حسن لافي
أمد/ تزايدت التصريحات الإسرائيلية بشأن اقتراب موعد اجتياح مدينة رفح، والذي تم تحديده بعد انتهاء الأعياد اليهودية في منتصف شهر أيار/مايو، رغم أنه لا يوجد مكان في غزة حالياً يمكن أن يتم إجلاء النازحين من مدينة رفح، وعددهم مليون وأربعمئة ألف نازح، إليه.
أضف إلى ذلك أنه مع بدء العمليات العسكرية في رفح ستزداد الصعوبة المعيشية عشرات الأضعاف مقارنة بما كانت عليه لأكثر من مليون ونصف مليون مواطن، وسيكون هناك شلل واضح لمؤسسات الحكومة، التي رغم قلة الإمكانات ما زال عدد من مقار الحكومة قائماً ويقدم خدماته في الحد الأدنى بسبب الاستهدافات الإسرائيلية له، فضلاً عن أن الوضع ليس في رفح وحدها، بل في جنوب القطاع كله، سيكون غاية في الصعوبة، وسيفقد الناس خدمات مئات المؤسسات الإنسانية والخيرية مع بدء هذا الهجوم المغلف بدعاية “إسرائيل” بأن هناك عملية إجلاء وتجهيز أماكن تستوعب النازحين هدفها الرئيس إسكات الأصوات الدولية الرافضة للعملية العسكرية في مدينة رفح.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تلك العملية تحظى باتفاق كامل بين كل الأطراف السياسية الإسرائيلية على اجتياح رفح، وهذا ما أوضحه الوزير والعضو في مجلس الحرب بني غانتس في زيارته التاريخية للولايات المتحدة الأميركية، وهذا أيضاً ما أكّده وزير الحرب يؤاف غالانت أمام نظرائه الأميركيين.
لذلك، اجتياح رفح بات أقرب إلى الحتمية الإسرائيلية، ولكن يبقى السؤال المركزي: لماذا الإصرار الإسرائيلي على تنفيذ عملية برية واسعة في مدينة رفح؟
قضية اجتياح رفح لها علاقة بالأهداف الحقيقية للحرب، ومنها وأهمها السيطرة الكاملة على قطاع غزة، وإعادة هندسته جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً بحسب المصلحة الإسرائيلية. أضف إلى ذلك أن دخول رفح معناه احتلال معبر رفح ومحور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وإنهاء أي مصدر لصورة السيادة الفلسطينية على قطاع غزة.
وفي النتيجة، يسعى الإسرائيلي لتنفيذ مخططاته الحقيقية غير المعلنة، وفي مقدمتها تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة، والتحكم في هندسة إسكانه من جديد وطبيعة وماهية سكانه، وخصوصاً شمال غزة، المنطقة الهجومية للقطاع عسكرياً.
أما بالنسبة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر اجتياح رفح طريقه لتحقيق النصر الحاسم، وأداة للضغط على المقاومة في التنازل في قضية الأسرى الإسرائيليين لديها، فإنه يخفي أهدافاً انتخابية حزبية أكثر أهمية لمستقبله السياسي، فهو يريد أن يظهر بصورة البطل الصهيوني القومي القوي، وهو رغم المعارضة الأميركية لعملية رفح، والتحذيرات المصرية، والإدانات الدولية لتك العملية، يمضي في تنفيذها كقائد حازم يستطيع الوقوف أمام العالم، الأمر الذي يداعب به فاشية كتلته الانتخابية اليمينية.
أما بالنسبة إلى “الجيش” الإسرائيلي، فهو يركز اهتمامه على حفظ الأمن القومي الإسرائيلي قبل أي شيء ومن دون حسابات سياسية، ما لم تكن تلك الحسابات مرتبطة بالأمن القومي، كما تراه المؤسسة العسكرية.
وهنا يبرز الاختلال بين أولويات “الجيش” الأمنية والعسكرية وأولويات نتنياهو، فالمؤسسة العسكرية تعتبر حرب الاستنزاف التي يخوضها حزب الله في الشمال وازدياد عمليته كماً ونوعاً وجرأة التهديد الأكثر أهمية، إضافة إلى قضية الحفاظ على التماسك الداخلي الإسرائيلي والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولكن المؤسسة العسكرية ترى أنَّ تلك الملفات الثلاثة مرتبطة بالرؤية الأميركية لما بعد الحرب في المنطقة وإنجاح التطبيع السعودي مع “إسرائيل”.
لذلك، “الجيش” متشجع لدخول رفح من الناحية العسكرية الموضوعية أقل بكثير من حماسته لتلك العملية من الناحية العسكرية المرتبطة بالأجندة السياسية، إذ إن الانتهاء من رفح سيجعل الجيش قد أتم مهامه القتالية المركزية والأساسية في قطاع غزة، ويضع نتنياهو وحكومته مبكراً أمام استحقاق اليوم التالي قبل الانتخابات الأمبركية بوقت مقبول، وكذلك يتم حشر نتنياهو سياسياً، فإما الفشل في إدارته الملفات الثلاثة سياسياً وتحمّل مسؤولية ذلك وحده، وإما أن يتساوق مع الرؤية الأميركية، وهذا ما تريده المؤسسة العسكرية.
في المحصلة، الحرب لن تنتهي باحتلال رفح، وليس من مصلحة “إسرائيل” ولا قيادتها أن تنتهي الحرب من دون الإجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب.
وحتى الآن، لم تنجح القيادة الإسرائيلية في إيجاد بديل يمكن له إدارة غزة بعد الحرب ضمن المواصفات الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل احتلال رفح يقود “إسرائيل” إلى واحد من أمرين؛ الأول هو الفوضى التي تعتبر في المخيلة الإسرائيلية بيئة خصبة لبروز تهديدات أمنية قد تكون أكثر خطورة من تهديدات حركة حماس نفسها، وخصوصاً أن “إسرائيل” لن تجد عنواناً واحداً للتعامل مع تلك التهديدات، الأمر الذي سيغرقها لسنوات في مستنقع غزة، والآخر احتلال غزة بالكامل بما يتبعه من إدارة السكان ومعيشتهم، وكلا الأمرين يضر بمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي على المديين المتوسط والبعيد.