رامز مصطفى
أمد/ بعد جدل وسجال استمر أيام وأيام بين متيقنين بأن إيران تتجه جدياً لا تهويلاً إلى توجيه ضربة عسكرية إلى عمق الكيان الصهيوني ومن داخل الأراضي الإيرانية، وبين مشككين ومستخفين بجدية إيران الذهاب إلى توجيه ضربة عسكرية رداً على قصف قنصليتها في دمشق، والتي سقط بنتيجته سبعة شهداء أبرار كان في طليعتهم القادة محمد رضا زاهدي ومحمد هادي حاجي رحيمي وخمسة من رفاقهما.
صحيح أنّ زمن طويل من الصراع بين إيران والكيان وإن بأشكال مختلفة ولكنه لم يصل إلى المواجهة المباشرة بينهما، والسؤال المشروع الذي لابد من طرحه بعد الرد العسكري الإيراني، هل كانت إيران تتحين الفرصة لتقوم بما قامت به من عمل عسكري وبهذه الضخامة؟ والذي وصفه بعض المحللين بأنه ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يشهد العالم هجوماً كهذا. الجواب على السؤال، نعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت تتحين الفرصة للقيام بهجوم وصف بالاستراتيجي نظراً لحجمه وتداعياته وما قد يترتب عليه من توسعة للصراع يتمثل في انزلاق المنطقة إلى حربٍ إقليمية، ليس في مقدور أحد أن يتكهن إلى ما ستنتهي إليه.
أما لماذا إيران كانت تحينت فرصة الاعتداء على قنصليتها ولم ترد أن تضيّعها؟ الأمر بتقديري يعود إلى الحاجة الماسة لإيران وبعد هذا الكم الهائل من الضغوط والحصار والعقوبات والفتن وأعمال الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها الذي مورس بحقها ومنذ انتصار ثورتها بقيادة الإمام الراحل آية الله الخميني رحمه الله في العام 1979، والذي ازدادت شدّته في العقدين الأخيرين مع التنامي المتصاعد لدور الكيان الصهيوني ودخوله النشط على خط مواجهة إيران بكل أشكال المواجهة من خلفية ملفين، الأول تمثّل في ملفها النووي والتحريض عليه بعمل عسكري ضدها مباشرة. والثاني، دعمها اللامحدود لقوى المقاومة الفلسطينية وكتائبها المسلحة وتقديم ما يلزم لتطوير قدراتها العسكرية، وما شهده قطاع غزة في 7 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي في ملحمة طوفان الأقصى، وما سبقها من مواجهات عسكرية وعلى وجه التحديد في معركة سيف القدس في أيار 2021. وبالتالي التمادي من قبل الكيان الصهيوني في تكرار اعتداءاته التي استهدفت بشكل مباشر قياداتها العسكرية والتي كان أخرها قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. حيث شكّل ذلك القصف الغادر والجبان الفرصة المتاحة والتي لا يمكن لإيران وقيادتها أن تهملها، حيث وقف في مقدمة تلك القيادات قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي الذي كتب على موقع إكس ورداً على اعتداء الكيان على قنصلية بلاده في دمشق “إسرائيل يجب أن تعاقب وستعاقب”. وبهذا المعنى قد شكل الاعتداء على القنصلية بنتائجه الضارة لإيران بسقوط ثلة من قادتها. ولكن في المقلب الآخر، وإن قد حصل الاعتداء وسقط من سقط من الشهداء كان لابد أن يتم التقاط الفرصة النافعة وهكذا كان.
إيران في التقاطها لما أصابها من ضرر جراء الاعتداء الغاشم على قنصليتها كان لابد أن تحوله إلى فرصة نافعة في رسالة واضحة لا لبث فيها مع ما يشهده العالم من تطورات وتحولات في إعادة رسم ملامحه الجديدة منذ الحرب على الجغرافية الأوكرانية بين روسيا من جهة وحلف الناتو بقيادة أمريكية من جهة أخرى. ومع ما يشهده الإقليم منذ معركة طوفان الأقصى في اكتوبر تشرين الأول الماضي، والتي لا زالت فصولها مستمرة منذ أكثر من نصف عام حتى الآن.
وعليه اتخذت إيران قرار الرد عسكرياً بمعاقبة كيان العدو الصهيوني، وأهمية الرد بالمعنى الاستراتيجي تمثل في إصرار القيادة في إيران أن يكون الرد من داخل الأراضي الإيرانية حصراً، وليس كما كان متوهّم أنّ الرد سيكون من خارج إيران، أي على يد حلفائها في لبنان واليمن والعراق. وبالتالي إفهام أعدائها وخصومها، أنّ إيران واعتباراً من فجر 14 نيسان من الجاري لن تتسامح إزاء أي اعتداء تتعرض له سواء في الداخل الإيراني أو خارجه، ولن يمر مرور الكرام، إيذاناً بانتهاء مرحلة الصبر الاستراتيجي والذي برز في التصريحات العالية الحدة والنبرة لمن يعنيهم الأمر القريب قبل البعيد. وبذلك حققت إيران ما كانت تعمل عليه منذ عقود في تحويل المواجهة الغير مباشرة إلى مواجهة مباشرة وإن كانت محدودة ومدروسة، والتي قد تغادره على ضوء رد الكيان على الرد العسكري الإيراني.