أمد/
د-طاهر مشي شاعر تونسي كبير يغزل من خيوط العشق..قصيدة للمطلة على شرفة القلب
(قصيدة هذا الهوى..يطربني-نموذجا)
د-طاهر مشي هذا الشاعر التونسي الكبير الذي يحمل ريحان الحرف الشفيف،حلمه دفاتر تخطها أشعة الشمس،وخيوط الفجر..تتلاقى أمام بوابة إبداعه مرايا ومرافئ،وأوطاناً للريح والنخيل والأرخبيلات والجرح واليمام..
بين يديه تبحر القصيدة حاملة استداراتها القزحية،وتتدلى خطاه من سقفها الماطر المليء بغوايات الشعر الأبهى..
-إن الكتابة عن النصوص الجميلة نوع من الشعر،وفي حالة الهطول الشعري يتنافى الكثير من أساسيات المنطق،لأن الشعر الجيد انقلاب على المنطق..فالشعر حالة إنسانية روحانية،والمنطف ارهاص عقلي لا يخضع لمقاييس الروح والوجدان.
الذي يتأمل الأدب عبر التاريخ الإنساني، يجد أن الحب هو محوره الذي يدور حوله، فحين يمتلئ القلب حباً، يفيض من بين أصابع الأديب على صورة كلمات وجمل،تختلط بأحاسيسه المرهفة،وذائقته العالية،وإيقاعه المميز.
والحب بكل معانيه هو أسمى شعور يصل إليه الإنسان، وحين يغمره ذلك الشعور،نجد الأحاسيس الصادقة والأفعال النبيلة تخرج إلى النور كاللّطف،والرحمة،والعطاء،والتضحية، وتحمّل العذابات من أجل المحبوب.
وكما يقول جبران: الحب كلمة من نور،خطّتها يد من نور،على صفحة من نور.
والشعر توأم الحب وصنوه،لا يخلو شعر من أبيات الحب،ولا تخلو قصة حب من أبيات ينبض بها المحبون،وكلما كان الحب مجنوناً وعنيفاً، كان الشعر أغزر وأكثف،وكما تطلع أزهار اللوز في موعدها ينبت الشعراء العاشقين في موعدهم.
من المعلوم أنَّ الحبَ كحالة إنسانية سامية،وما يكتنفه من لواعج العشق وصور الجمال،شكل على مدى العصور حافزاً قوياً لإثارة إبداع الشعراء،فضلاً عن مساهمة إبداعية المنجز الشعري بفاعليةٍ في تميز بعض الشعراء عن نظرائهم.ولا ريب أنَّ إبداعَ الشاعر يرتكز بشكلٍ أساس على الموهبة المقترنة بتنوع مصادر المعرفة التي يوظفها هذا الشاعر أو ذاك لرغبةٍ جامحة في التعبير عما يشعر به،أو قد يوجه بوصلتها نحو بلوغ المجد والإحساس بالتميز حيناً ما،مع العرض أنَّ الشعورَ الخفي الذي يؤرق الشاعر،ويرغب البوح به قصد إيصاله إلى المتلقي،يبقى على الدوام رهين ما يمتلكه من أدواتِ البناء الشعري التي بوسعها ترجمة ما بداخله من رؤى،وما يطرق في ذهنه من هواجس..
أسوق هذه المقدمة الموجزة بعد ما أطلعت على -قصيدة :” هذا الهوى..يطربني” للشاعر التونسي القدير طاهر مشي والذي يُعَدّ -في تقديري -من أفضل الشعراء العرب الشبان-
وعلى الرغم من اختلاف معايير المشارب والأذواق،الاّ أنَّ ما أثار انتباهي بدايةً بخصوص -القصيدة (هذا الهوى..يطربني) موضوع “هذه القراءة المتعجلة”هو ما تجسد بأمر-واحد ووحيد-،يتمثّل في الانتقائية في اختيار العنوان الذي ضمنه كلمة -هوى-،وهذه المفردة كما هو معروف في معاجم اللغة العربية تستمد خاصيتها المؤثرة في المتلقي مما تحمله في طياتها من معانٍ ترقى بالرؤيا الجمالية،وتستفز بما تحمله من بهاء ذائقته الجمالية،فالهوى:العفيف المتَّسم بطابع مثاليّ صِرْف.
وهنا أقول:لقد تمثل-الشاعر القدير د-طاهر مشي-المواءمــة والتكييــف ما بين الشعر والفن،لأجل الوصــول إلــى صياغــةٍ ذات قيمة أدبية وفنية معبرة،إذ أطل علينا في -قصيدته المدهشة هذه -بما يعتمل في ذاته من مشاعر وخيالٍ جامح بعد أنْ عودنا على الاندهاش بلوحاته الفنية التي يتجسّد فيها الشعر في أبهى تجلياته.
وحتى-لا أطيل على القارئ الكريم-الإستمتاع بهذه القصيدة الراقية أعيد القول-:
إنَّ القراءةَ المتأنية المتأملة لجل قصائد-د-طاهر مشي-تقود إلى الاحساس بتميز الشاعر -طاهر-فيما يكتبه وذلك يتجلى بأسلوبه السهل الممتنع،إذ يتصف أسلوبه في تركيب أبياته الشعرية بسلاسة المفردات ووضوح معانيها،وصدق عاطفتها،ما يجعل قصائده أكثر إثارة للمتلقي واقرب إلى نفسه وخلجات وجدانه.
ومن وحي القراءةَ المذكورة آنفاً،ندرك أيضاً تميز شاعرية-د-طاهر مشي-بلغةٍ شعرية عذبة عزّزت بنية القصيدة وساهمت في المحافظة عليها بفضل امتلاكه إمكانيات شعرية غير محدودة،والتي ساهمت أيضا في تدعيم منجزه الشعري الواعد بما أفضت إليه من شعرٍ رقيق،إذ اتسم شعره بقوة التأثير وصدق العاطفة،إلى جانب إجادته التفنن في نسج الصورة الشعرية.
ختاما أدعو-القارئ الكريم-للرقص معي على ايقاع القصيدة المطرزة بالحب والمشاعر المتدفقة والهادرة:
هذا الهوى..يطربني
يا من هوى الذكرى متى ذكراك؟
فالليل قد ناحت به نجواك
والهمس بالأسحار يغمرني
والنبض في الشريان كالأفلاك
خوفي من الأشواق تهجرني
يا روعة الخلاق ما أبهاك
فالحرف يسحرني لما الخجل
يسعى ونبضي ما عساه رجاك
ضني أنا والليل يلحفني
رحال أسعى في مدى أقصاك
حتى أبوح الحب من وصبي
أمشي على جمر الهوى لأراك
من بهجتي قد بحت موعظة
نذرا بها الأشواق في دنياك
فأتت على زرعي تداعبه
في نبرة المشتاق … ما أقساك
تمضي بنا الذكرى بلا سبب
يا نتفة في القلب ذا سكناك
عشت الهوى نغما ليطربني
يا صحوة المشتاق ما أضناك
جثمت على جرحي فذا عتب
والنبض في تيه كذا إنهاك
فسكبت دمعي في هوى وَجوى
وسكنتها الأحلام كي ألقاك
هذا الهوى تمضي به الافلاك
يا من سبى قلبي بلا إدراك
طاهر مشي
وأخيرا يا شاعرنا الكبير..بعد رقصة الشمس،وهطول الغيم،وشجر الانتظار،وكل ما يمكن أن تهديه -للحبيبة الهاجعة خلف شغاف القلب-من قصائد حب..أغزل من خيوط الفجر كذلك باقات عشق تهدَى بيد ناعمة،للعاشقين القادمين..في موكب الآتي الجليل.فارتباطك بالعشق هو ارتباط مع مصدر غني بالجمال ومفعم بعطر الأقحوان،وبكل مايغني الذوق ويسمو بالإنسان نحو الوعي الراقي والإدراك المميز لجماليات الحياة والوجود.