همام ضحيك
أمد/ منذ قرن وما يزيد وقدر هذا الشعب المأساة والمعاناة و الهجرة والنزوح وكافة أشكال الألم والظلم وهو يتجرعها ، أجيال تدفع فاتورة الاستعمار والاحتلال ، لقد أبدعت إسرائيل في ابتكار كافة أشكال المعاناة من أجل إنهاء مسيرة الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
ولأنها فلسطين أم البدايات والنهايات ، تتعرض مدنها وقراها لحرب واجتياحات مستمرة ، كان أبرزها تلك الحروب على قطاع غزة و أخرها هذه الحرب المسعورة التي تجاوزت حد الانتقام من أحداث السابع من أكتوبر إلى حرب إبادة و نزوح ، فإن يوم من أيام هذه الحرب يعادل أسابيع من حروب سابقة.
يتجرع سكان قطاع غزة بكل فئاته و مكوناته جميع أشكال القهر والإذلال و المعاناة ، تشير جميع التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والمحلية بأن 70% من الشهداء والجرحى هم من الأطفال والنساء.
بحيث تتجرع النساء مرارة الحرب بقسوة ويتعرضون الإذلال والألم والمخاطرة في سبيل إطعام أطفالهن في ظل إصابة أو فقدان معيل الأسرة ، وبعضهن يقوم بالمهمة وهي نازحة جريحة في خيمة لا تقي برد الشتاء و لا حرارة الصيف ، إن وجوه الأمهات في غزة تخبرك بتلك المرارة والحسرة التي لم تحصل لنساء العالم اللواتي عانوا أو يعانون من الحروب . و كتب عليها أن تبكي ليل نهار كلما مر طيف فلذة كبدها الراحل أو سندها الشهيد أو الأسير ، كما تشير التقارير الصحية إلى موت العديد من النساء عند الولادة أو فقدان أطفالهن نتيجة لخروج و تدمير المستشفيات وعدم توفر اللوازم و الأدوية الطبية بالاضافة إلى المجاعة التي حولت اجسام العديد من النساء والأطفال إلى هياكل عظمية وخاصة في شمال قطاع غزة.
خسر الطفل طفولته وأصبح لا يروى سوى المجهول والظلام، نسفت وتضررت المدارس و رياض الاطفال التي كانت تحتضنه ليصنع و يرسم مستقبله ، الأن العديد منهم يتيم ، جريح ، فقد أحد أعضاء جسده ، مكسور الشعور، أصبح كبيراً في غير أوانه ، تجده على قارعة الطريق يبحث عن الحطب بسبب انقطاع الغاز والكهرباء، أو يسعى لجلب الطعام لأسرته فبعضهم أصبح يتيماً ، وربما نحتاج لسنوات لمعالجة الأثار النفسية والاجتماعية.
لقد فقد الشباب جامعاتهم والأندية والأماكن التي كانت تعتبر المكان الوحيد للتحقيق أهدافهم من خلالها و أصبحوا بلا عمل .
كما أن العديد من الرجال خسر مصادر رزقهم ومنازلهم و أصبحوا في العراء ويشعرون أنهم يتسولون عند إطعام أسرهم ، يبكون و يتألمون بصمت حتى لا يشعر أطفالهم و نسائهم بذلك يردون أن يظهروا أنهم أقوياء ، و في حقيقة الأمر هو عاجز عن توفير الطعام والشراب والملبس لهم بل وحتى العلاج في حال مرض أحدهم.
إن الأسر عاشت حياة نزوح عدة مرات وهي تبحث عن الأمن والمأوى ولكن القصف والدمار يطال كل متر و يلاحقهم و أي مكان ، بعض الأسر ممزقة نصفها رحل إلى جنوب غزة الأخر بقي في شمال غزة ، و سيستمر مسلسل النزوح لأن الاحتلال اتبع منهجية مسح الأحياء و المربعات عن بكرة أبيها.
وجهة أخر من أوجه المعاناة هم أصحاب الأمراض المزمنة ، لا علاج ولا مستشفيات تقدم لهم الرعاية ما يؤدي إلى وفاة العديد منهم ، كما أن شبح الأمراض الجلدية و التنفسية يخيم على النازحين نتيجة انعدام شروط الوقاية ، والتدمير الواسعة في شبكات الصرف الصحي أدت إلى انتشار الحشرات الضارة و العديد من الأمراض بين السكان.
تسعى إسرائيل إلى مسح شامل لمقومات الحياة مما يجعل قطاع غزة غير صالح للعيش وبيئة طاردة ، تتبع تدمير ممنهج أدى إلى إخراج معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل ، قصف و نسف العديد من الجامعات والمعاهد والمدارس لكي يضرب القطاع التعليمي في مقتل ، إزالة الأماكن و المنشئات التجارية و المصانع عن الخريطة ، تجريف الأراضي الزراعية و تسميمها بالأسلحة المحرمة ، تدمير الثروة الحيوانية إضافة إلى الثروة السمكية من خلال استهداف قوارب الصيادين و تدميرها.
وبالتالي نحن أمام جيش من العاطلين عن العمل و مئات ألاف الأسر بلا مصدر رزق ، وهي بحاجة إلى حلول اقتصادية عاجلة بل تكون مستحيلة حالياً.
جميع الكلمات لا تصف حجم و أشكال المعاناة ، أمام مسمع و مرأى هذا العالم الظالم و مؤسساته الدولية ، في نهاية المطاف نحن أمام عدد هائل من الأرامل و الأيتام والمشردين بلا مأوى و الجرحى ، شباب بلا مستقبل فتيات بلا أحلام و منازل ، ولن يقدر أحد على تعويضهم عما سلب منهم ، و حناجر أهل غزة تصدح كفى للحرب.