حكم شهوان *
أمد/ منذ توليه منصب المفوض العام للاونروا وتحديدا بعد تعرض ادارة الاونروا السابقة لهجمات سياسية متعددة ادت الى تغيير في ادارة الاونروا عام ٢٠١٩، يستمر المفوض الحالي للاونروا في اتخاذ قرارات غير مسؤولة في اقل تعبير وتكاد ان توصف بالمتخاذلة او حتى بالمشبوهة.
ان مسؤولية المفوض العام الاولى والاساسية هي حماية المؤسسة الاممية وحماية مصالح اللاجئين الفلسطينيين دون اي تقصير او تقليص. هذا ملخص واجبه الوظيفي ان لم يكن واجبه الأخلاقي والإنساني.
بعد مرور حوالي النصف من فترة تعيينه الاولى، قام المفوض بتأخير كبير ودون مبرر في تعيين احد اهم المناصب في قسم العلاقات الخارجية الذي يعتبر اساسي في جلب التمويل للوكالة.
بعدها بدأت المشكلة المالية السنوية المعتادة لكن بشكل مختلف واكبر وبدأت الاجراءات والمقترحات تظهر من قبل المفوض وكانها الحل الوحيد متناسيا الولاية الخاصة بالأونروا ومسؤولياتها تجاه ٦ مليون لاجئ فلسطيني.
على سبيل المثال قدم المفوض العام لائحة بالخدمات التي تقدمها الوكالة الاممية يظهر بجانب كل منها تكلفتها المتوقعة، قدمها للدول المانحة ليختاروا هم اي منها يريدون تمويلها واي منها يتم شطبه. مقترح غيب عنه العواقب المترتبة على مئات الاف العائلات الفلسطينية التي تعتمد على مساعدات الاونروا في كافة مناطق العمليات الخمس.
بعدها بفترة وجيزة وبعد العديد من الاعتراضات الداخلية في الاونروا على اسلوب ادارته قامت لجنة خارجية متخصصة دفعت تكاليفها ألمانيا في تقييم ادارته واسلوب تعامله مع المدراء والموظفين وتبين في التقرير خروقات كبيرة فادحة. كانت ردة الفعل بعد تسريب التقرير في ان قام المفوض بدعوة المدراء الى اجتماع في عمان لتحسين علاقته معهم. هذا الاجتماع كان عبارة عن درس خاص في الطبخ المنزلي. مهزلة.
بعدها بقليل قام بتعيين مستشار سياسي مدفوع الراتب من قبل دولته السويسرية ( لتاكيد خرقه للحيادية !)
لم تنته سلسلة القرارات التخريبية حيث قرر استحداث تسجيل اللاجئين باسلوب يتطلب من كل لاجىء التواجد شخصيا لتثبيت بصمة العين او الوجه واشترط تسليم المساعدات في اتخاذ هذا الاجراء لاسباب مشبوهة ايضا. يستمر العمل في هذا النظام في لبنان لينتشر بعدها الى مناطق العمليات الخمس.
لم تنته الاجراءات والقرارات حيث نقل بقرار منه ارشيف الاونروا وارشيف اللاجئين الفلسطينيين من المقر الرئيسي في الاونروا الى مقر الاسكوا في لبنان دون اي مبرر سوى “تحديث الارشيف” خارج مقرات الاونروا.
بحجة الازمة المالية قام ايضا بتقليص رواتب ومستحقات الموظفين من خلال تجميد العلاوة السنوية للموظفين وكانها هي المسبب في التكاليف دون النظر في ملايين الدولارات التي تم صرفها على تحديث ديكورات مكاتبه في عمان وفي القدس وتكاليف تخصيص سيارة حديثة رسمية تابعة للاونروا ليتم استخدامها من قبل زوجته في عمان.
كل هذا قبل السابع من اكتوبر.
اما بعد،
اسابيع قليلة من الحرب على غزة، واستجابة منه للمطالب الاسرائيلية قام متسرعا باعلان مقرات الاونروا في شمال غزة غير آمنة واصدر تعليماته للموظفين بترك تلك المقرات التي كانت تمثل الاماكن الامنة الوحيدة في غزة لايواء مئات الألاف من المدنيين والاطفال والنساء كما اعلن لموظفيه المحليين ان يتدبروا امورهم بانفسهم بدل توفير الارشادات والتعليمات الامنية الخاصة في ظروف امنية صعبة للغاية. المهم بالامر اخلاء الموظفين الدوليين واما المحليين فهم اصلا من داخل البيئة والمجتمع نفسه فليواجهوا الموت والقتل حسب اعتباراته.
استمرت الحرب وكالعادة ادعت اسرائيل ان عدد من الموظفين في الاونروا كانوا جزءا من عملية ٧ اكتوبر محاولة تدمير مصداقية الاونروا. دون اي تفكير او تحقيق بالامر قام المفوض بفصل هولاء الموظفين ليصبحوا هم عرضة للقتل ولتصبح الاونروا مستهدفة من المجتمع الدولي الذي اعتبر قرار الفصل اعترافا ضمنيا للاتهامات الاسراءيلية. بالفعل اوقفت ١٧ دولة تمويلها للاونروا.
وبعد اشهر من فصلهم وحتى بعد الإنتهاء من التحقيقات الخاصة معهم وتبين ان لا دليل لمشاركتهم في عمليات السابع من اكتوبر لم يرجع المفوض في قراره ولم يعيد اي منهم للعمل.
اليوم، يصدر قرارا خطيرا جديدا يتعلق باغلاق مقرّ الاونروا الرئيسي في القدس الشرقية. هذا القرار الذي دفع عدد من المسؤولين الكبار في السابق ثمن عدم اتخاذه، يتخذه اليوم بحجة عدم توفر الحماية من قبل اسرائيل.
المفوض العام غير مهتم وغير معني بمقرات القدس اصلا. فقد قام هو نفسه بنقل مقره من القدس الى عمان منذ سنوات وقام بنقل مقر مسؤولين اخرين من القدس الى عمان لاسباب شخصية لا علاقة لها باولويات واحتياجات المؤسسة. مقره اصبح مغلقا وكانه مقر اشباح منذ سنوات فلا يوجد احد هناك من المكتب التنفيذي ولا العلاقات الخارجية ولا المتحدث الرسمي والإجراءات جارية لنقل المكتب القانوني الى عمان بالتدريج. فهذا ما يريده الاحتلال. عندما طُلِب منا في السابق اغلاق مقراتنا في القدس قمنا بتثبيتها وقمنا بتاكيد احقية وجودها تحديدا في القدس الشرقية اما اليوم فيغلقها هو دون مبرر.
عندما كان هناك خلافا نقابيا واغلاقا للمقر في القدس قام المفوض باجراءات متعددة منها منع موظفيه من دخول المقر وتعيين شركة حراسة خاصة “لحماية” المقر من “تهديد” موظفيه اما اليوم فهو يقدم هدية للاحتلال باغلاقه للمقر بدل استنكار الهجوم البربري من قبل بعض المستوطنين وبدل عقد موتمر صحفي داخل المقر يدعو فيه كافة الدول الممولة للاونروا طالبا منهم التدخل الفوري لحماية منشآت الوكالة في القدس وفي الضفة الغربية وفي غزة وبدل عقد اجتماع عاجل للجنة الاستشارية ودعوة اجتماع خاص للجمعية العمومية من خلال الدول الأعضاء الداعمين للاونروا.
اضافة ، فالرد الرسمي الفلسطيني لا زال خجولا ويفتقر الاصرار على الامين العام ان يحاسب ممثليه ويضعهم امام مسؤولياتهم. ان اضطر الامر الاعلان عن هذا المفوض بانه شخص غير مرغوب به للتعامل مع القضية الام لفلسطين وهي قضية اللجوء والظلم الناتج عنه.
يذكر انني لم التق بالمفوض العام سوى مرة واحدة خلال فترة عملي في لبنان وكان هو خارج الاونروا لكنه كان مصرا بان تكون له وصاية على الاونروا في لبنان بحكم منصبه في حينه نائبا للمثل الخاص للامين العام في لبنان وطبعا تم رفض طلبه او اي تدخل منه في شؤون الاونروا.
تسجل في كافة الاحيان احداث للتاريخ وللمستقبل والتاريخ سيحاسب كل شخص ساهم في تدمير هذه المؤسسة العظيمة وما تمثله من اهمية في قضية اللجوء الفلسطيني.
*رئيس الموظفين ومدير عام المكتب التنفيذي لدى الاونروا سابقا.