صالح عوض
أمد/ يا زمن المذابح والمجازر دلّنا على سبب الموت.. الخنجر أم الأكذوبة؟ إنها الأكذوبة والإدعاء!!.. من المحيط إلى الخليج ومن الخليج الى المحيط يعدّون لنا الأكفان وينتخبون لنا طريقة الموت صمتا، حصارا، أو تجويعا، أو غدرا وخيانة، لقد أتعبتهم قضية فلسطين فلكم تمنوا أن يطويها النسيان فلقد أفسدت عليهم حميمية العلاقات مع الشيطانة-الصهيونية- التي سلبتهم إراداتهم وعقولهم، فارتموا عند أقدامها خانعين.. يسمسرون بها مقابل استقرار أنظمتهم، أو مقابل أن تنصرهم أمريكا في قضاياهم الهامشية، يجتمع قادة العرب ويلتقون، علّهم يستطيعوا أن يدخلوا لأهل غزة نعوشا، وشربة ماء، و مواد غذائية “فاسدة” تجول بينها الصراصير والحشرات، فيردّهم القاتل الفاشي خائبين!! فيعودون وقد بلغوا من لدنهم عذرا!!. و لم ينتظر منهم أهل غزة منهم إلا أن يكونوا عربا ومسلمين.. لم ينتظر أهل غزة منهم إلا ما يؤكدون به على صدق انتمائهم و صحيح اعتقادهم.. أااه كم كشفت غزة بدمها المتدفق من حقائق؟!!
المقاومة وصناعة المستقبل:
هل هذا هو كل المشهد؟ أبدا.. لن يكون، فان ثورات الشعوب من إرادة الله، وصوت الأحرار هو ما استودعه الله في ضمائرهم.. فلئن عزّ على قادة العرب والمسلمين نصرة إخوانهم في العروبة والدين، فإن الله يلقي عليهم الحجة بأن يبعث من ينصرهم ولو على بعد آلاف الكيلومترات من غير دينهم ومن غير قوميتهم.. إنها حكمة إلهية جديرة بالتأمل لنكتشف دور فلسطين في تحرير الشعوب والإرادات وكذلك لنكتشف كم هي قادرة على تمييز الضمائر الحي منها عن الفاسد.. هكذا هو الأمر لتصبح مقاومة فلسطين ليس فقط لتحرير شعبها وأرضها فحسب، بل وتحرير الإنسان حيثما هو من أحابيل الرأسمال المتحكم في كل شيء والذي ينهب أموال الشعوب ويسخرها في الحروب ليجني الأرباح والثروات فيتحكم بمصير البشرية وواقعها.. ان مقاومة فلسطين تحرر الضمير من التشويه والعقول من التضليل والأرواح من القيود ليبرز الإنسان في أرقى تجلياته وهذا هو المعنى الأكثر سموا لمقاومة غزة المعجزة.
في فلسطين أصبحت المقاومة واقع المرحلة وغير محصورة في قطاع غزة فلقد تمددت نيرانها لتشمل الضفة الغربية كلها وقدم الفلسطينيون بذلك قاعدة انطلاق للحرية وانتزاع الانسان مقاليد مصيره من براثن الطاغوت العالمي .. وكانت المقاومة ضد الوجود الاستعماري هي الامر المنطقي والطبيعي ولكنها ابدعت في الإدارة والتكتيك والإقدام بما جلب لها الإعجاب من العدو والصديق بعد 10 أيام من حرب أكتوبر73 قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات وقف إطلاق النار وقد احتل الجيش الصهيوني مساحة من الأرض غربي القناة واسعة حاصر فيها الجيش الثالث رغم دعم كل الدول العربية بالمال والسلاح والرجال ورغم دعم الاتحاد السوفيتي والصين بالأسلحة وكانت الحجة أن أمريكا بدأت تسير اسطولها الجوي الحربي للكيان الصهيوني وهنا ينبغي أن لا يظن أحد ان كلامنا يقلل من قيمة الجندي العربي.. وفي حرب لبنان 82 قبلت منظمة التحرير الانسحاب من لبنان بعد حرب معركة استمرت 80 يوم رغم العمق العربي والشعبي ورغم أن الامتداد بالمحيط وهنا لابد أن نذكر ببطولات الفدائيين الفلسطينيين الأسطورية.. وبغداد لم تصمد عشرات الأيام رغم وجود السلاح والمال و انحل جيشها مع عدم اغفال المقاومة العراقية الباسلة التي انطلقت فيما بعد.. لكن حرب غزة لم يسبق لها مثيل فلقد بلغ معدل التضحيات في غزة 5% من عدد سكان غزة خلال 6 أشهر وهذه نسبة لم تصلها أية مقاومة عبر التاريخ البشري.. الآن 200 يوم تسجل أعنف معركة ببشاعة قل نظيرها ارتكب العدو فيها كل انواع الخسة والنذالة.. 200 يوم معجزات وقهر للعدو… 200 يوم أعظم صفحات مجد شعبنا في حرصه على الاستقلال.. 200 يوم بساعاتها ودقائقها قصف وقتل وإبادة.. مجزرة بمستشفى ناصر ٧٠٠ شهيد طفل وامرأة ومرضى وطاقم طبي يقتلون وتقطع أطرافهم وتبقر بطونهم وتسرق أعضاؤهم ثم يدفنون في مقابر جماعية، وقد سبق ذلك مجزرة مستشفى الشفاء بغزة وسوى ذك من مجازر رهيبة في الشجاعية وجباليا وبيت حانون والمجزرة المدوية في خانيونس التي سويت بالأرض.
لكن رغم كل الألم والوجع الفائق إلا أن العدو لم يحقق أيا من أهدافه العلنية التكتيكية ولا هدفه الاستراتيجي الحقيقي فلقد أعلن عن أهدافه التكتيكية “استعادة أسراه وتدمير المقاومة” الا انها سقطت، فما هو مصير هدفه الاستراتيجي “التهجير”؟ هذا السؤال الثقيل على صانع القرار في الكيان الصهيوني الذي حاول بمشاركة بايدن أن ينفذه الا أن تمسك اهل غزة وبالذات في شمالها افشل المخطط الصهيو امريكي.. هذا فيما يقتحم الفلسطينيون أكثر معاركهم اقترابا ومباشرة من جوهر القضية وتكسير الكيان وإسقاطه.
في الملحمة الدائرة على أرض قطاع غزة وامتدادا الى الضفة الغربية من الواضح اننا في ربع الساعة الأخير لإنهاء مرحلة بكل شروطها والبدء في مرحلة أخرى مختلفة بكل شروطها.. ليس معنى ذلك أنها أقل ضراوة بل لعلها تكون المعركة الأقسى والأشد إيلاما لكنها الأقرب من تحقيق النصر المؤزر.. إنها الأقرب الى الحقيقة والتي تبدو كل معاركنا بالمقارنة لها انها مجرد بروفا او مناورة.
الضفة الفلسطينية لم يسبق لها أن دخلت مواجهة كما هي الان، ولو سمح لها ان تواجه بمثل هذه المواجهة في 1967 لما سقط القدس ولا عواصمها العصية.. الضفة اليوم تفرض شروط المرحلة القادمة في ظل همجية المستوطنين ووحشية الجيش الصهيوني.
وفي غزة وخلال ما يقارب 8 أشهر تسجل واحدة من أقسى عمليات التحرر والكفاح في ظروف غير متناظرة واختلال لميزان القوى بشكل رهيب ولكن حتى هذه اللحظة لم يحقق العدو أيا من أهدافه المعلنة وغير المعلنة وهنا تفرض غزة على العالم دولا وشعوبا تحديا أخلاقيا بدأنا نتلمس نتائجه السياسية والإنسانية وقد استطاعت غزة ان تحاصر الكيان وتعزله وتسقط عنه ألبسة الزيف وتظهره على حقيقته.. هكذا يصبح الكيان عبارة عن كذبة مجرمة قاتلة وأعضاؤه كذابون..إنهم كذّابون و”لا يحيق المكر السيئ الا بأهله” .. يتساقطون بكذبهم 1_ أثبتت لجان التحقيق الدولية أن الإدعاء الصهيوني حول الأونروا “وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين” كاذب.. وعليه عادت الأونروا تتلقى المساعدات الأوربية والامريكية.. والأهم من ذلك أنها بقيت تحمل عنوان القضية الفلسطينية أن هناك نكبة حصلت وهناك لاجئون فلسطينيون هجروا من ديارهم وبلداتهم وهذا تجديد للحق الفلسطيني..2_طلبة امريكا يكتشفون كذب رواية الصهاينة وحلفائهم وأدواتهم الجنونية في وسائل الاعلام أو الطبقات السياسية الغربية والامريكية سواء حيث صورا أن القضية هي بين حماس و”اسرائيل” ثم أن حماس قامت بقتل الأطفال والنساء وارتكبت هتكا للأخلاق، وأكتشف الطلبة الامريكان ان الذي يقتل الأطفال والنساء والأطباء ويبيد ويدمر المدارس والمستشفيات هم الصهاينة فتنتفض جامعات امريكا في أقوى حملة نصرة لفلسطين.
طلاب أمريكا اشارة لمستقبل قريب:
في جامعات كاليفورنيا وتكساس وهارفرد.. وفي وكولومبيا ونيويورك وواشنطن وبوسطن وفي كل جامعات امريكا.. حراك عظيم يعلن القطيعة مع الكيان الصهيوني ويبرز من الأفكار والقيم والرؤية ما يؤكد أن القضية الفلسطينية وجدت أنصارا حقيقيين كما وجدت قضية فيتنام وجنوب افريقيا في يوم ما أنصارا حقيقيين أسهموا في تكسير سطوة قرار المجرمين الذين يتحكمون بصناعة القرار في امريكا.. وهاهم الطلبة يقيمون خيمهم في ساحات الجامعات يعتصمون من أجل غزة وفلسطين بعناد يواجهون الشرطة وعمليات الفصل من الدراسة ويفقد كثير من العاملين وظائفهم لموقفهم الاخلاقي.
طلاب الجامعات الأمريكية يفضحون جريمة الحكومة الأمريكية و عدم إنسانية أولئك الذين يقرون إرسال أسلحة الإبادة للكيان الصهيوني بعشرات ملايير الدولارات.. وهنا لا يمكن أن نغفل ان أكثر من 2.4 تريليون دولار كان إيرادات مجمع السلاح العسكري في أمريكا بمعنى ان قرار الطلبة في أمريكا يتصدى الى الربح الذي ينتظره حكام العالم القتلة من استمرار الحروب.
طلاب الجامعات الأمريكية لم يفعلوا أكثر من الاحتجاج، ولم يطالبوا بأكثر من إيقاف المجزرة في غزة.. فواجهتهم العنجهية الصهيونية والرأسمالية بعنف مبالغ فيه يلغي عن الديمقراطية الغربية والأمريكية ما كانت تتغنى به من حرية التعبير والرأي..
في العالم الحر لم تحتمل الإدارة الأمريكية ولوبيات المال والضغط صبرا وهي تسمع أصوات الطلبة الأحرار . يشنون عليهم حملة شيطنة يتهمونهم بمعاداة السامية.. يحتشد الأشرار في جبهة ضد صوت الأحرار في أمريكا تشن عليهم حملات الاعتقال والتشويه التي طالت طلبة وأساتذة بشكل متعسف وتلقي عليهم التهم جزافى تتهمهم بانهم يتلقون أوامرهم من الفلسطينيين وأنهم أعداء للسامية رغم أن مئات اليهود من الطلبة هم في طليعة طلاب امريكا تنديدا بالجرائم الصهيونية.. ولكن نحن نعرف ان هذا الصوت الحر سيكون له أثر أبلغ من كل الجيوش العربية بل وأكثر من كل الطلبة العرب الذين انسحبوا تماما من ساحات الشرف والكرامة والغيرة..
قادة الكيان الصهيوني في ذعر شديد.. نتنياهو يرتعد خوفا ورعيا.. فرغم كل ما انفقوه لتضليل الرأي العام ورغم كل مابذلوه الا ان فلسطين تصبح هي الأكثر حضورا فينبري لشن الهجوم على طلبة أمريكا فيما يمارس أصدقاؤه هناك أبشع عمليات التضليل ويحتشدون يقتحمون الجامعات يبثون اشاعاتهم ولكن دون جدوى فلقد بلغ الطوفان مداه في جامعات امريكا حيث التحقت كثير من الجامعات في 40 جامعة امريكية تطالب بتحرير فلسطين من الصهاينة وتطالب بايقاف الدعم والتعاون مع الكيان الصهيوني وها هي الجامعات الفرنسية تلتحق بهم في اشارة واضحة ان الامر لن يتوقف عند حد بل سيجد مداه في الجامعات والمؤسسات المتنوعة نصرة لفلسطين.
وما يجري الآن من مفوضات خلف الابواب المغلقة يؤكد على ان الغرب يخضع على الأقل مرحليا لمطلب دولة فلسطينية وعاصمتها القدس والاختلافات الان بينهم والوسطاء والمقاومة حول مراحل التنفيذ ولعل الوسطاء مصر وتركيا وقطر قد وحدوا موقفا بخصوص دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الا ان موقف المقاومة يؤكد على ضرورة حق العودة لملايين الفلسطينيين اللاجئين وهذا هو المطلب الوجيه الحقيقي الذي يسقط الكيان الصهيوني ويلقي به الى حيث أصوله في اوربا الشرقية والدول المصدرة.
فلسطين يقف معها الاحرار الشرفاء في العالم… اما المنافقون فينكشفون ولا وجود لهم.. وستنتصر فلسطين بالضمير الحر والإنسانية الكريمة.. و سيكتب الذل على الخانعين الأذلاء مهما كان دينهم وعرقهم والله غالب على أمره.