د. رمزي عودة
أمد/ بدأ حراك غير مسبوق للطلبة المحتجين في جامعة كولومبيا منذ أكثر من أسبوعين، حيث طالب المحتجين بوقف استثمارات الجامعة في إسرائيل ووقف الحرب والابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقوبلت هذه الاحتجاجات برد فعل قاسي من قبل إدارة الجامعة التي نعتت الطلبة بالارهاب وبث الكراهية ومعاداة السامية، وفصلت أكثر من 100 طالب. كما أنها طالبت الشرطة بفك اعتصام الطلبة المحتجين وإعتقالهم. وأدت ردة الفعل هذه الى توسع الاحتجاجات وإيقاف العملية التعليمية في جامعة كولومبيا، كما تسارع إنضمام الكادر التعليمي والاداري لمخيمات الاعتصام رافضين سياسات الجامعة غير الليبرالية. ليس هذا فقط، بل إنتقلت حركة الاحتجاجات الى أكثر من 45 جامعة ومعهد عالي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها جامعات هارفرد وجورج واشنطن وبيل وكاليفورنيا وغيرها من الجامعات الكبيرة والمهمة في الولايات المتحدة. كما أن حركة الاحتجاجات الطلابية إمتدت الى الجامعات الأوروبية سواءً في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. وبتنا جميعاً أمام انتفاضة حقيقية في العالم أجمع، إنها باختصار انتفاضة الجامعات ضد الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
لقد أشرت في الأشهر السابقة وفي أكثر من مقال ولقاء تلفزيوني الى أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع حرب غزة في إطار مستويين: المستوى الاستراتيجي ويقضي بدعم إسرائيل اللامحدود في عدوانها على قطاع غزة، وهذا ما يفسر منح أكثر من 17 مليار دولار لإسرائيل كمساعدات عسكرية في هذه الحرب،
إضافةً الى توفير غطاء سياسي يحمي إسرائيل من المساءلة في المنظمات الدولية. أما المستوى الثاني فهو مستوى السياسات والتكتيكات التي تضغط على إسرائيل للحد من قتل المدنيين ووقف سياسة التجويع والتوصل الى صفقة أو هدنة. ولقد أوضحت في هذه المقالات أن السياستين ليستا متناقضتين كما يبدو للوهلة الأولى، حيث أن الإدارة الأمريكية في مستوى السياسات التكتيكية تسعى لتسويق منظومة قيمها الليبرالية أمام شعبها أولاً وأمام العالم ثانياً، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحشد المناصرين في العملية الانتخابية القادمة، إضافةً طبعاً الى منع تهديد مصالحها في العالم. وبالفعل، فإن ما يحدث اليوم في الجامعات الأمريكية هو إثبات حقيقي للفرضية السابقة، حيث تشير هذه الانتفاضة الى خيبة أمل الشارع الأمريكي نتيجةً لفشل الإدارة الأمريكية في تحقيق المستوى الثاني من سياساتها التكتيكية، وبالضرورة فشل هذه الادارة بإقناع مواطنيها بأنها جادة في وقف العدوان ووقف الابادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من 6 شهور. ليس هذا فقط، ولكن هذا الفشل إنعكس سلباً على قيام الإدارة الأمريكية مؤخراً بتفضيل المستوى الأول في سياساتها الخاصة بإسرائيل في عدوانها في القطاع، بمعنى الانسياق أكثر الى جانب دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً وتفضيل الخيار العسكري لإنهاء الصراع!. وهذا بالضبط ما أدى الى انتفاضة حقيقية في الجامعات الأمريكية، حيث لم يعد بإمكان إدارة بايدن استيعاب الرأي العام المحلي الضاغط لديها في ظل إستمرار قتل المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم والتهديد المستمر بإجتياح رفح. والنتيجة، إن إدارة بايدن فقدت مصداقيتها أمام أهم شريحة إجتماعية في مجتمعها وهي الشريحة الأكاديمية المثقفة. وبالضرورة، من المتوقع أن تتسع موجة هذه الاحتجاجات الطلابية وتؤدي الى ضغط أكبر على إدارة بايدن لوقف الحرب. لاسيما أن هذه الاحتجاجات تكلف الاقتصاد الوطني الأمريكي أكثر من 300 مليون دولار يومياً، واذا ما خرجت هذه الاحتجاجات خارج الحرم الجامعي فانها ستؤدي الى توقف عجلة الاقتصاد والتنمية في الدولة الأمريكية.
في الواقع، إن حكومة نتنياهو الفاشية ورطت إدارة بايدن أمام شعبها، حيث راوغ نتنياهو كثيراً وأطال فترة الحرب بشكل مقصود، وقتل الألاف من المدنيين وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وقد حذرت حكومة بايدن نتنياهو من سياسته هذه، ولكنها لم تستطع الضغط عليه بالشكل الكافي لوقف العدوان. وفي السياق، فقد دفعت هذه الادارة ثمن هذه السياسة العدوانية والعنصرية لحكومة نتنياهو وما زالت تدفع الثمن. لهذا، فلقد أن الأوان لإدارة بايدن أن تتخذ خطوات عملية وسريعة للضغط على إسرائيل لوقف العدوان نهائياً حتى تستطيع ضمان وقف انتفاضة الجامعات في أراضيها.