معاذ خلف
أمد/ منذ ثورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر 1952 و رفعه لشعار الوحدة العربية قولا و فعلا مجابها قوى دولية و اقليمية ، لم تتوقف مصر عن مد يد العون لأشقائها العرب في مختلف المجالات ، سياسيا و اقتصاديا و عسكريا ، و لعل هذا الدور المحوري في الريادة العربية جعل من مصر وقيادتها هدفا لكل القوى الاقليمية التي ترغب في السيطرة على القرار العربي ، و لم يكن استهدافها بحروب مباشرة ، فالدخول مع مصر في حرب مباشرة يعني خسارة حتمية امام الجيش الأول في المنطقة العربية ، و قد حاولت اسرائيل سابقا و عادت بالخيبة والخسارة !
بعد حرب اكتوبر 1973 اصبحت القوى المعادية تحارب مصر بافتعال الأزمات ، ازمة تلو الأخرى ، فكانت أزمة سد النهضة القديمة الحديثة ، و كانت ازمة الإرهاب في سيناء ، ثم الثورة الملونة في العام 2011 ، و اخيرا استهدافها و ارضاخها اقتصاديا .
رغم كل الازمات السابقة الا ان مصر لم تفقد توازنها ، ولا دورها المحوري بين اشقائها العرب ، اشتعلت جبهة ليبيا على حدودها الغربية ، و ادارت مصر الملف الليبي بتوازن و حنكة بما يحفظ امنها القومي و يصب في مصلحة أشقائها الليبيين ، وهذا لم يكن سهلا ، بل معقدا جدا نظرا لتضارب المصالح و تشابك الخيوط الظاهرة و الخفية ، فالقوى الاقليمية تعد فاعلا على الأرض الليبية ولها دور كبير في الفوضى السائدة ، غير ان مصر هدأت من وتيرة فخ الحرب الأهلية التي كادت تسقط فيه ليبيا و الليبيين ، و قد كان لها دورا محوريا في القضاء على الإرهاب هناك ، ووضعت خطا احمرا غير قابل للتجاوز من قبل المليشيات متحدية قوى دولية و اقليمية وقد نجحت في فرض قرارها !
تلى ذلك اشتعال جبهة السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع و كان على عاتق مصر المهمة الأصعب فهي تقع على حدودها الجنوبية و تمثل أمن قومي مباشر و تعاملت مع الملف السوداني بحنكة غير مسبوقة ، فهي لم تسمح بسقوط الجيش و انهيار السودان ، بل حافظت على توازن القوى ببراعة متناهية .
ثم في 7 اكتوبر اشتعلت الحرب بين قوى المقاومة الفلسطينية في غزة و اسرائيل و بطبيعة الحال ولأن مصر تعد الداعم الاول للقضية الفلسطينية اخذت على عاتقها مهمة التوصل لإتفاق لإيقاف الحرب ، كما فعلت في مرات سابقة عديدة نجحت فيها في ايقاف الحرب والوصول الى هدنة بعد اسبوعان او شهر من الحرب ، و كان اخرها في 2021 ، ولكن هذه المرة الوضع مختلف كليا ، فالحكومة يمينية متطرفة ، و الحرب انحدرت لتكاد تتحول الى حرب اقليمية ، و هناك دور كبير في الخفاء لقوى اقليمية داعم لإستمرار الحرب و القضاء على المقاومة ، و رغم ذلك لم تتوقف محاولات مصر عن الوصول لهدنة و محاربة الإرادة الصهيونية الداعية الى التهجير و التدمير وتصفية القضية الفلسطينية ، ولعلها اقتربت من تحقيق نصرا في هذا الملف الذي تحمله بمفردها على عاتقها .
“هناك روايات تخبرنا ان المستهدف من كل الأزمات السابقة هي مصر العروبة ، ولكن هذا قدر مصر الذي لا غنى له ، ان تكون في ريادة الامة ، تقف الى جانب شعوبها رغم حاجتها ، وتواجه المؤامرات التي تستهدفهم رغم تكالب الأعداء عليها ، قدرها ان تكون أم للعرب وليس للدنيا فحسب !”