حمادة فراعنة
أمد/ ليست بريئة إجراءات الأجهزة الأمنية الشرطية ودوافعها، ضد طلبة الاحتجاجات في الجامعات الأوروبية والأميركية، ذلك لأن البلدان الأوروبية الثلاثة: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هي التي صنعت المستعمرة على أرض بلادنا في فلسطين ولم تكتف بكل الخارطة الفلسطينية بل تجاوزت ذلك لتشمل الجولان السوري وجنوب لبنان: 1- بريطانيا بقراراتها بدءاً من وعد بلفور وتسهيلاتها بالسماح لقدوم اليهود الأجانب واستيطانهم في فلسطين باعتبارها الدولة المستعمرة المنتدبة المتنفذة صاحبة القرار، 2- فرنسا بأسلحتها التقليدية والنووية، 3- وألمانيا بدفعها لليهود الأوروبيين نحو الهروب إلى فلسطين بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد النازية والفاشية والقيصرية، وتقديم التعويضات المالية بعشرات المليارات لصالح المستعمرة، قبل أن تتبناها الولايات المتحدة كاملة: سياسياً وأمنياً ومالياً وتوفر لها الحماية رغم احتلالها التوسعي وسلوكها العنصري وجرائمها بالقتل والتدمير.
احتجاجات طلبة الجامعات الأميركية والأوروبية، تسير باتجاه التعامل مع ثلاثة عناوين هي: 1- التضامن والدعم والإسناد والتعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني، 2- رفض سياسات المستعمرة وإجراءاتها العنصرية الفاشية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، ومطالبة الانكفاء عنها ومعاقبتها، 3- رفضهم لسياسات بلادهم في التحالف مع المستعمرة الإسرائيلية ومطالبتهم إنهاء العلاقات معها وسحب استثمارات بلادهم منها.
هذه الأهداف المرفوعة عبر شعاراتها الدالة على مواقف الطلبة، تشكل عامل تعارض مع سياسات البلدان الأوروبية التي صنعت المستعمرة، وتتصادم مع السياسات الأميركية الداعمة المساندة الحامية للمستعمرة في توجهاتها التوسعية وكشف حقيقتها كمشروع استعماري توسعي يقوم على أرض فلسطين.
مظاهر التصادم بين الحكومات وأجهزتها من طرف وطلبة الجامعات الأميركية والأوروبية من طرف، تعكس حجم التناقض الداخلي للمجتمعات الأوروبية والأميركية، حول سياسات بلادهم الاستعمارية الإمبريالية، وحاجتهم لتصويب هذه السياسات حيث برزت فاقعة في دعم حكومات بلادهم للمستعمرة الإسرائيلية التي ورثت أفعال الاستعمار القديم، وأفعال الرأسمالية المتوحشة، التي كشفتها وعرتها ثورة الشعب الفلسطيني، وثورة الطلبة ضد سياسات وإنحيازات حكومات بلادهم للمستعمرة الإسرائيلية، سواء في ولادتها غير الشرعية، غير الأخلاقية، غير القانونية، على حساب الشعب الفلسطيني، وضد العرب والمسلمين والمسيحيين في بلادنا.
مظاهرات طلبة الجامعات الأميركية والأوروبية، سبق لها وأدت دورها وتأثيرها بأوقات متفاوتة، نحو الضغط على حكوماتهم، وتشكيل روافع داعمة لنضالات الشعب الفيتنامي، والشعب الجزائري، وغيرهما لإنتزاع الحرية والاستقلال، وإرغام واشنطن وباريس ولندن ودفعهم نحو التسليم بحق شعوب بلدان العالم الثالث لنيل حقوقهم في الاختيار واستعادة السيادة والتحرر من قيود الاحتلال والاستعمار.
عوامل التناقض الحاد، والتعارض، والتصادم بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، لم تعد عواملها وصناعتها وأبعادها وتأثيرها محلية أو إقليمية، بل تعدت ذلك لتكون عابرة للحدود، ويكون الشعب الفلسطيني أداة وطليعة لمواجهة التغول الأميركي الأوروبي على شعوب العالم، وسيبقى التحدي قائماً نحو تحقيق ظاهرتين: الأولى وحدة الشعب الفلسطيني، والثانية شق المجتمع الإسرائيلي بين تراثه وأدواته الاستعمارية وبين بروز قوى ديمقراطية تقدمية رافضة للاحتلال والتوسع والعنصرية، فهل حراكات الطلبة في الجامعات الأميركية والأوروبية تنجح في تحرير الإسرائيليين مما علق بهم من تراث استعماري عنصري نهايته المؤكدة الهزيمة والاندحار، فيدركوا أن أمنهم واستقرارهم مرتبط باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وأمنه واستقراره، ليكون التعايش والندية والمساواة هو طريق الحياة التي لا مفر منها ولا مهرب من التسليم بمعاييرها المطلوبة.