عدنان الصباح
أمد/ حوالي سبعة عقود عاش العالم منقسما على ذاته بين قوى الرأسمالية وقوى الاشتراكية وظلت شعوب الارض ودولهم تدور في فلكين متناقضين شكلا متعايشين مضمونا فقد توحدت هذه القوى معا في صراعها مع قوى العنصرية والاستعلاء بقيادة النازية وكان هذا التعاون جليا حد اقتسام النفوذ كدول لا كمبادئ وفي حين راحت قوى الامبريالية تطور نفسها وتبحث عن ما يمنحها حق مواصلة الحياة والتطور ظل اولئك الذين يسعون للقضاء عليها سعداء ببقائهم على الارض دون محاولة منهم لتجديد الذات او تطويرها او معاودة قراءة الحياة بهذا الشكل او ذاك ورغم ان الحرب الباردة قد جاءت للعالم بشبه سلام كاذب جعل الحروب في اقل مستوى لها الا انها قادت بالنتيجة الى انهيار جهة لصالح جهة في ظل غياب اية قوة ثالثة قادرة على منع التفرد في الارض وشعوبها وتوارت بشكل او بآخر قوى مهمة معتقدة ان تواريها سيمنحها مكانة ما وسلاما ما وقدرة على البقاء.
البعض استكان تحت شعر يا عمال العالم اتحدوا بعد ان اضاعهم واضاع دورهم لصالح الفئة القائدة وجعل من فكره أفيونا لشعبه ومخدرا يلهو به حيث شاء تحت مظلة وسيطرة السلطة التي لم تعد تملك فارقا عن اية سلطة اخرى سوى انها تعادي من لا يؤمن بما تؤمن ودون ان تجعل مما تؤمن به حقيقة واكتفت بقناعة ان وجودها هي هو الهدف ولا هدف غيره حتى وجدت نفسها تنهار وتتهاوى دون ان يأسف عليها أحد وفي جهة اخرى عاشت شعوب وامم مكتفية بالدعاء لله ليكسر يد اعداءها ويمنحها النصر من عنده دون ان تفعل شيئا سوى تقييد يدها برفعها الى السماء دون فعل.
الصراعات العالمية التي غابت عن الوجود بعد انهيار الاتحاد السوفيات ومن لف لفه منحت الولايات المتحدة وعصابتها قدرة التلاعب بجهات الارض كيف تشاء فدمرت العراق واخضعت كل الخليج العربي واحتلت افغانستان واطلقت العنان للخراب في كل دول الشرق واخترعت صراعات لم يكن لها وجود وحولت فوبيا الشيوعية الى فوبيا الاسلام وفوبيا الطوائف وفوبيا القوميات وصنعت مجازر وحروب لا احد كان يعتقد انها يمكن ان تكون فاستباحت ليبيا ولا زالت وتستبيح السودان ولا زالت واعادت مصر الى الوراء سنوات وسنوات وعاثت فسادا في سوريا واليمن وغيرها وغيرها وليس لها من مصلحة على الاطلاق الا بيع مزيد من السلاح والسيطرة على ثروات الشعوب والبلدان المتناحرة تحت شعارات وهمية كاذبة وغير حقيقية.
المصلحة الاولى لكل صناع الثروة هي المزيد منها ومنع توزيعها واحتكار اكبر قدر منها ولهذا لا بد في سبيل ذلك من ترويج تجارة الاسلحة وصناعتها عبر ترويج صناعة الموت لأسباب واسباب بدءا من اشاعة الديمقراطية انتهاء بانتصار الدين او القومية او الطائفة او حتى الجهة او الاعتقاد أيا كان هذا الاعتقاد في سبيل ذلك كان لا بد من زراعة التعصب الاعمى وحماية هذا التعصب بجيوش مسلحة وقوية وفاعلة وجاهزة لان تقتل بعضها بعضا بشكل او بآخر.
لا قوة اليوم على وجه الارض يمكنها ان تعيد صياغة الارض الا القاتل والمقتول كقوى منظمة هم اليوم ليسوا العمال ولا الفلاحين ولا الطلبة وانما الجنود المستعدين للموت دفاعا عن وهم زرعوه في رؤوسهم صانعي السلاح وناهبي الثروات وهم اي الجنود من يملكون القدرة على فعل ما لا يملكه احد ان استداروا للخلف واطلقوا رصاصهم على مشغليهم او امتنعوا عن تنفيذ اوامر القتل والموت لهم ولمن يقابلهم واذا لم يفعلوا ذلك اليوم فقد يجدوا انفسهم كما وجدت الطبقة العاملة نفسها خارجة عن الخدمة بحلول الآلات الذكية مكانهم وهو ما تسعى اليه اليوم قوى الشر التي تسعى لاستبدال الجندي الانسان والطيار الانسان بالآلي الجاهز للتنفيذ دون احتجاج ومن يقمعون حراك الطلاب اليوم في امريكا من رجال الامن لا يدرون ابدا ان ابنائهم هم من سيدفعون ثمن هذا القمع بعد سنوات ولكن على يد امبريالية المعرفة ” الامبريانولوجي ” والتي ستنهي دور الانسان واخلاقه وقيمه لصالح من لا يملك الا قيمة الثروة والسطو على كل ما تقع عليه يده او يد آلته المطيعة والغير قادرة على الاحتجاج او الثورة.
اليوم قبل استفحال عصر امبريالية المعرة وتهميش مكانة الانسان لا زال بالإمكان التمرد والثورة على صانعي السلاح واذنابهم من صانعي المحتوى المعرفي وبعد ان صار بإمكان اللصوص ترك الشعوب تلهو بالاقتصاد السلعي لصالح اقتصاد المعرفة وبعد ان اصبحت الرأسمالية مستعدة ان تتنازل عن فائض القيمة في الاقتصاد المادي السلعي لأصحابها مقابل الاستحواذ على القيمة الفائضة في اقتصاد المعرفة الذي مادته الخام الهواء وسوقه العقول وبالتالي لا يرى المنهوب ناهبه ولا يدرك كيف يجري ذلك فيخضع لإرادة ناهبه ويشكره لما ترك له من مباهج الحياة.
الجنود اليوم وصغار الضباط هم اصحبا القدرة على صناعة الثورة واستعادة الحق بملكية الهواء والمعرفة لأصحابها قبل ان يفوت الاوان ويتم الاستغناء عن الجندي وضابطه كما تم الاستغناء عن العامل ومن يمثله لصالح الالية الذكية سيقود العالم اذكياءه بأدوات ذكائهم وما يصنعون ويصير الانسان جزء من المستهلِك والمستهلَك دون ان يدري فيا كل جنود العالم استديروا للخلف ضد مشغليكم وقاتليكم الان وقبل فوات الاوان فان الخلاص من مجموعة صغيرة من ناهبي خيرات الارض ومروجي الموت افضل مليار مرة من الخلاص من ابناء البشرية لصالحهم.
يا كل جنود الارض اليوم بالأمر الانساني للمرة الاولى وقد تكون الاخيرة ” للخلف دُر ” واطلق نيرانك على قاتليك واصنع على الارض السلام لأهلها لا لناهبيها والا فان غدنا لن يكون به الف عامل في مصنع ليثوروا معا ويمتنعوا عن الانتاج بعد ان تصبح الالة والروبوت سيد كل شيء ولا الاف الطلبة في جامعة بعد ان تصبح شاشة التابلت او التلفون هي الجامعة ولا عشرات الاف الجنود بعد السيارة الروبوت والطائرة الروبوت والصاروخ الروبوت ولن يجتمع ثلاثة ليهتفوا ضد الموت في اي مكان في الارض بعد غزة حين تصير الامم افراد لا صلة بينهم الا الهواء ولصوص الارض امة واحدة.