عبد الباري فياض
أمد/ فاجئتنا إسرائيل أمس، بتنفيذ عملية عسكرية في رفح، وصفتها بأنها محدودة للغاية وتهدف إلى الضغط على حماس للقبول باتفاق الهدنة، بينما تؤكد الحركة أنها لن تتنازل عن شروط وقف إطلاق النار.
ووفقا لما أعلنته إسرائيل، فمن المقرر أن يسافر وفد إسرائيلي إلى مصر في الساعات المقبلة لتقييم مدى إمكانية تغيير حركة حماس لموقفها بخصوص مقترح وقف إطلاق النار، وإذا تم التوصل إلى اتفاق حقيقي في المستقبل القريب، سيترأس كبار المسؤولين الوفد.
المعطيات الحالية تشير إلى أن هجوم إسرائيل على رفح سيرسم مسارا مغايرا للحرب، وسيجبر حماس على القبول بشروطها وإلا نفذت اجتياحا كاملا لرفح في مشهد لا يحمد عقباه، وسيعصف بالجميع.. فهل حقا ستكون تل أبيب جادة في وقف إطلاق النار، وهل تستجيب قيادات حماس وتحقن الدماء بقبول شروط هدنة كاملة؟
أعلنت حماس خلال الساعات الأخيرة، قبولها للمقترح المصري القطري للهدنة، وقد تحدد الأيام المقبلة ما إذا كان يحيي السنوار زعيم المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، سيعطي الأولوية لمصالحه الشخصية أو الصالح العام في غزة بالتنازل عن بعض شروطه وقبول الهدنة وحقن دماء المدنيين خاصة وأن أداة القتل الإسرائيلية لا تتوقف!
ربما أخطأت حسابات السنوار بشأن غزة بإصراره وتمسكه بشروطه الكاملة لوقف الحرب دون أن يراجع انعكاسات الطوفان السلبية على شعب غزة وارتداده على حركة حماس بشكل سيئ، الواضح من الوهلة الأولى للحرب أن السنوار حاول أن يظهر في ثوب الزعيم الفلسطيني الكبير الذي استطاع ارباك اسرائيل بهجوم لم يسبق له مثيل في التاريخ الفلسطيني منذ النكبة، الا أن المراجعة الموضوعية للحرب ومآلاتها تكشف أن تصورات السنوار الشخصية المبنية على الهوس بالزعامة قادت الى سيناريوهات خطيرة جدا على مستقبل قطاع غزة الذي يوشك أن يقع مجددا في قبضة الإحتلال بعد عشرين عاما من انسحاب شارون منه .
كانت شروط السنوار لقبول مقترح وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، تتمثل في ثلاث مراحل للهدنة كل مرحلة مدتها 42 يوما، المقترح يتضمن انسحابا كاملا من غزة وعودة النازحين وتبادل الأسرى، وأن يتضمن الاتفاق عودة الهدوء المستدام مع وقف العمليات العسكرية ووقف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أوقات معينة، وكذلك عودة النازحين بدون أي شرط، وإعادة إعمار غزة تحت إشراف قطر ومصر ومنظمات دولية، وكذلك تبادل الأسرى سيتم على 3 مراحل، المرحلة الأولى تتضمن ما تبقى من نساء من مدنيين وعسكريين والمجندات الإسرائيليات، والأطفال وكبار السن والمرضى.
وفي المرحلة الثانية سيتم وقف العمليات العسكرية، ومن كان موجودا حيا في قطاع غزة من الـ 33 الذي طلبته إسرائيل فسيتم الإفراج عنهم وإلا فسيتم تحرير جثثهم، مع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
ومن الواضح أن السنوار لا يريد التعجل في إنهاء الاتفاق مع إسرائيل أو تحقيق الهدنة لصالح أهالي غزة، لأنه يعلم تداعيات هذا الاتفاق بالنسبة لحكومة نتنياهو، كما أن هدفه بقاء مشروع المقاومة وبقائه على رأس الحركة وعودة غزة مجددا إلى سيطرة حماس، حتى وإن كان الثمن استمرار الحرب وإبادة كل ما هو فلسطيني، وهذا لا يهم ما دام الدعم الإيراني للحركة لم يتوقف، والذي قدر بمبلغ 222 مليون دولار خلال 6 سنوات.
السنوار أخطأ في المرة الأولى عندما قرر أن ينفذ أجندة إيران وخطط للعملية بخيارات محدودة و دون وضع حسابات الربح والخسارة ملقيا على عاتق قادة حماس في الخارج ثقل العملية التفاوضية المعقدة والغير مضمونة، ثم عاد مجددا للخطأ عندما حدد شروطا معقدة في الربع ساعة الأخير من المرحلة الحاسمة في الحرب وهنا نقصد اجتياح رفح، كل هذا انعكس سلبا على حماس وقياداتها في الخارج الذين أصبحوا في ورطة البحث عن ملاذ آخر بعد أن انتقمت قطر من الحركة بسبب تطبيع علاقاتها مع سوريا، وترددت تركيا في فتح باب الاستضافة خشية أن تضع نفسها محل شبهة.. وعلى العموم لن تكتفي الأيام القليلة القادمة مصير السنوار وحماس بل ستحدد أيضا مستقبل غزة ومستقبل المنطقة على المدى الطويل وما نخشاه أن تكون خطيئة السنوار هي مقدمة لعودة احتلال سيجثم على ظهور الفلسطينيين في قطاع غزة ربما لعقود من الزمن .