رامز مصطفى
أمد/ مع كل أزمة أو منعطف تاريخي تشهدها المنطقة، تُسارع الإدارة الأمريكية الترويج إلى فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية وفق رؤية “حل الدولتين”. ولكن سرعان ما تتراجع عندما تأخذ المسألة مساراً جدياً في مجلس الأمن للموافقة على قبول عضوية فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، فتعمد وبكل وقاحة وتستخدم حق النقض “الفيتو”. وهذا ما حصل عندما فشل مجلس الأمن الدولي مؤخراً في التصويت على مشروع قرار إلى الجمعية العامة بقبول منح دولة فلسطين العضوية الكاملة بدل العضو المراقب. والحجة الدائمة منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، أنّ هذا الأمر لا يتحقق إلاّ عبر مفاوضات مباشرة بين الكيان والسلطة.
كلامنا في اتجاهين لنقول من نقطة صفر. الأول، يتعلق بالولايات المتحدة ومواقفها العدائية التقليدية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية كيف لا وهي الأصيل في العدوان على قطاع غزة من سبعة أشهر وحتى الآن. الموقف الأمريكي لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فهي بكل وضوح أو مواربة تعبر عن مواقفها بكل صلف وعنجهية غير عابئة لا بشرعية دولية ولا بحقوق إنسان، ولا تحترم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في أن تكون له دولة يستظل بها كسائر شعوب العالم. وهي الراعي الحصري الغير نزيه لاتفاقات “أوسلو” عام 1993، على أن تكون مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات تفضي ومن خلال مفاوضات الحل النهائي إلى دولة فلسطينية في العام 1999. ومنذ تاريخ اتفاقات “أوسلو” أدخلت الإدارات الأمريكية بحزبيها الجمهوري والديمقراطي القضية الفلسطينية في مسار لا ينتهي من متاهة المفاوضات العبثية التي لن تنتهي، وفي الوقت ذاته وعلى مسار موازي لم يضيع الكيان الصهيوني الوقت فهو عمد إلى فرض وقائعه الميدانية لتصفية القضية وعناوينها الوطنية في ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي الذي تفرض الإدارة الأمريكية مشيئتها وهيمنتها على ذاك المجتمع. وعليه فإنّ استخدام الولايات المتحدة ل “الفيتو” غير مفاجئ في مواجهة المشروع الجزائري باسم المجموعة العربية في مجلس الأمن، والذي يتوجب على أعضائه وأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقول لها كفى عربدةً واستباحةً وهيمنةً وتسلطاً.
أما في الاتجاه الثاني، من كلامنا موجه إلى السلطة الفلسطينية برئيسها. وماذا بعد الموقف الأمريكي في مجلس الأمن؟ وماذا بعد التعري الأمريكي أمام العالم برفعه الكرت الأحمر رفضاً لقبول فلسطين دولة بعضوية كاملة؟ وهل الاستمرار في متاهة الرهان على الإدارة الأمريكية كمُخلّص يجدي نفعاً في زمنٍ تقود تلك الإدارة فيها حرب الإبادة ضد شعبنا على المكشوف وفي وضح النهار؟ وكم من استخدام للولايات المتحدة لحق النقض “الفيتو” وعداده حتى اليوم بالعشرات يلزم ليُرفع الكرت الأحمر وتقلب الطاولة في وجهها؟ وليس هناك من شيء نخسره سوى سراب وهم لسلطة حولوها لحصان طروادة، مستبيحين كل شيء على أراضي السلطة المحتلة. ومرروا على ظهرها كل اتفاقات التطبيع مع نظم وممالك وإمارات، هي في الأساس كانت تنتظر بفارغ الصبر السقوط في وحول التسوية حتى تبرر لنفسها ما أقدمت عليه تحت ستار كاذب “لسنا ملكيين أكثر من الملك”.
بعد ما جرى في مجلس الأمن من تعرٍ فاضح وسافر للولايات المتحدة الأمريكية على مرأى وسمع العالم، لا يجوز وبأي شكل من الأشكال أن يُنظر لهذا “الفيتو” على أنه قرار مخيب للآمال، وسيتم بموجبه مراجعة التعامل مع الإدارة الأمريكية. هذا الموقف وبوضوح أقل بكثير من الحد الأدنى لما يتوجب عليكم اتخاذه، في ظل الإصرار والتعنت الأمريكي الدائم في حرمان شعبنا الفلسطيني ومنعه من تحقيق تطلعاته على أرضه فلسطين.