سيف اكثم المظفر
أمد/ تمتاز المجتمعات الشرقية، ومنها مجتمعنا العراقي، بسمات تكاد تكون مشتركة، بل ان بعضها تكون سائدة..
واحدة من أوضح تلك الصفات، تدور حول رفض الفرد أن يكون هامشيا أو الرقم الثاني، فالجميع يرغبون بالجلوس في المقدمة، حتى بات الخط الثاني فارغاً غالبا رغم أهميته.. وهذا لا ينطبق على المكان أو الزمان ، بل حتى في الناحية الفكرية، فالجميع يرى أنه صاحب الفكرة الصحيحة وغيره مخطئ، خصوصا أولئك المنظرين، أصحاب “الكنفشيوسيات” التي باتت تتجذر، على شكل مجاميع تنضج بينها هذا النموذج.
في العمل الميداني يختلف الحال، فصاحب الكلام يسكت، و العمل هو الذي يتكلم.. وليس العمل فقط، بل النتيجة هي التي تحدد اذا ما كان العمل ناجح ام لا..
على مدى عقدين من الزمن، لم تحظى مدينة النجف الأشرف، الا بكثير من المنظرين العظماء، وفي احسن الأحوال الميدانيين العشوائيين، او كما وصفهم مهندس قديم، كان يشرح لاخر شاب، بكلمات بسيطة بانهم “المرگعجية” أي أصحاب الحلول الترقيعية، و النظرة التي لا تتعدى طرف أنفهم.
مشاكل مدينة النجف الاشرف متجذرة، لم تخضع لحلول مستدامة، ولا رسمت لها استراتيجيات بعيدة المدى، لأنهاء هذه المشاكل، وكل ما كان يجري ترقيع متراكب، واجتهادات شخصية تتبع “الرتم” الاعلى في السلطة ومزاجه الجيوسياسي، وهذا يبني معظم أفكاره، تحت منطق الفائدة الانتخابية، والمردودات الاقتصادية لحاشيته، والجهة التي مكنته من هذا المنصب.
تدخل النجف الأشرف حقبة جديدة من الرؤية الاستراتيجية، لرسم معالم المدينة وكيف ستكون بعد خمسة عقود من الآن ، أو كيف نريدها أن تكون، وماذا يجب أن نغرسه اليوم، كي نقطف ثماره بعد عقد من اللحظة.
لو من ترأس هذه المدينة منذ عقدين، ورسم رؤية واضحة، لكان وضعها يختلف جذرياً، باقل عشوائيات ومحدودية التجاوزات، وربما تختفي النفايات وسوء الخدمات.. فحتى وإن مر العراق بظروف عصيبة، إلا أن الخطط الاستراتيجية، لا تسمح بأن يجتهد فلان، لرسم بوابة إسمنتية، تعادل برج خليفة بالأسس الركائزية ، والمدينة تفتقر إلى شوارع ومحطة تدوير نفايات، أو محطة تحلية مياه مركزية، وما هو أهم أننا في عالم يتطور كل لحظة.. وما زال لدينا طلبة يدرسون في مدارس كرفانية، وبثلاث وجبات دوام في اليوم الواحد!
رؤية محافظها الجديد، هو العمل وفق خطة مرسومة ومدروسة، ولثلاث مديات متعددة قريبة ومتوسطة وبعيدة، وهذا العمل يحتاج الى صبر وتفهم وتوضيح، فهل سيتقبل الشارع هكذا رؤية .. أم أنه اعتاد “التلزيك والترقيع” وقد استساغه وتقبله!