أحمد عبد الوهاب
أمد/ لا يزال العدوان الغاشم على قطاع غزة، يسيطر على أجواء المشهد السياسي العالمي، فما يحدث على أرض النضال من إبادة جماعية، كارثة إنسانية غير مسبوقة، أججت مشاعر المواطنين من مختلف الأديان حول العالم، فمشاهد القتل للأطفال والنساء والشيوخ، فجرت أمواج الغضب، في نفوس مختلف الفئات والأطياف، ولا أحد يعرف إلى أي مدى سيستمر نزيف دماء الأبرياء.
استمرار الحرب الغاشمة على غزة، يؤكد عجز المجتمع الدولي، عن ردع جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرتكب جرائهم، تحت مظلة الحماية من الولايات المتحدة الأمريكية، راعية الإرهاب وأحد أسباب الأزمات والكوارث التي تعاني منها الدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي سعت بكل قوتها لتفيت قوة دول المنطقة، وإدخالها في حروب وصراعات داخلية، لحساب الكيان الإسرائيلي.
الوضع المتأزم دفع العديد من الدول إلى تقديم دعاوى أمام محكمة العدل الدولية، مقرونة بالأدلة لارتكاب جيش الاحتلال جرام الإبادة الجماعية تجاه المدنيين العُزل، ورغم صدور قرارات أممية وقضائية، تطالب الاحتلال بوقف ممارساته الوحشية، إلا أن نتنياهو المتغطرس، ضرب بكافة القرارات عرض الحائط، مستقويًا بالدعم الأمريكي المادي واللوجيستي.
الحرب الشعواء التي يتعرض لها الأشقاء في فلسطين، كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية، وتعكس ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، الأمر الذي يهدد الأمن والاستقرار العالميين.. فالحل الوحيد هو الوقف الفوري لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين، وتمكين المنظمات الدولية الإنسانية من أداء دورها.
يعرّض استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين المنطقة برمتها إلى صدام كبير يدفع ثمنه الأبرياء، وتطال نتائجه العالم كله، وتغير المعادلة وحساباتها قد تنقلب بين ليلة وضحاها، ورغم استمرار العديد من الأطراف في التشاور وعلى رأسهم مصر وقطر، إلا أن الأوضاع تزداد سوءًا على المدنيين، الذي ينتظرون الموت جوعًا أو قصفًا.
ولم يعط الاحتلال فرصة للمنظمات الإغاثة لأداء دورها، بل يحاول تجفيف منابعها ومنعها من أداء الدور الإنساني، ويتطلب الأمر جهدًا جماعيًا منسقًا للقيام بتحرك فعّال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، والعمل لفك الحصار بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وتأمين المستلزمات الطبية للمرضى والمصابين في غزة، فالسبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان، وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يضمن استدامة الأمن واستقرار المنطقة ودولها.
ما يتعرض له الشعب الفلسطيني هو أبشع عدوان وحشي وحرب إبادة على يد آلة الحرب الإسرائيلية الجبانة التي انتهكت القانون الإنساني، وتخطت كل الخطوط الحمراء في غزة بقتل وجرح أكثر من 40 ألفًا غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، علاوة على تدمير آلاف البيوت على ساكنها، ويعتقد الاحتلال الإسرائيلي أن قوته ستحميه وترهبه، وتتحمل الولايات المتحدة، باعتبار أن لها التأثير الأكبر على إسرائيل، المسؤولية عن غياب الحل السياسي، فقطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، ويجب أن يكون الحل السياسي شاملاً لكل أرض فلسطين الضفة والقدس وغزة، وعلى مجلس الأمن إقرار دولة فلسطين على عضويتها الكاملة، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وحشد الدعم الدولي لتمكين مؤسسات دولة فلسطين من مواصلة مهامها.
الظلم لم يبدأ في 7 أكتوبر، بل هو امتداد لأكثر من سبعة عقود سادت فيها عقلية القلعة والاعتداء على الحقوق وغالبية ضحاياها الأبرياء، وهي العقلية التي تريد تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة، وتستهدف المساجد والمدارس والكنائس وتقتل الأطباء وفرق الإنقاذ والأطفال الشيوخ والنساء، المعايير المزدوجة للتعامل مع أزمة غزة، أظهر السقوط المدوي وكشف الوجه القبيح للعديد من الدول الغربية التي اكتفت بمشهد المتفرج. ما يحدث من تخاذل عن وقف الحرب في غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية في المنطقة، مهما كان ضبط النفس فإن الاعتداءات كفيلة بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها.
باتت الكلمات عاجزة عن وصف ما يحصل في غزة ورام الله، واستهداف المساجد والمدارس والمخيمات وسيارات الإسعاف بشكل وحشي لا مثيل له في التاريخ، لذلك لابد من وقوف العالم الإسلامي موقفًا موحدًا حيال هذا الحدث الجلل، والعمل على إيصال المساعدات دون توقف، ووقف إطلاق النار فورًا، ومن الضروري محاسبة إسرائيل على جريمتها عبر مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، فالعالم الإسلامي يمكنه معالجة مشاكله بالوحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي من شأنها أن تلعب دورًا يجسد مشهدًا من مشاهد الوحدة والانسجام،
مأساة الشعب الفلسطيني، تتجسد في عدم وجود حل عادل شامل ونهائي للقضية الفلسطينية، فغزة لم تكن يومًا قضية، وإنما فلسطين هي القضية وغزة تجسيد لجوهرها وتعبير صارخ عن معاناة شعبها، وإذا لم تمتلك الدول أدوات حقيقية للضغط، فلا معنى لأي خطوة تحدث لذلك لابد من تطبيق 4 أولويات ملحة، وهي الخفض العاجل والملموس للتصعيد، ووقف الاعتداءات العسكرية بما يقتضى وقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة، وضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية لسكان غزة، وإرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية كفيل بإنعاش حل الدولتين.
واقعيًا، ما يشهده قطاع غزة يعد حرب تدمير ممنهجة، تسقط أمامها كل مفردات الإدانة، وما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب بشعة لا يردعها قانون دولي ولا ضمير إنسانية، وهو ما يتطلب توحيد العمل العربي المشترك من أجل إنقاذ فلسطين وغزة، من الوضع الكارثي، والعمل الجاد على الانتقال إلى مربع القرار، بأن تكون السيادة الفلسطينية قضية عربية أولاً وأخيرًا لا حياد عنها، والوقوف ضد مشروع التوسع الإسرائيلي وعمليات التهجير، وكذلك العمل لوقف فوري غير مشروط لإطلاق النار، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات لغزة، وإطلاق مسار سياسي جدي يدفع باتجاه حل عادل وشامل ودائم، والتوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، ويبقى حل الدولتين بمثابة أفضل المسارات للمضي قدمًا، والسعي إلى بناء مستقبل أفضل للجميع على أساس مبادرة السلام العربية.
الفلسطينيون في غزة بحاجة إلى تحويل التضامن العربي والإسلامي إلى فعل أقوى وأكثر تأثيرًا، فلابد من وقف إطلاق نار إنساني، مع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، والتدفق المُجدي والمستمر للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود. يشعر أهالي غزة بتجريدهم من إنسانيتهم، وتمكن مخاطر المعايير المزدوجة، ووصفت بشكل صريح وواضح الحملة الجارية لتجريد الفلسطينيين من إنساني تهم بالإضافة إلى مخاطر امتداد النزاع إلى المنطقة، وهو ما تشهد الحدود اللبنانية – الإسرائيلية من درجة شديدة من التوترات.
ما يحدث في غزة دعا العديد من الدول والمنظمات الدولية والإسلامية، إلى مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووقف كافة الأنشطة والمعاملات التجارية وغيرها، في محاولة للضغط من أجل وقف إطلاق النار، ولكن حتى الآن رغم كافة المحاولات السابقة والوساطات، لازال جيش الاحتلال يقتل الأبرياء ويدمر ما تبقى من بنية تحتية، وهو ما يعكس النوايا الخبيثة لإسرائيل، في محو القضية الفلسطينية، وإنهاءها بشكل كامل، عن طريق قتل أكبر عدد من الشعب، وتهجير ما تبقى خارج الحدود.
الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال تحتاج إلى وقفة تضامنية حاسمة، وتضافر الجهود من أجل لوقف جرائم الإبادة الجماعية، ليس بمبادرات المقاطعة فقط، بل بتبني موقف دولي موحد، يُجبر الولايات المتحدة، للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل بدون شروط، وإيجاد حل فوري، يقضي بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وعاصمتها القدس، ومنح فلسطين العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.
قبل أيام، اختتمت أعمال الدورة الـ 15 لمؤتمر التعاون الإسلامي، وناقش الحضور ما يتعرض له المسلمون في بعض الدول، وكان على رأس أعمال القمة، ما يحدث في قطاع غزة، من جرائم إبادة جماعية، وانتهت أعمال القمة بـ «إعلان بانجول»، الذي تضمن 34 بندًا، على رأسهم توصيات مشددة بإيقاف العدوان الغاشم على غزة، ما خرجت به القمة من توصيات، يؤكد حجم التضامن، تجاه القضية الفلسطينية، ولكن أصبح التضامن وحده لا يكفي، وعلى الدول الإسلامية، أن تتخذ موقفًا أكثر صرامة، يدفع الاحتلال للتوقف عن ممارساته الوحشية تجاه الفلسطينين.