فؤاد الكنجي
أمد/ في الرابع والعشرين من نيسان الحالي ستمضي على الأمة (الآشورية) و(الأرمنية)؛ الذكرى 109 لأبشع جرائم الإبادة الجماعية وهي مذابح التي حدثت عام 1915 في (تركيا)؛ والتي راح ضحيتها الملايين من أبنائهم على يد الدولة (التركية – العثمانية ) الغاشمة، اثر إعلانها الجهاد بنزعة دينية عرقية عنصرية ضد المسيحيين (الآشوريين) و(الأرمن) المقيمين على أراضها.
حيث تم سفك دماء الملاين من الأبرياء العزل بدون رحمة و ضمير؛ مستعملين أبشع أساليب القتل والتنكيل التي لم ينجو منها حتى الأطفال الرضع؛ فاستباحوا أعراض النساء.. وشقوا بطون الحوامل.. وقتلوا الصغير قبل الكبير؛ في مجازر لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها، ويكفى مشاهدة ألاف الصور الموثقة لتلك الجرائم القذرة التي ارتكبها (الأتراك) بحق (الآشوريين) و(الأرمن) و(المسيحيين اليونان)؛ أن ندرك حجم الكارثة وهول المأساة التي حلت بهؤلاء الأبرياء، حيث التهجير والتشريد مئات ألألوف؛ في أبشع عملية التهجير والاستيلاء على أراضي وممتلكات المسيحيين؛ و لينشروا هؤلاء (العثمانيين) الأوغاد الخراب والدمار في كل المناطق (الآشورية) و(الارمنية) التي اجتاحوها ومارسوا شتى أنواع التدمير والنهب والتخريب بحقهم .
لقد مر على (الآشوريين) و(الأرمن) قبل مذابح عام 1915 فترة عصيبة – والتي مهدت لها – ما بين عام 1894 و 1896 ؛ وهم تحت كنف الدولة (العثمانية) المريضة؛ حيث فرض عليهم خوض صراعا مريرا ذاقوا الذل والهوان بمجاز التي نفذها السلطان المجرم (عبد الحميد) ضد (الآشوريين) و (الأرمن) في عام 1896 والتي أودت بحياة أكثر من مائتي ألف شخص، هذه المجزرة التي اقترفها (الأتراك)؛ كانت تمهيدا لتمادي في جرمهم أكثر في ظل حكومة (تركيا الفتاة) عام 1915.
فالأسلوب القذر واضطهاد الذي مارسته الدولة (العثمانية التركية) لشعوب الخاضعة لسيطرتهم من (الأشوريين) و(الأرمن) و(المسيحيين اليونان) و ممارساتهم القمعية والتميز العنصرية؛ أدى إلى نمو الوعي القومي والفكر السياسي الوطني للشعوب المظلومة، فاخذ المثقفون والمفكرون، هذه الشعوب الخاضعين لسيطرة (العثمانية) من (الأشوريين) و(الأرمن) و(المسيحيين اليونان) و(المسيحيين العرب) و(العرب المسلمين) في عموم الشرق الخاضع لـ(العثمانيين)، بإنشاء حركات التحرر وتأسيس أحزاب وطنية التي طالبت وناضلت من أجل التخلص من وطأة حكم (الأتراك العثمانيين)، وبدأ يتصاعد النضال التحرري والكفاح المسلح لهذه الشعوب، خاصة لدى (الآشوريين) و(الأرمن )؛ الذين عانوا الأمرين من سطوة (العثمانيين – الأتراك) عليهم (دينيا) و(قوميا)، ونتيجة لهذا السبب دفع (العثمانيون – الأتراك) حينما أحسوا بتفاقم الأوضاع الأمنية في (( 24 نيسان من عام 1915 )) للقيام بحملة اعتقالات وإعدامات لرواد الفكر القومي (الآشوري) و(الارمني)؛ وبحق رموز النضال التحرري و القيادات الدينية، حيث بدءوها من داخل حدود (تركيا) قبل بلدان (الشرق الأوسط)، ولكل الذين دعوا إلى تحرير الشعوب المظلومة من حكم (الأتراك)، فتم نفيهم إلى داخل الأناضول وهناك تم تصفيتهم .
فبعد إن تغيبت القوة السياسية.. والإدارية.. والفكرية.. المسيحية (الآشورية) و(الارمنية) الفاعلة؛ وأصبح (المسيحيون) بلا حماية، بدأت الخطوة التالية في تنفيذ خطة (الإبادة الجماعية) بالأهالي عبر عمليات ترحيل (الآشوريين) و(الأرمن) في قوافل جماعية سيرا على الأقدام، قسم باتجاه (روسيا) والقسم الأخر بالاتجاه (إيران) والقسم الثالث إلى (بلاد الشام).
وبهذه الممارسات القمعية برهن قادة الحزب التركي (الاتحاد والترقي)، حجم أحقادهم وتعصبهم الشوفيني ضد الأديان والقوميات الأخرى، فبعد أن قام حزب (الاتحاد والترقي التركي) بحركة الانقلابية عام 1908 ضد السلطان (عبد الحميد) والذي حكم (تركيا) بين عامين 1908 و 1918 وهو الجهة المسئولة عن عمليات الإبادة الجماعية سنة 1915، فبنزعة عنصرية أمروا الجيش التركي بتجريد كافة الجنود (المسيحيين) من (الآشوريين) و(الأرمن) و(اليونان) من سلاحهم ورتبهم العسكرية والذين كانوا يخدمون في (الجيش التركي)؛ فكونوا منهم طوابير للخدمة العمل الشاق أي بما يسمى (فرق السخرية) التي أجبرت على تعبيد الطرق وبناء الجسور ومد الخطوط الحديدية، في وقت الذي قطع عنهم الأرزاق وتناول الغذاء او شرب ماء ، وبعد إن ينهوا أعمالهم ينفذ الجيش أوامر حكومته بقتلهم جميع، هذه البربري نسقت بأوامر وتنفيذ ما بين ( طلعت باشا – وزير الداخلية التركية) والمسئول عن المدنيين، وبين (أنور باشا – وزير الدفاع التركي) والمسئول عن طوابير السخرة، وبالطبع نالت المجاعة والأمراض قسطها من الضحايا لتزيد من عظمة المأساة، ونتيجة لهذه الأوضاع والظروف الشاذة قضي على ألاف المؤلفة من (الآشوريين) و(الأرمن) ومن الأقليات المسيحية الأخرى مثلا (اليونان) و(الروم) ممن كان يخدم في الجيش (التركي)؛ ليقوموا بعد ذلك تنفيذ المجازر بالمدنين من عوائل (الآشوريين) و(الأرمن) و(اليونان) و(الروم) .
لقد بدأت عمليات المجازر وإبادة بحقهم منذ 24 نيسان من العام 1915 ولعامين كاملين بعد انتهاء (الحرب العالمية الأولى)؛ ليتم تسجيل أسوأ فصل من فصول التاريخ في (تاريخ لدولة التركية) بارتكابها أبشع جرائم التاريخ في إبادة (الآشوريين) و(ألأرمن) في (تركيا) ولأسباب (دينية) و(قومية) – كما اطلعنا – فقد أعطى ( طلعت باشا – وزير الداخلية) حينذاك؛ الأوامر ببدء المجزرة؛ بناء على قرار من حكومة (الاتحاد والترقي) التي أصدرت إنذارا لجميع أفراد الشعب (الأشوري) و(ألأرمني) و (المسيحيين من (اليونان) و(الروم) بلا استثناء من المقيمين في (الأناضول الشرقية)، والبالغ عددهم أكثر من مليونين نسمه، بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، فقد أدين جميع (الآشوريين) و (الأرمن) و (المسيحيين) في بيان للحكومة (التركية) بأنهم ( أعداء داخليين ) خالفوا القوانين وقاموا بالتسلح بقصد الثورة ومساعدة الجيوش (الروسية) التي تخوض حربا ضد (تركيا)، فالحكومة قررت معاقبتهم وسوقهم إلى ولايات (الموصل) و(دير الزور) و(حلب) لإسكانهم فيها حتى تضع الحرب أوزارها، وهكذا فان البيان – عمليا – شرع للإبادة الجماعية، فعند خروج العائلات (المسيحية) من منازلهم وهم في طريقهم إلى المنفى – ( وهذه الوقائع كلها موثقة ومصورة يمكن الاطلاع عليها بمواقع الانترنيت ) – يتم قتل جميع الرجال الأصحاء وسبي النساء وترك الباقي للجوع والعطش أثناء الطريق لمئات الكيلومترات في مناطق صحراوية وجبلية وعره، كانت (النساء) من (الآشوريات) و(الارمنيات) يضطررن التخلي عن الأطفال الصغار الرضع لمساعدة أبنائهم ممن يستطيعون السير فكانوا يتركون أطفالهم تحت الجسور وعلى الطرقات ونظرات الحزن لا تفارق أوجه تلك الأطفال التي تركت لمصيرها المحتم وهو الموت، وقد شارك في هذه الإبادة المروعة؛ إلى جانب القوات النظامية (التركية) بعض من عشائر (الكردية) بتأثير التحريض العنصري الطائفي وبطمع الاستيلاء على ممتلكاتهم، مما أدى إلى قتل و موت (مليونين ونصف مليون من (الآشوريين) و(ألأرمن) أي ثلاثة أرباع الشعب (الأشوري) و(ألأرمني) المقيمين في (تركيا) منذ آلاف السنين، أما الناجين من الكارثة فقد توزعوا في الشتات في الدول القريبة والبعيدة .
ونظرا لبشاعة المجزرة وارتفاع عدد الضحايا اثأر سخط الدول الغربية التي أدانت هذه التصرفات وطلبت من (تركيا) توضيح الأمر وإيقاف جميع الإجراءات القمعية فورا؛ وعكسه فإنها ستقوم باتخاذ ما يلزم، مما أسرعت (تركيا) توضيح موقفها بالادعاءات كاذبة لتبرير جرائمها بكون (المسيحيين) قد انضموا في الحرب إلى جانب (روسيا)؛ وهذا أمر يشكل لها خطرا، وحفاظا على امن وسلامة الدولة فان (تركيا) اتخذت هذا الإجراء ضدهم، ولكن الحقيقة (التركية) هي أن (الإبادة الجماعية) كانت خطة مبيتة منذ عهد السلطان (عبد الحميد)، مما اضطر (الآشوريين) و(الأرمن) آنذاك؛ طلب الحماية (الروسية) التي تلت مجازر السابقة ولم تكن سببا لها، فبين عامي 1894 و1896 اندلعت مجازر ضد (الآشوريين) و(الأرمن) بحجة سعيهم للاستقلال الذي سبقهم إليه اليونانيون والبلغار في البلقان، وكان يمكن لعدد القتلى في هذه المجازر أن يتجاوز إلى ربع مليون إنسان لولا تدخل الدول الكبرى الأوروبية لمنع استمرارها، ومع ذلك لم يتغير شيء بعد خلع السلطان (عبد الحميد) عام 1909 ومجيء سلطة (الاتحاد والترقي) التي اتبعت سياسة الـ(تتريك) المتطرفة تجاه جميع المكونات (القومية) و(الدينية) الغير (التركية) والغير(ألمسلمه) ، والتي رأت أن (الآشوريين) و(الأرمن) أكبر عقبة أمام قيام (تركيا) خالية من (الوجود المسيحي)؛ وأن التطهير العرقي هو أفضل طريقة للوصول لهذا الهدف، فنال (الآشوريين) و(الأرمن) في أول أعوام حكم (الاتحاد والترقي) حصتهم في مجزرة (أضنة)، وصل عددهم إلى ثلاثين ألف قتيل، مما أدى لتدخل الدول الأوروبية لوقف (الإبادة الجماعية)، ألا أن جهودها تعطلت بعد اندلاع (الحرب العالمية الأولى) عام 1914، لتستمر المذابح والمجازر الجماعية وإذلال المسيحيين وأمحاء وجودهم من (الإمبراطورية العثمانية) والتخلص من مشكلة وجودهم كقضية (قومية) و(دينية) .
وبعد تنفيذ سياسة التطهير العرقي بحق (الآشوريين) و(الأرمن)، قامت حكومة (تركيا الفتاة) بإسكان (الأكراد) و(الأتراك) في مناطقهم وأماكنهم؛ وفي الأجزاء الخاضعة للحكم (العثماني) من (أرمينيا) و(بلاد ما بين النهرين)، حيث تم تغير أسماء المدن والقرى، وقاموا بهدم الكنائس.. والمدارس.. والأديرة.. وحولوها إلى جوامع، وإذا قارنا الخارطة الديمغرافية للمناطق (الآشورية) و(الأرمنية) قبل مذابح عام 1915م وبعدها؛ سنكتشف هول الكارثة وحجم المأساة التي حلت بالشعبين (الآشوري) و(ألأرمني)، بكون حكومة ( تركيا الفتاة) عبر أساليبها القمعية من القتل والإبادة استطاعوا إزالة (الآشوريين) و(الأرمن) من حدود إمبراطوريتهم الغاشمة؛ وتدمير أصالة هذين الشعبين التاريخية فيها، وتحريف خارطة المنطقة جراء المذابح والإبادة الجماعية التي نفذتها القوات التركية عام 1915 بحق (الآشوريين) و(الأرمن) والتي تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي من قبلهم خلال وبعد (الحرب العالمية الأولى)، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل ألقسري في مواكب النزوح الجماعية والسير مشيا على الإقدام أميال وأميال في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة اكبر عدد من المبعدين، حيث يقدر الباحثين بان أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين 2،5 مليون نسمة وعدد الأشوريين بحدود 750 ألف نسمه، والتي تعتبر من أبشع جرائم البشرية مرتبكة في تاريخ المعاصر بحجم الكارثة الإنسانية وثقل جريمتها وبأعداد القتل التي وصلت إلى حدود( ثلاثة مليون) نسمه، نعم (ثلاثة مليون نسمه)، تم إبادتهم بأبشع طرق وبوسائل التنكيل الجماعية .
ونتيجة لسوء التصرف و وحشية الدولة (التركية – العثمانية) باتجاه (الآشوريين) و(الأرمن) وما جرى لهم من ويلات ومآسي؛ هو ما جعل الحلفاء (إنكلترا) و(فرنسا) و(روسيا) في 16 أيار عام 1916 وضع مسودة صيغة لاقتسام (الدولة العثمانية – الرجل المريض ) عرفت بمعاهدة ( سايكس بيكوا ) بين (ممثل بريطاني – السير مارك سايكس) و مثل (فرنسا – مسيو جورج بيكو) والتي ظلت سريه لغاية عام 1917حين قيام الثورة في (روسيا)، وقد تحدد أهداف الحلفاء (بريطانيا) و(فرنسا) و(روسيا) ضد (العثمانيين) و(ألمانيا) من الحرب والأسباب موجبه، وهنا نقتطف من المعاهدة الفقرة التالية التي تتناول القوميات من رعايا (الإمبراطورية العثمانية) ما يلي:
“.. نظراً لسوء إدارة الأتراك لرعياهم من الشعوب الأخرى والمجازر الرهيبة التي ارتكبوها ضد (الآشوريين) و(الأرمن) خلال السنوات الأخيرة، فإن (الحلفاء) والقوى المرتبطة بها وافقت على وجوب اقتطاع (أرمينيا) و(سورية) و(بلاد مابين النهرين) و(شبه الجزيرة العربية) بصورة نهائية عن (الإمبراطورية العثمانية التركية)..” .
ومع ذلك فقد ظلت مأساة الشعبين (الآشوري) و(ألأرمني) على فظاعتها وأحداثها المروعة لعقود طويلة طي النسيان والكتمان من قبل المجتمع الدولي، و لكن مع ازدياد الاهتمام الدولي في قضايا الشعوب المظلومة والجرائم الإنسانية التي اقترفت بحقهما؛ أي بحق (الآشوريين) و(الأرمن)، تم تأسيس العديد من المحاكم الدولية من أجل هذا الغرض، منها (محكمة الجزاء الدولية) في كانون الثاني من عام (2001) المختصة بجرائم (الإبادة الجماعية)، والجرائم (ضد الإنسانية)، وجرائم (الحرب)، والتي بدأ تنظر بهذه الملفات نتيجة الفعاليات السياسية.. والثقافية.. والاجتماعية.. والدينية؛ التي يقوم بها (الآشوريين) و(الأرمن) في شتى إنحاء العام لتحريك قضية (مذابح عام 1915 في تركيا) على الساحة الدولية وعرض ملف هذه القضية على المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب والبرلمانات الأوربية، وعليه فقد ناقش الكونكرس (الأمريكي) عام2000 قضية (مذابح الأرمن عام1915 في تركيا)، وبعدها أقرت (الجمعية الوطنية الفرنسية) بمسؤولية (تركيا) عن المذابح، وفي (السويد) تم مناقشة قضية مذابح (الآشوريين في تركيا) في أكثر من جلسة، كانت أخرها في آذار 2002 ونسبة المؤيدين هي في ازدياد مستمر في داخل (البرلمان السويدي) .
لقد مضى اليوم 24 – نيسان 2024 أكثر من قرن كامل من الزمن على ((المذبحة الكبرى – مذابح سيفو عام 1915 )) أكبر مذبحة في التاريخ البشري الحديث التي ارتكبها (الأتراك) ضد (الآشوريين) و(الأرمن)، ومع بشاعة تلك الجرائم مازالت (تركيا) تتشبث بعنجهيتها.. وعقليتها الشوفينية.. التي خططت ونفذت المذابح الجماعية بحق (المسيحيين) في (تركيا) و تسيء التصرف لكل من يحاول فتح هذا الملف .
نعم إن أكثر من 109 عام مضى على مذابح المسيحـيين (الآشوريين) و(الأرمن)، التي وصفها الكثير من الباحثين والمؤرخين العالميين و بينهم (أتراك) أنفسهم، بأنها كانت جرائم التطــهير العرقي، وهي ما زالت حيـة محفـورة في الذاكـرة التاريخـية لـ(الآشوريين) و(الأرمن) ولعـموم مسيحيي المشرق، حيث يحيون ذكراها في(( 24 من نيسان من كل عام))، لتذكير العالم بها وتجديد المطالبة بالضغط على (الدولة التركية) وريثة الإمبراطورية الرجل المريض (الدولة العثمانية) وإرغامها على الاعتراف بالمذابح وتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه ضحايا المذابح وتعويض المتضررين وإرجاع المسيحيين إلى أراضيهم و قراهم، فسكوت العالم الحر على تلك الجرائم الفظيعة؛ دون محاسبة رادعة؛ شجع وسيشجع الأنظمة العنصرية والفاشية على ارتكاب مثل تلك الأعمال البربرية بحق الشعوب المستضعفة .
فبعد 109 عام من تلك الجرائم في إبادة المسيحيين من (الآشوريين) و(الأرمن)؛ ها اليوم تأتي ذكرى تلك المذابح وسط استـمرار مشـاعر القلق والخوف من إن يعاد التاريخ نفسه لحصول مذابح جديدة شبيهة بتلك المذابح بحـق المسيــحيين (الآشوريين) في (العراق) و(سـوريا) ومسيحيين (لبنان) و(مصر) و(فلسطين) و(الأردن)، هذه المخاوف تعود بشــكل أساس إلى الدور (التــركي) الخطير الذي يتجدد اليوم في دعم فصائل من المجرمين الخطرين لإقامة (الدولة الإسلامية) في (العراق) و(بلاد الشام) والتي أصبحت تعرف بـ( داعش )، لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط ولإعادة الخلافة الإسلامية وطرد المسيحيين منها بدعم وتمويل (التركي) وبعض أحزاب الإسلامية العربية المتطرفة، و يبـدو أن (العثـمانيـين) الجدد ( الدواعش) الذين هم أذيال في الحكومة الحاكمة في (تركيا)؛ والذين يجـدون في ظروف الحرب (السورية) الراهنـة الفرصة التي لطالما انتـظروها لإخـلاء الجـانــب (السـوري) من الحــدود من (الآشوريين) و(الأرمـن) من جهة ومن جهة أخرى توسيع نفوذ المذاهب السلفية المتطرفة في (سوريا) و(العراق)، وفي إطـار تنـفيذ هـذه الأجندة (التركية) يندرج غزو المجموعـات الإسلامية المتـشدد في الشهر شباط و آذار ونيسان الماضي2015 لمنطقة ذات الغالبية (الآشورية) و(الأرمنية) في (فيش خابور) و(قامشلي) و(حسكة السورية) المتاخمـة للحـدود (التركـية) بدعــم عسكري ولوجستي واستخباراتي من (الجيش التـركي)، وكان في حزيران 2014 قد دفعوا هؤلاء (الدواعش) المجرمين لدخول واحتلال مدينة (موصل – العراقية)، فتم قتل وتهجير (الآشوريين) من المدينة ومنطقة (سهل نينوى الآشورية) ومن قبل المجموعات الإسلامية ذاتها، وبدعم (تركي) والتي تعيد ذاكرة التاريخ إلى حقبة (الإبادة الجماعية) التي ارتكبتها (تركيا) بحق (الآشوريين) و(الأرمن) قبل أكثر من مائة عام .
ومن هنا تأتي أهمية فضح هذه المؤامرات التي ترتكب ضد (ألمسيحيي الشرق) والتي تثار بين فترة وأخرى ويذهب ضحيتها مئات ألاف من المسيحيين الأبرياء، ومن هنا تأتي أهمية إدراك خطورة الأوضاع في المنطقة، ولابد للمجتمع (الغربي) إن يعالج مشكلة استهداف (مسيحيي الشرق) بتوفير مناطق تحضي بحماية دولية، لان (مسيحي الشرق) ليسوا دخلاء؛ بل هم سكان الأصلين وجذورهم التاريخية تعود إلى الحضارة (الآشورية) التي قوامها سبعة ألاف سنة قبل الميلاد .
واليوم إن يستعيد كل من (الآشوريين) و(الأرمن) في (الرابع والعشرون من نيسان) من كل عام ذاكرتهم التاريخية، ليس من أجل استعادة الماضي بكل مآسيه ونكباته، وإنما لتذكير (تركيا) ومن يلف لفها من الإسلاميين المتطرفين، والذين ينفذون جرائمهم الإنسانية ضد (مسيحيي الشرق)، والتي اقترفوها في السابق ويقترفونها اليوم، ومطالبتهم الاعتراف بمسؤوليتهم اتجاههم والاعتذار لشعب (الآشوري) و(الارمني)؛ وتحمل كل ما يترتب على ذلك من نتائج؛ ولإيقاظ الضمير العالمي اتجاه ما يجري من جرائم الإنسانية بحق (مسيحي الشرق) بين فترة وأخرى، لإيجاد حلول جذرية لقضيتهم .