سمير الحباشنة – باسل باوزير
أمد/ يصادف هذا العام الذكرى ال(63) لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن، وهي فرصة خاصة لاستحضار الماضي وإدراك الحاضر وتصور مسارات نحو المستقبل والسلام.
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن في فترة مبكرة نسبياً وذلك إذا ما قورنت بنشأة العلاقات الدبلوماسية بين العديد من الدول العربية الأخرى، ففي (19 أبريل 1961) تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وحتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، كانت العاطفة العربية بين شعبي البلدين متجذرة بعمق، فمداميك العلاقة المتينة بين البلدين بدأت منذ (1939) عندما وصلت البعثة العسكرية الأردنية الأولى إلى المكلا عاصمة سلطنة القعيطي في حضرموت، وذلك لتولي مهمة تدريب الجيش الوليد للسلطنة القعيطية الحضرمية.
ولم تقتصر العلاقات الأردنية مع السلطنة القعيطية الحضرمية على التعاون العسكري وإنما اتسعت لتشمل التعاون التعليمي حيث أرسلت حكومة شرق الأردن في ذلك الوقت العديد من بعثات المعلمين الأردنيين لتولي التدريس في المدارس الحضرمية خاصة مدارس الفتيات.
كذلك كان حال العلاقات بين المملكة المتوكلية اليمنية “قبل قيام الجمهورية” مع الأردن حيث بدأت العلاقات بينهما مبكراً منذ أربعينيات القرن الماضي، وشهدت تنسيق سياسي كبير نتج عنه مشاركة اليمن إلى جانب إمارة شرق الأردن في تأسيس جامعة الدول العربية (1945).
وفي مطلع السبيعينات تطورت العلاقات الثنائية بين الأردن و اليمن لتشمل التعاون في كافة المجالات وصولاً إلى توقيع البلدين لاتفاقية إنشاء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين في (22 يناير 1989)، وبموجب هذه الاتفاقية تتولى هذه اللجنة التشاور والتنسيق والتعاون في مختلف المجالات وبصفة خاصة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعملية والفنية. وكانت اللجنة العليا المشتركة بين البلدين هي نقطة الالتقاء التي يتم من خلالها مناقشة وتطوير العلاقات الثنائية، وانعكاساً لذلك النمو في العلاقات عقدت اللجنة العليا المشتركة منذ إنشاءها أربعة عشر دورة أعمال بالتناوب بين صنعاء وعمّان نتج عنها توقيع ما يقارب (92) من الاتفاقيات والبروتوكولات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم التي شملت كافة المجالات. وقد اعتبرت كل الحكومات المتعاقبة في اليمن والأردن هذه العلاقات مهمة واستثمرت بكثافة في تعزيزها، حيث يناقش اليمن والأردن القضايا التي تغطي النطاق الكامل للعلاقات الثنائية، من خلال الاجتماعات الدورية التي تعقدها اللجنة العليا المشتركة التي عقدت آخر دورة لها في صنعاء (2014).
إن العلاقة الأخوية الدائمة بين اليمن والأردن تضرب بجذورها في الدفء المتبادل وحُسن النية، وتعززها التبادلات المتكررة رفيعة المستوى بين قيادات البلدين. واكتسبت هذه الرابطة أهمية كبيرة بعد مشاركة البلدين في تأسيس مجلس التعاون العربي في (16 فبراير 1989) الذي ضم العراق ومصر إلى جانب اليمن والأردن.
والعلاقات بين البلدين عميقة الجذور ومتعددة الأوجه، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية، وخاصة ما قبل اندلاع النزاع في اليمن، العديد من المبادرات الجديدة لتعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية في مجالات متنوعة، وخاصة في مجال التعليم الجامعي والسياحة العلاجية.
بعد اندلاع النزاع في اليمن (2015) اضطلع الأردن رسمياً بدور مهم في جهود إعادة السلام في اليمن، إذ يستضيف الأردن مقر مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، وتنتظم في آراضيه الاجتماعات الدورية لأطراف النزاع خاصة المتعلقة بالإفراج عن المحتجزين “الأسرى”، وكذلك التسهيلات الأردنية في تنفيذ عناصر الهدنة المستمرة في اليمن منذ ابريل (2022) من خلال استقبال الرحلات الجوية من مطار صنعاء. وبالإضافة لذلك فإن الأردن يوفر مساحة آمنة لجميع الأطراف والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني اليمنية لعقد الاجتماعات وورش العمل التي ترعاها المؤسسات الدولية المعنية باليمن. ولم يكن الدور الأردني في تعزيز الاستقرار واستعادة السلام في اليمن مُنبتاً وإنما كان وصلاً لتاريخ طويل من الوساطة الأردنية لحل العديد من النزاعات في اليمن، منها: خطة المبادرة الأردنية للحل في اليمن لسنة (1965) أثناء النزاع بين الجمهوريين والملكيين، واتفاقية العهد والاتفاق الموقعة في عمّان بين الأطراف اليمنية برعاية الملك الراحل الحسين بن طلال لمعالجة أزمة صيف (1994).
لم تقتصر الجهود الأردنية في دعم عملية السلام في اليمن على الجانب الرسمي، وإنما تضافرت معها جهود المجتمع المدني، حيث يحتضن الأردن مقر الأمانة العامة لمجموعة السلام العربي باعتبارها أول منصة عربية خالصة للتوسط في حل النزاعات العربية، وكانت من أولوياتها وقف الحرب في اليمن. فمنذ أن تأسست مجموعة السلام العربي في (2016) عندما تداعت مجموعة من الشخصيات السياسية والفكرية العربية بهدف التصدي للصراعات والحروب البينية العربية العربية، كان وقف النزاع اليمني حاضراً وبقوة كهدف أساسي للمجموعة، حيث قدمت مجموعة السلام العربي العديد من المبادرات الموجهة لأطراف النزاع المحلية والاقليمية، وكانت من أوائل الداعين لتفاهم اقليمي يجنب اليمن مآلات الفوضى والتقسيم، وهو ما حدث لاحقاً بعد عدة سنوات من دعوة المجموعة وهو الأمر الذي أثبت صحة تشخيص مجموعة السلام العربي لطبيعة النزاع في اليمن، ووجهت المجموعة كذلك النداءات لجميع الأطراف بضرورة وقف نزيف الدم اليمني. وبالإصافة لذلك تدعم مجموعة السلام العربي الجهود الدولية و الاقليمية الهادفة لايجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.
ختاماً، في مطلع العقد السابع لمسيرة العلاقات اليمنية الأردنية، ستمضي العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين نحو مسارات تؤكد روابط الود والشراكة في السراء والضراء التي جعلت البلدين في صف واحد في مواجهة تحديات مشتركة وشكلت نموذجًا للعلاقات العربية البينية. فقد قطعت العلاقات اليمنية الأردنية في الستة العقود الماضية شوطاً كبيراً من التطور السليم المستقر وجنت ثماراً ملحوظة من التعاون في شتى المجالات بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين.