نتنياهو في ترداد إسطوانته المشروخة وتهديداته الفارغة بالذهاب الى معركة رفح وتحقيق ما يسميه بالنصر الساحق،وعدم تحقيقه لأي انجاز عسكري وميداني،أو نصر وصورة نصر بقي يطاردها ويبحث عنها،مرة في مستشفى الشفاء واخرى في حذاء السنوار وصورة متخلية للضيف او نفق جرى اكتشافه قرب السياج خرج عن الخدمة،أو تدمير ميدان صلاح الدين ،بما يمكنه من حمله للداخل “الإسرائيلي”التي تزداد تظاهراته لهيباً واحتجاجاً على مواقفه من صفقة تبادل الأسرى وطريقة إدارته للحرب على قطاع غزة ….نتنياهو بعد قصف القنصلية الإيرانية والرد الإيراني المباشر على تلك العملية،والذي أوجد معادلات ردع وقواعد اشتباك جديدة،ووضع قيود على رده على الرد الإيراني،بما يوسع نطاق الحرب ويشعل المنطقة ….كانت تجري عمليات تصعيد في الضفة الغربية،التي إشتعالها وانفجارها لقربها وتداخلها مع الداخل الفلسطيني – 48 -،من شأنه ان يشكل خطر كبير على جبهة ” اسرائيل” الداخلية ،ومن هنا شهدنا حشد اكثر من 24 كتيبة في الضفة و 20 سرية وخمسة ألآلاف جندي احتياط،بالإضافة اثنتين من الوحدات الخاصة،والتي كانت تقوم بشكل يومي في عمليات اقتحام لمدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، بالتركيز على مدن الشمال ومخيماتها وقراها،جنين وطولكرم وطوباس وقلقيلية ونابلس واريحا وصولا لبيت لحم والخليل ومرورا بالقدس …ولم تعتمد “اسرائيل” في عملياتها واقتحاماتها ونشاطها العملياتي اليومي على قوات الجيش وحرس الحدود والقوات الخاصة وجهاز الأمن الداخلي “الشاباك”،بل أشركت الطيران المسير والمروحيات في عملياتها…وجرت عمليات اغتيالات وتصفيات لقادة واعضاء في الأجنحة العسكرية لكتائب المقاومة،وكذلك نشطاء في العمل المقاوم …وترافق ذلك مع حملات اعتقالات وقائية بشكل واسع،وعملية تدمير ممنهج للبنى التحتية والشوارع والطرقات وحتى المشافي ودور العبادة،حيث بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ معركة 7 اكتوبر أكثر من 468 وأكثر من 8 ألآلاف جريح و 8165 معتقل.
ومن أجل اخماد جذوة المقاومة وكسر إرادة الحاضنة الشعبية لها وتحطيم معنويات الشعب الفلسطيني،تم اشراك قطعان المستوطنين في الحرب على شعبنا الفلسطيني،والذين جرى تسليحهم من قبل ما يعرف بوزير الأمن القومي ” الإٍسرائيلي” ايتمار بن غفير.
اليوم ما نشهده في الضفة الغربية،من استباحة لقطعان المستوطنين لمدن وقرى وبلدات الضفة الغربية،يؤكد بأن هذا الإنفلات يتم بقرار سياسي واضح،وخاصة من الفاشية اليهودية،فالمسألة ليست متعلقة بإقامة وزرع المزيد من البؤر الإستيطانية والمستوطنات في الضفة الغربية،بل شن حرب طرد وتهجير،من خلال الترويع وبث الرعب بالهجمات على القرى والبلدات الفلسطينية،فنحن نشهد في الضفة الغربية ،ما شهدناه من “غزوة ” المستوطنين لبلدة حوارة في شباط من عام 2023،والتي أدت الى حرق عشرات المنازل والممتلكات والمحاصيل الزراعية ومئات المركبات وسقوط عدد من المواطنين شهداء وجرحى،تلك “الغزوة” التي باركها سموتريتش وبن غفير،حيث دعو لمحو بلدة حوارة.
اليوم دائرة الحرب تتسع،وتأخذ عمليات ترويع وتخويف وترهيب بغرض الطرد والتهجير،حيث شهدنا اعتداءات واسعة على بلدة المغير شرق رام الله،والتي احرقت فيها منازل ومركبات وسقط فيها شهيد والعديد من الجرحى برصاص المستوطنين،والذين وسعوا من دائرة “غزواتهم” وحربهم الإجرامية،لتشمل قرى بيتين التي سقط فيها فتى شهيد برصاص المستوطنين،وكذلك لم تسلم لا قرى سنجل ولا دير دبوان ولا ترمسعيا ولا كفر نعمة ولا مخيم الجلزون من هذه الإعتداءات ،لتمتد الى قرى وبلدات نابلس دوما وبرقة وقصرة وبورين وعقربا التي سقط فيها شهيدين وقرى طوباس والأغوار،ولم يبدو الحال بألإفضل منه فيما يتعلق بقرى وتجمعات الأغور ولا قرى وبلدات بيت لحم ولا مسافر يطا وبلدات الخليل القريبة من المستوطنات.
إشعال هذا الحرب في الضفة الغربية،والسعي الى طرد وتهجير سكان القرى والبلدات الفلسطينية،بقوة السلاح،وخاصة في مناطق شرق الضفة الغربية،لتفريغها من سكانها الفلسطينيين من أجل إقامة ما يعرف بدولة يهودا،وسبق هذه العملية قيام المستوطنين بتوزيع منشورات على القرى الفلسطينية في شمال الضفة الغربية تطالبهم بالرحيل طواعية الى الأردن،واذا لم يستجيبوا لذلك سيتم طردهم بقوة السلاح.
حالة الإستعصاء والمأزق العميق الذي يعيشه نتنياهو وجيشه في قطاع غزة،وعدم تحقيق نصر او صورة نصر عسكري بعد 193يومياً على حربهم المتواصلة على قطاع غزة،وعمق أزمات نتنياهو ومجتمعه السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية،وارتفاع وتيرة الصراعات والإنقسامات والإتهامات سواء داخل مجلس الحرب المصغر او الموسع وداخل الحكومة والمستويات العسكرية والأمنية والسياسية،والإتهامات التي توجه للقيادة السياسية بإتخاذ القرارات العفوية والإرتجالية وغير المدروسة،ووجود فراغ سياسي وعدم وجود رأس قيادي قادر على توجيه دفة السفينة وقيادتها نحو شط الأمان،والتهديدات التي يواجها نتنياهو دوماً من شركائه في الحكومة من الفاشية اليهودية،بإسقاطها،إذا لم يستجب لطلباتهم ورغباتهم،والتي باتت بمثابة الكابوس له،فعدم الإستجابة لها،يعني التضحية بحكومته ومحاكمته وسجنه،ناهيك ان كل مخططاته لتوسيع دائرة الحرب وإشعال المنطقة في حرب اوسع وأشمل،تحرف الأنظار عما يجري في قطاع غزة،وتضيع فيها المساءلة والمحاسبة عن تحميل المسؤوليات عن الفشل الأمني والإستخباري في معركة 7 أكتوبر،وما لحق ب”اسرائيل” من هزيمة فيها…كل هذا يدفع بنتنياهو وحكومته للتصعيد في الضفة الغربية،معتقدين بأن الفرصةوالظرف الآن مناسبين للقيام بعمليات طرد وتهجير بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس ،وما نشهده الان من تصعيد لحرب المستوطنين بقيادة بن غفير على القدس والضفة الغربية،ينذر بإنفجار الوضع في الضفة الغربية على نحو شامل،ولترتفع حدة المقاومة عند شعبنا ،والتي هي اخذة في التصاعد والتطور والتمدد والتوسع،لتصل حد المجابهة الشاملة،في ظل غياب توفير الحماية لشعبنا من قبل السلطة وأجهزتها،وبما يلقي المسؤولية على القوى والفصائل واللجان الشعبية، لتشكيل فرق حراسة ولجان شعبية، تتصدى لهجمات قطعان المستوطنين وتوفر الأمن للسكان ..وفي ظل أيضاً غياب أي رادع لهم،وتواطؤ واضح ومكشوف من قبل أمريكا ودول الغرب الإستعماري،والتي فرضت عقوبات محدودة وشكلية على عدد من المستوطنين الذين يقودون الإعتداءات على شعبنا في الضفة الغربية،وكذلك غياب أي دعم وإسناد عربي وإسلامي، في ظل حالة انهيار وعجز للنظام الرسمي العربي.
المجابهة والمواجهة بين شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس،تتصاعد ،حيث بات عنوان حرب المستوطنين على شعبنا وبحماية وحراسة من جيش الإحتلال،الطرد والتهجير والتطهير العرقي، من أجل “هندسة”جغرافية وديمغرافية للأرض والسكان الفلسطينين، تقلل من اعدادهم ومساحة الأرض التي بحوزتهم،وبما يمنع قيام أي دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً،وكذلك أن تبقى لعشرين وثلاثين سنة قادمة أغلبية يهودية في الضفة والقدس،عبر الإبتلاع المستمر للأرض،وبما يبقي الفلسطينيين في معازل وتجمعات سكانية.